- قد عيب على أبي الطّيب قَوْله: " التائه "، وَالْقَصِيدَة مَهْمُوزَة كلهَا وَاعْتذر لَهُ قوم بِأَنَّهُ لم يرد التصريع، لِأَن الْهَاء فِي القافية أَصْلِيَّة وَقد جعل قوم مِمَّن رتبوا الدِّيوَان على الْحُرُوف هَذِه فِي حرف الْهَاء، لجهلهم بالقوافى وَإِنَّمَا أَبُو الْفَتْح والخطيب جعلاها فِي أول حرف الْهمزَة، فاقتدينا بفعلهما والقوافي خمس يجمعهما سبكرف كل حرف لقافية وَهِي متكاوس ومتدارك ومتراكب ومتواتر ومترادف فالمتكاوس أَربع حركات بَين ساكنين كَقَوْلِه
(قد جبَر الدينَ الإلهُ فَجُبِرْ ...)
والمتراكب ثَلَاث حركات بَين ساكنين كَقَوْل المتنبى
(بِم التَّعللُّ لَا أهلٌ وَلَا وطَنَُ ...)
والمتدارك حركتان بَين ساكنين كَمَا فِي هَذِه القصيدة والمتواتر حَرَكَة وَاحِدَة بَين ساكنين كَقَوْلِه
(صِلةُ الهَجرْ لى وهَجر الوِصَالِ ...)
المترادف اجْتِمَاع ساكنين كَقَوْلِه
(لَا تحسنُ الشعَّرة حَتَّى تُرَى ... مَنْشورَة الضّفرَين يوْمَ القِتالْ)
الْغَرِيب العاذل وَاحِد العذال والعذّل وَجمع عاذلة عواذل والتائه المتحير وسويداء الْقلب الْحبَّة السَّوْدَاء الَّتِى فِي جَوْفه كَأَنَّهَا قِطْعَة كبد وروى قلبى بِالْإِضَافَة وَيكون التائه صفة لَهُ وَلَيْسَ بجيد لِأَنَّهُ لَا يُقَال تاه الْقلب وَالرِّوَايَة الجيدة قلب التائه بِالْإِضَافَة إِلَى التائه الْمَعْنى يَقُول حبّ الْأَحِبَّة فِي سويداء قلبى لَا يُفَارِقهُ وعذل العواذل خارجّة فاللوم لَا يصل إِلَيْهِ وَفِيه نظر إِلَى قَول عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة
(تَغَلْغَلَ حيثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ ... وَلَا حُزْنٌ وَلم يَبْلُغْ سُرُورُ)
1 / 1
- الْغَرِيب الملام اللوم واللوائم جمع لائمة والبرحاء شدّة الْحَرَارَة الَّتِي فِي الْقلب من الحبّ وَأَصله الشدّة تَقول لقِيت مِنْهُ برحا بارحا أى شدّة وأذى قَالَ الشَّاعِر
(أجِدَّك هَذَا عمرّك اللهَ كلَّما ... دعَاك الهَوَى بَرْحٌ لعينيك بارحُ)
وَلَقِيت مِنْهُ بَنَات برح وَبنى برح وَلَقِيت مِنْهُ البرحين بِضَم الاباء وَكسرهَا أى الشدائد والدواهى الْمَعْنى يَقُول إِن الملام يشكو حرارة الْقلب فَلَا يصل إِلَيْهِ فَيرجع عَن التَّعَرُّض إشفاقا أَن يَحْتَرِق فَيَقُول للوام لَا أصل إِلَيْهِ وَإنَّهُ يعرض عَنى لشدَّة مَا بِهِ من برحاء الْهوى وَالْمعْنَى أَن اللوم لَا يقدر على الْوُصُول إِلَى الْقلب وَقَلبه يعرض عَن اسْتِمَاع اللوم وَهَذَا كُله مجَاز وَتوسع
٣ - الْغَرِيب الْملك يُرِيد سيف الدولة وَخرج من النسيب إِلَى ذكر الممدوح وطابق بَين السخط وَالرِّضَا وَقَوله يَا عاذلى وَكَانَ ينبغى أَن يَقُول يَا عاذلتى لِأَنَّهُ ذكر العواذل فِي الأول وَإِنَّمَا أَرَادَ يَا من يعذلنى لِأَن من تقع لإبهامها على الْوَاحِد والاثنين والمذكر والمؤنث وَالْجمع أَو كَأَنَّهُ خَاطب وَاحِدَة من العواذل بخطاب الْمُذكر وَقَالَ يَا عاذلى أَو أَرَادَ إنْسَانا عاذلا وَالْإِنْسَان يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى الْمَعْنى يَقُول لم أسمع فِيهِ عذلا فقد عذلنى من هُوَ أَشد عذلا مِنْك فعصيته وَلم آتٍ غَيره ورضيت خدمته وأسخطت الْخلق فِي رِضَاهُ
1 / 2
- الْإِعْرَاب كَذَّاب مصدر قَالَ الشَّاعِر
(فصدقتُها وكذبتُها ... والمَرْءُ يَنفَعُهُ كذابه)
وَقَرَأَ الكسائى ﴿لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ مصدر كَقَوْلِك قَاتل قتالا يُقَال كذب كذبا وكذبا فَهُوَ كَاذِب وَكَذَلِكَ كَذَّاب وكذوب وكيذبان ومكذبان ومكذبانة وكذبة مثل همزَة وكذبذب مخفف وَقد يشدد قَالَ جريبة بن الأشيم
(وَإِذا سمِعْتَ بأننى قد بِعْتكُمْ ... بوِصالِ غانية فَقل كذُّبْذُبُ)
وَالْكذب جمع كَاذِب مثل رَاكِع وَركع والكذاب جمع كذوب مثل صبور وصبر وَقَرَأَ الْحُسَيْن ﴿وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب﴾ فَجعله نعتا للألسنة الْمَعْنى يَقُول النَّاس يمدحون بِمَا هُوَ حق وباطل ومدحك حق لَيْسَ فِيهِ كذب بل هُوَ حق لَا يشوبه بَاطِل وَهَذَا كَقَوْل حبيب
(لما كَرُمْتَ نَطَقْتُ فِيكَ بمَنْطِقٍ ... حَقّ فَلَمْ آثَمْ وَلمْ أتَحَوّبِ)
(وَإِذا مدحتُ سِواكَ كنتُ مَتى يَضِقْ ... عَنَّى لَهُ صِدْقُ المَقالَةِ أكْذِبِ)
٤١ - الْمَعْنى يُرِيد إِذا كَانَ لى مِنْك الْمحبَّة فَالْمَال هَين لَيْسَ بشئ الْمحبَّة الأَصْل وكل مَا على وَجه الأَرْض فَأصْلح مِنْهَا يعْنى من التُّرَاب وَيصير إِلَى التُّرَاب
٤٢ - الْغَرِيب المُهَاجر هُوَ الذى يهجر منزله وعشريته وَمِنْه الْمُهَاجِرُونَ هجروا أهلم وعشائرهم وَهَاجرُوا إِلَى الله وَرَسُوله قَالَ تَعَالَى ﴿وَمن يخرج من بَيته مهَاجر إِلَى الله وَرَسُوله﴾ وصحاب جمع صحب كأهب وإهاب الْمَعْنى لَوْلَا أَنْت لَكَانَ كل بلد بلدى وكل أهل أهلى وَلَوْلَا أَنْت لم أقِم بِمصْر فَإِن جَمِيع النَّاس والبلاد فى حقى سَوَاء
1 / 3
- الْإِعْرَاب فومن أحب الْفَاء عاطفة على مَا تقدم وَالْوَاو للقسم وَمن فِي مَوضِع خفض الْمَعْنى يَقُول قسما بِهَذَا المحبوب لَا أَطَعْت فِيهِ عاذلا وَكَيف وَقد أقسم بحسنه وَنور وَجهه
١٠ - الْإِعْرَاب هَذَا اسْتِفْهَام إِنْكَار وَجمع بَين همزتين وهى لُغَة فصيحة وَقد قَرَأَ أهل الْكُوفَة وَابْن ذكْوَان بتحقيق الهمزتين فِي كل الْقُرْآن إِذا كَانَتَا من كلمة وَوَافَقَهُمْ هِشَام إِذا كَانَتَا من كَلِمَتَيْنِ كَقَوْلِه جَاءَ أمرنَا الْمَعْنى يَقُول لَا أجمع بَين حبه وَبَين النهى عَنهُ يُرِيد النهى عَن حبه وَقد نَاقض قَول أَبى الشيص وَأَيْنَ الثرى من الثريا فِي قَوْله
(أجِدُ المَلامَةَ فِي هَوَاكِ لَذِيذَةً ... حُبًّا لذِكْرِكِ فلْيَلُمنى اللُّوّمُ)
وَقَالَ الواحدى الْمَعْنى أَن صَاحب الْمَلَامَة وَهُوَ اللائم من أَعدَاء هَذَا الحبيب حَيْثُ ينْهَى عَن حبه وَمن أحب حبيبا عادى عدوه
١١ - الْغَرِيب الوشاة جمع واش وَهُوَ الذى يزخرف الْكَذِب وينمقه واللحاة جمع لَاحَ وَهُوَ الذى يزْجر عَن الْأَشْيَاء ويغلظ القَوْل الْمَعْنى يَقُول مَا أرى إِلَّا واشيا أَو لاحيا فاللحاة يَقُولُونَ لَهُ دع الْحبّ الذى ضعفت عَن كِتْمَانه والوشاة يتعجبون من هَذَا القَوْل لأَنهم يكلفونهم مَا لَا يَسْتَطِيع لِأَنَّهُ إِذا ضعف عَن إخفائه فَهُوَ عَن تَركه أَضْعَف
١٢ - الْإِعْرَاب سوى إِذا قصرته كَسرته وَإِذا مددته فَتحته الْغَرِيب الْخلّ الصّديق وَهُوَ الْخَلِيل أَيْضا الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح يَقُول لَيْسَ لَك خَلِيل إِلَّا نَفسك وَهُوَ كَقَوْلِه
(خَليلُكَ أنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ خِلِّى ... وإنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ والكَلامُ)
قَالَ وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى مَا الْخلّ إِلَّا من لَا فرق بينى وَبَينه فَإِذا وددت فكأنى أحب بِقَلْبِه وَإِذا نظرت فكأنى أنظر بطرفه الْمَعْنى خَلِيلك من وَافَقَك فِي كل شئ فيود مَا وددت وَيرى مَا ترى وَنَقله الواحدى حرفا فحرفا وَقَالَ ابْن القطاع مَا خليلى إِلَّا الذى يُبَالغ فِي الْمَوَدَّة فَكَأَنَّهُ يود بقلبى
1 / 4
- الْغَرِيب الصبابة رقة الشوق وَأَرَادَ على ذى الصبابة فَحذف الْمُضَاف والأسى الْحزن والإخاء الْأُخوة الْمَعْنى قَالَ الواحدى يجوز أَن يكون على الصبابة أى مَعَ مَا أَنا فِيهِ من الصبابة كَقَوْل الْأَعْشَى
(وأصْفَدَنِى على الزَّمانَةِ قائِدًا ...)
أى أعطانى مَعَ مَا كنت أقاسيه من الزمانة قائدا وَيكون الْمَعْنى إِن الذى يعين مَعَ مَا أَنا فِيهِ من الصبابة بإيراد الْحزن على باللوم أولى برحمتى فيرق لى ويؤاخينى فيحتال فِي طلب الْخَلَاص لى من ورطة الْهوى وَهَذَا فى عراض قَول أَبى ذَر فِي الأبيات الَّتِى أَمر سيف الدولة أَن يجيزها
(إنْ كنتَ ناصحَة فَداوِ سَقامَه ...)
وَجعل إِيرَاده عَلَيْهِ الْحزن عونا على معنى أَنه لَا مَعُونَة عِنْد إِلَّا هَذَا كَقَوْلِهِم عتابك السَّيْف وحديثك الضَّرْب أى وضعت هَذَا مَوْضِعه
١٤ - الْمَعْنى يَقُول لعاذله دع العذل فإنى سقيم لَا أحتمله وَهُوَ من جملَة أسقامى لِأَنَّهُ يزيدنى سقما وارفق فَإنَّك ترى ضعف أعضائى وَأَنَّهَا لَا تحْتَمل أَذَى والسمع من جملَة أعضائى فَلَا تورد عَلَيْهِ مَا يضعف عَن استماعه وَقَالَ أَبُو الْفَتْح هَذَا مجَاز لِأَن السّمع لَيْسَ من الْأَعْضَاء وَلكنه يحمل على أَنه أَرَادَ مَوضِع السّمع من أَعْضَائِهِ أى الْأذن
١٥ - الْغَرِيب السهاد الأرق وسهد بِالْكَسْرِ يسهد سهدا والسهد بِضَم السِّين وَالْهَاء قَلِيل النّوم قَالَ الشَّاعِر أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ
(فأتَتْ بهِ حُوشَ الجنَانِ مُبَطنًا ... سُهُدًا إِذا مَا نَام ليلُ الهُوْجَلِ)
الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح اجْعَل ملامتك إِيَّاه فِي التذاذكها كالنوم فِي لذته فاطردها عَنهُ وَبِمَا عِنْده من السهاد والبكاء أى لَا تجمع عَلَيْهِ اللوم والسهاد والبكاء أى فَكَمَا أَن السهاد والبكاء قد أزالا الْإِكْرَاه فلتزل ملامتك إِيَّاه ورد عَلَيْهِ الواحدى وَقَالَ هَذَا كَلَام من لم يفهم الْمَعْنى فَظن زَوَال الْكرَى من العاشق وَلَيْسَ كَمَا ظن وَلكنه يَقُول للعاذل هَب أَنَّك تستلذ الْمَلَامَة كاستلذاذك النّوم وَهُوَ مطرود عَنْك بسهاد العاشق وبكائه فَكَذَلِك دع الملام فَإِنَّهُ لَيْسَ بألذ من النّوم فَإِن جَازَ أَن لَا تنام جَازَ أَن لَا تعذل وَذكر ابْن القطاع مَا ذكر أَبُو الْفَتْح
1 / 5
- ويروى لَا تعذل الْغَرِيب جمع الشوق وَهُوَ مصدر على أشواق وَذَلِكَ لاخْتِلَاف أَنْوَاعه الْمَعْنى يَقُول لَا تكن عاذرا للمشتاق فِي شوقه حَتَّى تَجِد مَا يجده فَهَذَا معنى قَوْله فِي أحشائه يُرِيد يكون قَلْبك فِي قلبه أى تحب مثل مَا يحب وَهُوَ من قَول البحترى ﵀
(إذَا شِئْتَ ألاَّ تعْذُلَ الدهرَ عَاشِقًا ... على كمَدٍ من لَوْعة البَيْن فاعْشَقِ)
١٧ - ويروى إِن المشوق الْإِعْرَاب مضرجا فِي الْمَوْضِعَيْنِ نصب على الْحَال وَفصل بَين اسْم إِن وخبرها بِالْحَال الْغَرِيب المضرج الملطخ بِالدَّمِ من ضرجت الثَّوْب إِذا صبغته بالحمرة الْمَعْنى إِنَّه جعل جَرَيَان الدمع كجريان الدِّمَاء وَهَذَا لِأَنَّهُ جعل العاشق كالقتيل تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ
١٨ - الْغَرِيب يعذب يطيب وَمِنْه المَاء العذب والمبتلى العاشق الذى بلَى بالحب والحوباء النَّفس وَجَمعهَا حوباوات الْمَعْنى يُرِيد أَن الْعِشْق طيب الْقرب يستعذب كقرب الحبيب وَإِن كَانَ ينَال من نفس العاشق أى يهلكها وَالْمعْنَى أَن الْعِشْق قَاتل وَهُوَ مَحْبُوب مَطْلُوب
١٩ - الْإِعْرَاب بفدائه أى بفدائك إِيَّاه أضَاف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه﴾ أى بسؤاله نعجتك وَيجوز إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول لملابسته إِيَّاه الْغَرِيب الدنف الشَّديد الْمَرَض والدنف بِالتَّحْرِيكِ الْمَرَض الملازم وَرجل دنف وَامْرَأَة دنف يستوى فِيهِ الْمُذكر والمؤنث والتثنية وَالْجمع فَإِن كسرت النُّون قلت امْرَأَة دنفة وثنيت وجمعت وَقد دنف الْمَرِيض وأدنف إِذا اشْتَدَّ مَرضه وأدنفه الْمَرَض يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى فَهُوَ مدنف ومدنف الْمَعْنى يُرِيد أَنَّك لَو قلت للدنف لَيْت مابك من برح الصبابة والهوى بى لَغَا من ذَلِك وَوجه غيرته الشُّح على محبوبه وَالْخَوْف أَن يحل أحد مَحَله فَهُوَ على مافيا لَا يسمح لأحد أَن يفْدِيه مِمَّا بِهِ من الْمَشَقَّة
1 / 6
- الْغَرِيب السخى الْكَرِيم والسخاء الْكَرم وَوقى وَقَاه الله أى دَفعه عَنهُ الْمَعْنى أَنه يَدْعُو لَهُ بالسلامة من الْعِشْق الذى لَا يقدر على دَفعه بالبأس وَالْكَرم يُرِيد أَنه أَمر شَدِيد وَإِن كَانَ كل أَمر شَدِيد تَدْفَعهُ ببأسك وكرمك وَمَعَ هَذَا هُوَ لطيف
٢١ - الْغَرِيب يستأسر يَجعله فِي الْأسر وَهُوَ الوثاق والبطل الشجاع الْمُسْتَتر بسلاحه والبطل هُوَ الذى تبطل عِنْده دِمَاء الْأَعْدَاء الْأَبْطَال لشجاعته وَقيل الكمى الذى يستر مَوَاضِع خلله بسلاحه أَو بجودة ثقافه وحذقه والعزاء الصَّبْر والتجلد الْمَعْنى يَقُول الْهوى يستأسر البطل من أول نظرة ينظرها إِلَى الحبيب فَيملكهُ هَوَاهُ فَلَا يبْقى لَهُ خلاص وَلَا صَبر وَلَا تجلد وَلَا يسمع وَلَا يبصر وَهُوَ من قَوْله ﵊
حبك الشئ يعمى ويصم وَمَعْنَاهُ من قَول جرير
(يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبّ حَتَّى لَا حراك بِهِ ... وهُنَّ أضْعَفُ خَلْقِ اللهِ إنْسانا)
٢٢ - الْغَرِيب النوائب جمع نائبة وهى الشدائد والكفء المماثل والنظير الْمَعْنى يَقُول إنى دعوتك لدفع الشدائد عَنى وَأَنت لم تدع إِلَى كُفْء لَك لِأَنَّك لَا نَظِير لَك يَدْعُوك إِلَى قِتَاله ومباهاته وَأَنت فَوق كل أحد
٢٣ - الْغَرِيب المتصلصل الذى لَهُ صلصلة وحفيف وَأَصله الصَّوْت وَمِنْه الصلصال الطين الْيَابِس الذى لَهُ صَوت والأمام قُدَّام وَهُوَ ضد الوراء وطابق بَين الفوق والتحت والقدام وَالْخلف الْمَعْنى يَقُول منعتنى من نَوَائِب الزَّمَان بإحاطتك عَلَيْهِ من جوانبه كالشئ الذى يحاط عَلَيْهِ من جَمِيع أَرْكَانه فَصَارَ مَمْنُوعًا وَالْمعْنَى أَنَّك منعتنى من الزَّمَان وحميتنى مِنْهُ وَفِيه نظر إِلَى قَول الحكمى
(تغَطَّيْتُ منْ دهرى بَظلّ جنَاحه ... فعيِنى تَرى دهْرِى وَلَيْسَ يَرَانِى)
1 / 7
- الْغَرِيب الفرند السَّيْف والخضرة الَّتِى تكون فِيهِ وَالْأَصْل النجار وَالْوَفَاء من الْوَفَاء بالعهد وَغَيره الْإِعْرَاب تكون الضَّمِير للسيوف وَلَيْسَت التَّاء هُنَا لمخاطبة الممدوح وَالتَّقْدِير من للسيوف بِأَن تكون سيف الدولة لِأَنَّهُ سميها الْمَعْنى يَقُول من يكفل للسيوف بِأَن تكون مثل سيف الدولة سميها واستعار اسْم لفرند لما كَانَ يَقع عَلَيْهِ اسْم السَّيْف ثمَّ ذكر الْفضل بَينه وَبَين السيوف المضروبة من الْحَدِيد واستعار الفرند لمكارمه ومحاسنه لِأَنَّهُ أفضل من السيوف وَهُوَ يفعل مَا لَا تَفْعَلهُ السيوف وَالسيف لَوْلَا الضَّارِب لما كَانَ إِلَّا حديدا وَإنَّك شرف وقمر للنَّاس فَكيف لَا تتمنى السيوف أَن يكون لَهَا مثلك سميا وَهُوَ كَقَوْلِه
(تظنّ سُيوفُ الهندِ أصلَكَ أصلَها ...)
٢٥ - الْغَرِيب على سيف الدولة هوه على بن أَبى الهيجاء بن حمدَان التغلبى والمطبوع الْمَصْنُوع وطبعت الشئ صَنعته وجنس وأجناس كنوع وأنواع الْإِعْرَاب الضَّمِير فِي كَانَ للحديد وَالْخَبَر الْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ فِي مَوضِع نصب خبر لَكَانَ وعَلى ابْتِدَاء والمطبوع صفة لَهُ وَمن آبَائِهِ الْخَبَر وَهُوَ فى مَوضِع رفع الْمَعْنى يَقُول الْحَدِيد ينْزع إِلَى أجناسه فَإِن كَانَ جيدا فَهُوَ من جنسه الْجيد وَإِن كَانَ رديئا فَهُوَ من جنسه الردئ وَهَذَا الممدوح على يرجع إِلَى أَصله وشرفه وَشرف آبَائِهِ لِأَنَّهُ شرِيف وَابْن شرِيف فَهُوَ معرق فِي الشّرف وَلَا يأتى من الشريف إِلَّا الشريف فِي غَالب الْأَمر فالحديد مطبوع من أَجنَاس الْحَدِيد كالفولاذ وَغَيره وَهَذَا الممدوح إِنَّمَا هُوَ من جنس وَاحِد جنس طيب شرِيف فَهُوَ لَا نِسْبَة بَينه وَبَين السيوف إِلَّا فى الاسمية لَا فِي الْفِعْل وَلَا فِي الْخلق وَلَا فى المضاء وَقد ذكرنَا هَذِه الْقطعَة فِي أول كتَابنَا وَإِن كَانَ جمَاعَة قد اخْتلفُوا فِيهَا مِمَّن لَا يعرف القوافى وَلَا لَهُ بهَا نِسْبَة وَلَا دراية وَمِنْهُم من جعلهَا فِي حرف الْيَاء وَلم يكن بَينهَا وَبَين الْيَاء نِسْبَة لِأَن الْبَاء الَّتِي فِيهَا إِنَّمَا هى همزَة وَلَا يجوز أَن تنقط وَإِنَّمَا هى صُورَة همزَة وَرَأَيْت فِي نسختين أَو ثَلَاث من ذكرهَا فِي حرف الْهَاء وَإِنَّمَا اقتدينا بالإمامين الفاضلين صاحبى الشّعْر والقوافى وَالْعرُوض الْعَالمين بالآداب وَكَلَام الْأَعْرَاب اللَّذين يقْتَدى بقولهمَا فى الْآفَاق وهما عُمْدَة أهل الشَّام والحجاز وَالْعراق أَبى الْفَتْح ابْن جنى وَالْإِمَام أَبى زَكَرِيَّا يحيى بن على التبريزى فَإِنَّهُمَا جعلاها فِي أول حرف الْهمزَة فاقتدينا بفعلهما واعتمدنا على قَوْلهمَا فَالله تَعَالَى يعصمنا من ألسن الحساد والأعداء ويسلمنا من انتقاد الجهلاء وَقد رتبت كتابى هَذَا على مَا رتبه الإمامان وتبعت فعلهمَا فِي كل مَكَان وَجَعَلته على حُرُوف الْكِتَابَة ليعين من أَرَادَ القصيدة أَو الْبَيْت فيقصد بَابه وَذكرت فِي أول كل قصيدة من أى بَحر هى وأى قافية ليعرف من أى البحور والقافية وَلم أترك شَيْئا ذكره المتقدمون من الشُّرَّاح إِلَّا أتيت بِهِ فِي غَايَة الْإِيضَاح وَذكرت المآخذ من أَيْن أخدها وَمن أَيْن أَخذهَا من قبله، وَمن أَيْن ابتدعها، وَلم أمل فِي ذَلِك إِلَى تعصب بل إِلَى كل غَرِيب من الْأَقْوَال تطلب وَذكرت قَول كل قَائِل بِالْوَاو وَالْفَاء وَلم أَخْتَصِرهُ بِأَن أتيت بِهِ على الِاسْتِيفَاء
1 / 8
- الْإِعْرَاب همزَة الِاسْتِفْهَام أدخلها على الْفِعْل مُتَعَجِّبا وحرف الْجَرّ مُتَعَلق بِالْفِعْلِ وَصرف إِسْحَاق ضَرُورَة وَحسب يتَعَدَّى إِلَى مفعولين فالثانى مَحْذُوف تَقْدِيره جَارِيا أَو مأخوذا وَبِه يتَعَلَّق الْجَار الْغَرِيب الإخاء الْمَوَدَّة والأخوة والإناء مَا يَجْعَل فِيهِ المَاء وَغَيره وَهُوَ مَمْدُود وَحسب تفتح عينه وتكسر فِي الْمُسْتَقْبل وَبِه قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَعبد الله بن عَامر بِالْفَتْح الْمَعْنى أتظن مَا هجيت بِهِ من قولى وَلم تميز قَول غيرى من قولى وأتنكر مَا بَيْننَا من الْمَوَدَّة والأخوة واستعار المَاء والإناء
٢ - الْإِعْرَاب أأنطق اسْتِفْهَام كَالْأولِ وحرف الْجَرّ الأول مُتَعَلق بِهِ والثانى بِالْمَصْدَرِ الْغَرِيب الهجر الْقَبِيح من الْكَلَام وَالْفُحْش وهجر إِذا هذى وَهُوَ مَا يفر لَهُ المحموم عِنْد الْحمى وَمِنْه قَول عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ مرض رَسُول الله
إِن الرجل ليهجر على عَادَة الْعَرَب الْمَعْنى كَيفَ أَقُول فِيك قبيحا وَأَنت عندى خير من تَحت السَّمَاء وَهَذَا مُبَالغَة يُرِيد خير النَّاس فِي زَمَانه
1 / 9
- الْإِعْرَاب وأكره وأمضى معطوفان على خبر إِن فِي الْبَيْت الذى قبله وَهَذَا يُسمى تضمينا وطعما نصب على التَّمْيِيز وحروف الْجَرّ مُتَعَلقَة بأكره وأمضى الْمَعْنى إِنَّك أكره طعما على الْعَدو من طرف السَّيْف وأنفذ فِيمَا تُرِيدُ من الْأُمُور من الْقَضَاء وَهَذَا مُبَالغَة يقصدون بِهِ الْمُبَالغَة لَا التَّحْقِيق واستعار لَهُ الطّعْم
٤ - الْإِعْرَاب مَا حرف نفى وحرفا الْجَرّ متعلقان بالفعلين وَكَيف وَقع فى مَوضِع التَّعَجُّب الْغَرِيب أربت زَادَت ومللت سئمت الْمَعْنى كَيفَ أهجوك وَأَنا أعلم بأسك وقدرتك على الْأَعْدَاء وَكَيف أتعرض لهجائك وَأَنا شَاب مَا زَاد سنى على عشْرين فَكيف مللت طول الْبَقَاء وَهَذَا من أعجب العجاب أَنى أتعرض لهجائك حَتَّى أعرض نفسى للهلاك وَهَذَا من أحسن الْمعَانى
٥ - الْإِعْرَاب وَمَا عطف على الأول وحرفا الْجَرّ متعلقان بالفعلين وَكَذَلِكَ الْبَاء يُرِيد أَنى مَا استوفيت أوصافك فِي المديح فَكيف أنقصها بالهجاء بل أَنا أولى بإتماتمها من الْأَخْذ فِي الهجاء
٦ - الْمَعْنى يُرِيد احسب أننى قلت فِيك هجرا فَكيف أقدر أَن أَقُول وَالنَّاس يعْرفُونَ فضلك وأصلك فكأنى إِذا هجوتك كمن يَقُول فِي النَّهَار هَذَا ليل فَهَل يقدر على ذَلِك أحد لِأَنَّهُ إِذا قَالَ هَذَا أكذبه النَّاس وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول الْعَامَّة من يقدر أَن يغطى عين الشَّمْس وَهُوَ من أحسن الْمعَانى
٧ - الْإِعْرَاب جعلت فداءه فى مَوضِع الدُّعَاء وَلَيْسَ هُوَ صفة لمرء وَإِنَّمَا يحسن أَن يكون صفة إِذا كَانَ خَبرا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُول على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ وَأَنت مرء مُسْتَحقّ لِأَن أسأَل الله أَن يَجْعَلنِي فداءه كَقَوْل الراجز
(مَا زِلْتُ أسْعَى مَعَهُمُ وأخْتَبِطْ ... حَتَّى إذَا جاءَ الظَّلاَمُ المُخْتَلِط)
(جاءُوا بِمَذْقٍ هَلْ رأيْتَ الذّئْبَ قَطّ ...)
كَأَنَّهُ قَالَ بضيح يَقُول من رَآهُ هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ وهم فدائى ابْتِدَاء وَخبر وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال وَيجوز أَن تكون لَا مَوضِع لَهَا وَقَالَ قوم وهم عطف على التَّاء من جعلت وَلم يُؤَكد الضَّمِير لطول الْكَلَام وأنشدوا
(بُنَيَّتِى رَيْحانَةٌ أَشَمُّها ... فَدَيْتُ بِنْتِى وَفدَتْنِى أُمُّها)
الْغَرِيب قَوْله مرء يُرِيد امْرُؤ وهى لُغَة مَعْرُوفَة الْمَعْنى أَنه يُنكر عَلَيْهِ أَنه أطَاع الحاسدين ودعا لَهُ أَن يكون المتنبى فداءه وهم فدَاء المتنبى
1 / 10
- الْإِعْرَاب من فَاعل هاجى وَيجوز أَن يكون خبر الِابْتِدَاء الذى هُوَ هاجى وحرف الْجَرّ يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ الْغَرِيب يُمَيّز يفرق والهراء بِضَم الْهَاء هُوَ الْكَلَام الْخَطَأ قَالَ ابْن السّكيت هرأ الْكَلَام إِذا أَكثر مِنْهُ فِي خطأ ومنطق هراء قَالَ ذُو الرمة
(لهَا بَشرٌ مِثلُ الحَرِيرِ ومَنْطِقٌ ... رَخِيمُ الحَوَاشى لَا هُرَاءٌ وَلا نَزْرُ)
وَأَصله الْكَلَام الْفَاسِد الذى لَا خير فِيهِ الْمَعْنى يُرِيد هاجى نَفسه من لم يفرق بَين كَلَامهم السَّاقِط وَبَين كلامى فَهَذَا هُوَ الهجولمن لَا يعرف هَذَا فيريد تَركك تَمْيِيز كلامى من كَلَامهم هجاء لنَفسك
٩ - الْإِعْرَاب أَن ترانى فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهُ اسْم إِن تَقْدِيره وَإِن رؤيتك فتعدل بالنصيب عطف على ترانى وَأَقل صفة لمَحْذُوف تَقْدِيره شَيْئا أقل من الهباء وحرف الْجَرّ الْأَخير مُتَعَلق بِهِ وحرف الْجَرّ الأول مُتَعَلق بِالْمَصْدَرِ الذى هُوَ اسْم إِن الْغَرِيب الهباء شئ يلوح مثل الذَّر فِي شُعَاع الشَّمْس قَالَ أَبُو الجوائز الواسطى
(بَرَانِى الهَوَى بَرْىَ المُدَى وأذَابَنِى ... صُدودُكِ حَتَّى صرْتُ أنحَلَ مِن أمْسِ)
(فَلَسْتُ أرَى حَتَّى أرَاكِ وإنَّمَا ... يَبِينُ هَباءُ الذَّرّ فِي ألَقِ الشَّمْسِ)
الْمَعْنى من الْعجب معرفتك لى ثمَّ إِنَّك تسوى بينى وَبَين خسيس أقل من الهباء يعْنى غَيره من الشُّعَرَاء
1 / 11
- ١٠ - الْإِعْرَاب اثْبتْ الْألف فِي أَنا للوصل أجراه مجْرى الْوَقْف والكوفيون يرَوْنَ هَذَا وَقَرَأَ نَافِع بإثباتها عِنْد الْهمزَة كَقَوْلِه ﷿ ﴿أَنا أحيي وأميت﴾ والزناء يمد وَيقصر قَالَ الفرزدق
(أَبَا حاضِرٍ مَنْ يَزْنِ يُعْرفْ زِناؤُه ... وَمَنْ يشْرَبِ الخُرْطومَ يُصبحُ مُسْكَرا)
وحرف الْجَرّ مُتَعَلق بطلعت الْمَعْنى يُرِيد أَن الْعَرَب تَقول إِذا طلع سُهَيْل وَقع الوباء فِي الْبَهَائِم فَجعل نَفسه سهيلا وَجعل أعداءه بهَا ثمَّ يموتون حسدا لَهُ وجعلهم أَوْلَاد زنا كَالْبَهَائِمِ لَا أصل لَهُم
١ - هَذَا من الْكَامِل متفاعلن متفاعلن متفاعلن وَهُوَ ضرب من الْمَقْطُوع الْإِعْرَاب يرْوى أَنْت من الظلام ضِيَاء فَيكون مُبْتَدأ وخبرا وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة إِذْ حَيْثُ كنت فَيكون ضِيَاء ابْتِدَاء وَخَبره حَيْثُ وَتَقْدِيره الضياء حَيْثُ كنت مُسْتَقر وَهُوَ الْعَامِل فِي حَيْثُ وَإِذا ظرف للأمن تَقْدِيره أمنُوا ذَاك إِذْ كنت بِهَذِهِ الصّفة وَقَالَ الواحدى ضِيَاء ابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره ضِيَاء هُنَاكَ وَكَانَ لَا تحْتَاج إِلَى خبر لِأَنَّهَا فِي معنى حصلت وَوَقعت قَالَ وَلم يُفَسر أحد هَذَا الْبَيْت بِمَا فسرته وَكَانَ بكرا إِلَى هَذَا الْوَقْت انْتهى كَلَامه وَقَالَ غَيره ضِيَاء مُبْتَدأ وَحَيْثُ كنت من الظلام خَبره وَإِذ مُضَافَة إِلَى هَذِه الْجُمْلَة وَمن الظلام حَال من حَيْثُ تَقْدِيره إِذْ ضِيَاء بمَكَان كونك وحصولك من الظلام وَيجوز رفع حَيْثُ على الِابْتِدَاء وَنَقله عَن الظَّرْفِيَّة وَهُوَ مبْنى الْغَرِيب الازديار افتعال من الزِّيَارَة والدجى والدجية ظلمَة اللَّيْل والرقباء جمع رَقِيب وَهُوَ الْحَافِظ النَّاظر الحارس كشريف وشرفاء وظريف وظرفاء وفقيه وفقهاء وشهيد وشهداء وكريم وكرماء وسفيه وسفهاء
الْمَعْنى يُرِيد أَن الرقباء قد أمنُوا أَن تزورينى لَيْلًا لِأَنَّك بدل من الضياء فِي اللَّيْل لِأَن نورك يزِيل الظلمَة كَمَا يزيلها نور الصُّبْح وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول أَبى نواس
(تَرَى حَيْثُمَا كانَتْ مِنَ البيْتِ مَشْرِقا ... وَمَا لَمْ تَكْنْ فِيه مِنَ البيْتش مَغْرِبا)
1 / 12
- الْإِعْرَاب قلق ابْتِدَاء وَخَبره هتكها ومسيرها عطف عَلَيْهِ وَخَبره مَحْذُوف للْعلم بِهِ يُرِيد ومسيرها فِي اللَّيْل هتك لَهَا والواوان فِي وهى مسك وهى ذكاء للْحَال وحرف الْجَرّ يتَعَلَّق بِالْمَصْدَرِ الْغَرِيب ذكاء اسْم للشمس معرفَة لَا ينْصَرف مثل هنيدة وشعوب الْمَعْنى قَالَ ابْن فورجه الهتك مصدر مُتَعَدٍّ وَلَو أَتَى بمصدر لَازم لَكَانَ أقرب إِلَى الْفَهم بِأَن قَالَ انهتاكها وَلكنه رَاعى الْوَزْن وَمثل هَذَا الْمَعْنى كثير فِي شعر الْمُحدثين وَقَوله وهى مسك زِيَادَة على كثير من الشُّعَرَاء إِذْ لم يَجْعَل هتكها من قبل الطّيب الذى استعملته بل جعل الْمسك نَفسهَا فَكَأَنَّهُ من قَول امْرِئ الْقَيْس
(وَجَدْتَ بِها طيِبا وَإنْ لَمْ تَطَيًّبِ ...)
وَقَول آخر:
(درّة كيفَما أُدِيرَتْ أضاءَتْ ... ومَشَمٌّ مِنْ حيثُما شُمَّ فاحاَ)
وَمثله قَول بشار
(وتَوَقَّ الطِّيبَ لَيْلَتَنا ... إنَّهُ وَاشٍ إذَا سَطَعا)
انْتهى كَلَامه يُرِيد بالقلق حركتها وَهَذَا من قَول البحترى
(وَحاوَلْنَ كِتمانَ التَّرَحُّل فِي الدُّجَى ... فَنَّم بِهِنَّ المِسْكُ لَمَّا تَضَوَّعا)
وَكَقَوْلِه أَيْضا
(وكانَ العَبيرُ بِها وَاشِيا ... وجَرْسُ الحُلِىّ عَلَيْهَا رَقِيبًا)
وَقَالَ آخر
(وأخْفَوْا على تلكَ المَطايا مَسِيرَهم ... فَنَمَّ عَليهم فِي الظَّلام التَّبسُّمُ)
وَقَول على بن جبلة
(بِأبى مَنْ زَارَنِى مُكْتَتِما ... حَذِرًا مِنْ كُلّ شًىْءْ فَزِعا)
(طارَقُ نَمَّ عَليهِ نُورُهُ ... كَيْفَ يُخْفِى اللَّيلُ بَدرًا طلعَا)
(رَصَدَ الخَلْوَة حَتَّى أمْكَنَتْ ... وَرَعَى السَّامِرَ حَتَّى هَجَعَا)
(كابَدَ الأهْوَالَ فِي زَوْرَتِه ... ثُمَّ مَا سَلَّمَ حَتَّى وَدّعا) وَقَالَ أَبُو المطاع بن نَاصِر الدولة وَأحسن
(ثَلاثَةٌ مَنَعَتْها مِنْ زِيارَتِنا ... وقَدْ دَجا الليَّلُ خوْفَ الْكَاشِح الحَنِق)
(ضَوْءُ الجَبينِ وَوَسْوَاسُ الحُلِىّ وَما ... يَفوحُ مِنْ عَرَقٍ كالعَنبر العَبِقِ)
(هَبِ الحَبينَ بفَضْل الكُمّ تَسْتُرُهُ ... والحَلْىَ تَنْزِعه مَا لشأنُ فِي العرَق)
1 / 13
- الْإِعْرَاب خَفَاء ابْتِدَاء تقدم عَلَيْهِ خَبره وَهُوَ الْجَار وَالْمَجْرُور وحرف الْجَرّ الأول يتَعَلَّق بِالْمَصْدَرِ وحرفا الْجَرّ الأخيران متعلقان بِالْمَصْدَرِ الذى هُوَ خَفَاء الْغَرِيب الْمَدّ لَهُ الذى ذهب عقله والأسف الْحزن وأسف يأسف أسفا إِذا حزن الْمَعْنى يَقُول إنى أَحْزَن لذهاب عقلى لما لقِيت فِي هَوَاك من الشدَّة والجهد حَتَّى إننى قد خفى على حزنى وَإِنَّمَا أتأسف على أَنَّك شغلتنى عَن معرفَة الأسف حَتَّى خفى على مَا الأسف لِأَنَّك أذهب عقلى وَإِنَّمَا تعرف الْأَشْيَاء بِالْعقلِ
٤ - الْغَرِيب الشكية والشكوى والشكاية بِمَعْنى وهى مصدر اشْتَكَى الْمَعْنى يَقُول إِنَّمَا أشتكى عدم السقم لِأَن السقم كَانَ حَيْثُ كَانَت لى أعشاء يحلهَا السقم فأحسه باعضائي وَإِذا ذهبت الْأَعْضَاء بالجهد الذى أصابني فِي هَوَاك لم يبْق مَحل يحله السقم وَالْمعْنَى أَنه يطْلب أعضاءه لَا السقام فَلَمَّا ذهبت أعضاؤه الَّتِى يجد بهَا السقام شكا فَقده لِأَن السقم مَوْجُود والفانى مَعْدُوم وَقد بَين هَذَا أَبُو الْفَتْح البستى بقوله
(وَلَو أبْقى فِرَاقُكَ لى فُؤَادًا ... وجَفْنا كُنْتُ أجْزَعُ مِنْ سُهادى)
(ولَكِنْ لَا رُقادَ بغَيْرِ جَفْنٍ ... كَمَا لَا وَجْدَ إلاَّ بالفُؤّادِ)
٥ - الْإِعْرَاب كلتاهما فِي مَوضِع نصب على الْحَال تَقْدِيره فتشابها نجلاوين وَيجوز أَن يكون لَا مَوضِع لَهَا كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿سيقولون ثَلَاثَة رابعهم كلبهم﴾ فَهَذِهِ جملَة لَا مَوضِع لَهَا وقلوه فتشابها كَانَ حَقه أَن يكون فتشابهتا وَلَكِن حمل الْجراحَة على الْجرْح وَالْعين على الْعُضْو فَقَالَ تشابها أى الْمَذْكُورَان أَو الشيئان كَقَوْل زِيَاد
(إنّ السَّماحَةَ والمُرُوءَةَ ضمُنِّا ... قبرًا بمَرْوَ على الطَّرِيقِ الوَاضحِ)
ذهب بالسماحة إِلَى السخاء وبالمروءة إِلَى الْكَرم وَلم يقل نجلاوان لِأَن لفظ كلتا وَاحِد مؤنث كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿كلتا الجنتين آتت أكلهَا﴾ الْغَرِيب النجلاء الواسعة وطعنة نجلاء وَاسِعَة الْمَعْنى يَقُول لما نظرت إِلَى صورت فِي قلبى مِثَال عَيْنَيْك جِرَاحَة تشبه عَيْنَيْك فِي السعَة
1 / 14
- الْغَرِيب الصعدة الْقَنَاة الَّتِي نَبتَت معتدلة فَلَا تحْتَاج إِلَى تَقْوِيم والسابرى الدرْع الْعَظِيمَة الَّتِى لَا ينفذها شئ وَقيل السابرى الثَّوْب الرَّقِيق الْمَعْنى يُرِيد أَن عَيْنك نفذت إِلَى قلبى فجرحته وَرُبمَا كَانَ الرمْح لَا يصل إِلَيْهِ ويندق دونه قبل وُصُوله إِلَى كَمَا قَالَ
(طول الردينيات يقصفها دمى ...)
لِأَن هيبته فِي الْقُلُوب تمنع من نُفُوذ الرمْح فِي ثَوْبه وَلِأَن الشجاع موقى هَذَا على تَفْسِير من جعل السابرى الثَّوْب الرَّقِيق وَمن قَالَ إِن السابرى الدرْع الَّتِى لَا ينفذها شئ يكون الْمَعْنى نفذت نظرتك الدرْع إِلَى قلبى وَإِن الدرْع لم يحصنه من نظرتها وهى تحصنه من الرمْح والدرع يذكر وَيُؤَنث وَمن ذكره يُرِيد بِهِ الْحَدِيد وَقد ذكره الراجز بقوله
(كأنَّه فِي الدّرْعِ ذِى التَّغضُّنِ ...)
٧ - الْمَعْنى خص صَخْرَة الوادى لصلابتها بِمَا يرد عَلَيْهَا من السُّيُول يُرِيد إننى فِي الشدَّة كشدة الصخر وَفِي علو الْمنطق كالجوزاء يُرِيد إِذا زوحمت لم يقدر على وَلَا على إزالتى عَن موضعى كهذه الصَّخْرَة الَّتِى رسخت فِي المَاء فَلَا تَزُول عَن موضعهَا وَإِذا انْطَلَقت كنت فى علو الْمنطق كالجوزاء وَقيل الْمَعْنى منى تستفاد البراعات ويُقتبس الْفضل كَمَا أَن الجوزاء تُعْطى من يُولد بعطارد فِي بَيت الجوزاء البراعة والمنطق
٨ - الْإِعْرَاب أَن فِي مَوضِع نصب على حذف الْخَافِض وَعند الْخَلِيل والكسائى فِي مَوضِع خفض وهى أَن المخففة من الثَّقِيلَة وتكتب مُنْفَصِلَة لَا مُتَّصِلَة الْمَعْنى يُرِيد أَنه إِذا خفى مَكَانَهُ على الغبى وَهُوَ الْجَاهِل الذى لَا يعرف شَيْئا وَلم يعرف قدرى وَلم يقر بفضلى فَأَنا أعذره لِأَن الْجَاهِل كالعمى والمقلة العمياء إِن لم تَرَ فهى فِي عذر لعماها وَكَذَلِكَ الْجَاهِل الذى يجهلنى ويجهل قدرى وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول الشَّاعِر
(وَقد بَهَرْتُ فمَا أخْفَى على أحَدٍ ... إِلَّا على أكْمَهْ لَا يعْرِفُ القَمَرَا)
1 / 15
- الْإِعْرَاب أَن فِي مَوضِع رفع خبر الِابْتِدَاء وصدرى يُرِيد أصدرى فَحذف همزَة الِاسْتِفْهَام ضَرُورَة وَدلّ عَلَيْهَا قَوْله أم الْبَيْدَاء قَالَ عمر بن أبي ربيعَة
(فوَاللهِ مَا أدرِى وإنْ كنتُ دارِيا ... بسَبْعٍ رَمَيْن الجَمْر أم بثَمانِ)
يُرِيد أبسبع كَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ الْغَرِيب الْبَيْدَاء الأَرْض الواسعة الْعَظِيمَة وَسميت بيداء لِأَن من سلكها باد والشيمة الْعَادة يُقَال شيمته كَذَا أى عَادَته الْمَعْنى قَالَ ابْن جنى من عَادَة الليالى أَن توقع لناقتى الشَّك فِي أصدرى أوسع أم الْبَيْدَاء لما ترى من سَعَة صدرى وَبعد مطلبى قَالَ الواحدى وَهَذَا إِنَّمَا يَصح لَو لم يكن فى الْبَيْت بهَا وَإِذا رددت الْكِنَايَة إِلَى الليالى بَطل مَا قَالَ لِأَن الْمَعْنى صدرى بالليالى وحوادثها وَمَا تورده على من مشقة الْأَسْفَار وَقطع المفاوز أوسع من الْبَيْدَاء وناقتى تشاهد مَا أقاسى من السّفر وصبرى عَلَيْهِ فَيَقَع لَهَا الشَّك فِي أَن صدرى أوسع أم الْبَيْدَاء وعَلى هَذَا أفْضى أفعل كَمَا يُقَال أوسع انْتهى كَلَامه وَقَالَ غَيره أفْضى يحْتَمل أَن يكون اسْما وَأَن يكون فعلا فَإِن كَانَ اسْما فَهُوَ على معنى التَّفْضِيل أى أصدرى بهَا أفْضى أم الْبَيْدَاء فَإِن كَانَ فعلا فَمَعْنَاه أصدرى يفضى أى ينتهى بِهَذِهِ النَّاقة إِلَى الفضاء أم الْبَيْدَاء وَبِنَاء أفْضى للْمُبَالَغَة وَإِن كَانَ ماضيه متجاوز الثَّلَاثَة وتشكك أى لَا تدرى هَذِه النَّاقة أصدرى أوسع أم الْبَيْدَاء وتشبيه الصَّدْر بالمفازة فى السعَة عَادَة الشُّعَرَاء قَالَ حبيب
(ورُحْب صَدرْ لَو أنَ الأَرْض واسعةٌ ... كوُسْعِهِ لم يَضِقْ عَنْ أهلِه بَلَدُ)
وَقَالَ البحترى
(كَريمٌ إِذا ضَاقَ الزَّمانُ فإنَّه ... يضلُّ الفضاءُ الرَّحبُ فِي صَدره الرّحبِ)
وَقَالَ قوم الْكِنَايَة تعود على النَّاقة وَمعنى افضى بهَا أى أدّى بهَا إِلَى الهزال صدرى أم الْبَيْدَاء فَمرَّة فَمرَّة تَقول لَوْلَا سَعَة صَدره من حَيْثُ الهمة وَبعد الْمطلب لما أتعبنى السّفر وَمرَّة تَقول الْبَيْدَاء هى الَّتِى تذْهب لحمى وتؤدينى إِلَى الهزال وعَلى هَذَا أفْضى فعل وَيجوز أَن يكون اسْما وَإِن عَادَتْ الْكِنَايَة إِلَى النَّاقة وَالْمعْنَى أَن ناقتى قَوِيَّة نجيبة يضن بِمِثْلِهَا وَلَا تهزل فِي السّفر وهى ترى إتعابى إِيَّاهَا واستنادى عَلَيْهَا فِي الْأَسْفَار فَتَقول صَدره أوسع بى حَيْثُ طابت نَفسه بإهلاكى أم الْبَيْدَاء لَوْلَا أَن لَهُ صَدرا فى السعَة كالبيداء لم تطب نَفسه بإهلاكى وَالْقَوْل هُوَ الأول فِي الْبَيْت وَهُوَ رد الْكِتَابَة إِلَى الليالى كَذَا قَالَ الواحدى قَالَ وَلم يشرحه أحد مثل شرحى لَهُ
1 / 16
- الْإِعْرَاب مسئدا حَال مِنْهَا وإسآدها نصب على الْمصدر والناصب لَهُ مسئدا ومسئدا اسْم فَاعل وفاعله الإنضاء وَتَقْدِير الْبَيْت تبيت هَذِه النَّاقة تسئد مسئدا الإنضاء فِي نيها إسآدا مثل إسآدها فِي المهمه ومسئد أجْرى حَالا على النَّاقة لما تعلق بِهِ من ضميرها الذى فى نيها كَمَا تَقول مَرَرْت بهند وَاقِفًا عِنْدهَا زيد الْغَرِيب الإسآد إسراع السّير فِي اللَّيْل خَاصَّة والنى الشَّحْم والمهمه الأَرْض الواسعة الْبَعِيدَة والإنضاء مصدر أنضاه ينضيه إِذا هزله وَالْمعْنَى أَن المهمه ينضيها كَمَا تنضيه الْمَعْنى أَن هَذِه النَّاقة تبيت تسير سائرا فِي جَسدهَا الهزال سَيرهَا فِي المهمة وَأقَام الإنضاء مقَام الهزال للقافية وَكَانَ الأولى أَن يَجْعَل مَكَان الإنضاء مصدر فعل لَازم ليَكُون أقرب إِلَى الْفَهم وَهَذَا من قَول حبيب
(رَعَتْهُ الفَيافِى بعدَ مَا كانَ حِقْبَةً ... رَعاها وماُ الرَّوْضِ يَنْهَلُ ساكبُهْ)
١١ - الْغَرِيب الأنساع سيور وَاحِدهَا نسع يشد بِهِ الرحل والمغط الْمَدّ الْمَعْنى أَنه يُرِيد عظم بطن النَّاقة حِين امتدت أنساعها وطالت وَيُرِيد أَن خفافها مَنْكُوحَة مثقوبة بالحصى وَهُوَ كِنَايَة عَن وعور الطَّرِيق ومنكوحة أى دمية من الْحَصَى واستعار النِّكَاح لوطئها الأَرْض وإدماء الْحَصَى إِيَّاهَا والعذراء الَّتِى لم تفتض وَأَرَادَ أَن طريقها لم يسلكها أحد وَالطَّرِيق تذكر وتؤنث قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُنعم بن صَالح النحوى عِنْد قراءتى عَلَيْهِ هَذَا الدِّيوَان وَقد وصلت إِلَى هَذَا الْبَيْت سألنى الْملك الْكَامِل أَو أَبُو المعالى مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَيُّوب ملك الديار المصرية وَالشَّام والحرمين عَن هَذَا الْبَيْت فِي قَوْله
(وطريقها عذراء ...)
فَقلت لَهُ يُرِيد أَنَّهَا صعبة لم تسلك فَقَالَ لى هَذَا يدل على أَن الممدوح لَا يعرف وَلَا لَهُ ذكر وَلَا نائل لِأَن الطَّرِيق إِلَيْهِ عذراء لم تطرق والممدوح إِذا كَانَ لَهُ عَطاء وَذكر ويعرفه القصاد كَانَت الطَّرِيق إِلَيْهِ لَا تَنْقَطِع وَلَقَد أحسن فى هَذَا النَّقْد
١٢ - الْغَرِيب الخريت الدَّلِيل وسمى خريتا لاهتدائه فِي الطَّرِيق الْخفية كخرت الإبرة كَأَنَّهُ يعرف كل ثقب فى الصَّحرَاء والتوى الْهَلَاك والحرباء دَابَّة تَدور مَعَ الشَّمْس كَيْفَمَا دارت تتلون فِي الْيَوْم ألوانا كَثِيرَة كَمَا قَالَ ذُو الرمة
(غَدَا أكهْبَ الأعْلى وراحَ كأنَّهُ ... مِن النَّضْحِ لاِستبقباله الشَّمسَ أخضرُ)
الْمَعْنى أَن هَذِه الأَرْض طريقها صعبة يَتلون الدَّلِيل فِيهَا من خوف الْهَلَاك كَمَا تتلون هَذِه الدَّابَّة وَهُوَ مِمَّا يتَغَيَّر لَونه من خوف الْهَلَاك فَهُوَ يَدُور يَمِينا وَشمَالًا لطلب الطَّرِيق وَالْمعْنَى من قَول هدبة يظلّ بهَا الهَادى يُقَلِّب طَرْفَهُ ... مِنَ الوَيْلِ يَدْعُو لَهْفَه وَهُوَ لاهفُ)
وَقَالَ الطرماح
(إذَا اجْتابَها الخِرّيتُ قالَ لنَفْسهِ ... أتاكِ برَحْلِى حائِنٌ كُلٌ حائِنٍ)
1 / 17
- الْإِعْرَاب نصب مِثْلهنَّ على الْحَال لِأَنَّهُ نعت للنكرة المرفوعة فَقدم عَلَيْهَا فنصب على الْحَال كَقَوْلِك فِيهَا قَائِما رجل وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ لذى الرمة
(وَنحْتَ العَوَالى فِى القَنا مُسْتَظِلَّةً ... ظِباءٌ أعارَتها العُيُونّ الجآذِرُ)
الْمَعْنى بينى وَبَينه يُرِيد الممدوح جبال مُرْتَفعَة مثله فِي الْعُلُوّ وَالْوَقار ورجاء عَظِيم كهذه الْجبَال يُشبههُ فِي الْحلم وَالْوَقار بالجبال وَجعل رَجَاءَهُ عَظِيما كالجبال
١٤ - الْإِعْرَاب وعقاب عطف على شم الْجبَال وهى طوالها وَكَيف اسْتِفْهَام فِي الْمَعْنى الإنكارى وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف تَقْدِيره وَكَيف لى بقطعها أَو أقوم بقطعها أَو كَيفَ الظَّن بقطعها الْمَعْنى لبنان جبل مَعْرُوف من جبال الشَّام يُرِيد كَيفَ الظَّن بقطعها وَالْوَقْت الشتَاء والصيف بهَا مثل الشتَاء وَإِذا كَانَت فى الصَّيف صعبة فَكيف فِي الشتَاء
١٥ - الْإِعْرَاب بهَا وعَلى متعلقان بِالْفِعْلِ وَالْبَاء فِي بياضها مُتَعَلقَة بِمَعْنى كَأَن من معنى التَّشْبِيه الْمَعْنى يُرِيد أَن الثلوج عَمت على مسالكى وَلبس الشئ ولبسه إِذا عماه قَالَ الله تَعَالَى ﴿وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ﴾ يَقُول أخْفى هَذَا الثَّلج بِهَذِهِ الْعقَاب طرقى على فَلم أهتد لكثرتها وبياضها وَالْأسود لَا يهتدى فِيهِ فَكَأَنَّهَا لبياضها إِذْ لم يهتد فِيهَا اسودت وَهَذَا من أحسن الْكَلَام
1 / 18
- الْإِعْرَاب حرف الْجَرّ مُتَعَلق بأقام وَكَذَا عطف على مَا قبله وَذَلِكَ أَنه لما قَالَ
(فَكَأَنَّهَا ببياضها سَوْدَاء ...)
فَهُوَ نقيض الْعَادة لِأَن الْبيَاض إِذا قَامَ مقَام السوَاد هُوَ خلاف الْعَادة وَكَذَلِكَ الْكَرِيم إِذا أَقَامَ ببلدة يَجْعَل الذَّهَب سَائِلًا وَذَلِكَ أَنه أَتَاهُ فِي الشتَاء وَالْمَاء جامد فَشبه كرمه بسيل الذَّهَب لِكَثْرَة مَا يبذله لمن يَقْصِدهُ وقابله بجمود المَاء وَإِن كَانَ جمود المَاء غير فعله // فَحسن الْعَطف والتشبيه // الْغَرِيب النضار الذَّهَب وَالنضير أَيْضا قَالَ الْأَعْشَى
(إِذا جُرّدت يَوْما حَسِبْتَ خَمِيصَةً ... علَيها وجِرْيال النَّضِير الدُّلامِصا)
وَيجمع على أَنْضَرُ قَالَ الْكُمَيْت
(تَرَى السَّابحَ الخِنْذيذ مِنها كأنَّهُ ... جرى بَين ليتيه إِلَى الخد أَنْضَرُ) وَقيل النضار الْخَالِص من كل شَيْء قَالَت الخرنق بنت هفان الخالطين نحيتهم بنضارهم وذَوِى الغِنَى منهمْ بذِى الفَقْر)
وقدح نضار يتَّخذ من أثل يكون بالغور وَبَنُو النَّضِير حى من يهود خَيْبَر من ولد هَارُون ﵇ الْمَعْنى يَقُول إِن الْكَرِيم إِذا أَقَامَ ببلدة أعْطى المَال فَمن كَثْرَة إِعْطَائِهِ كَأَنَّهُ مَاء سَائل فَلَمَّا رأى المَاء كرمه وقف متحيرا جَامِدا وَهُوَ معنى // حسن //
١٧ - الْإِعْرَاب الأنواء فَاعل رَأَتْهُ وَقَالَ قوم يجوز أَن يرْتَفع الأنواء ببهتت وبتتبجس وعَلى هَذَا يجوز فِي الْكَلَام إِضْمَار قبل الذّكر وَالْأول أحسن وَتَقْدِير الْكَلَام لَو رَأَتْهُ الأنواء كَمَا ترى القطار بهتت وَلم تتبجس وروى كَمَا رأى وَالْأول أوجه لِأَن القطار مُؤَنّثَة وَالْكَاف فِي مَوضِع نصب نعتا لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره رُؤْيَة مثل رُؤْيَة القطار الْغَرِيب القطار جمع قطر وقطر جمع قَطْرَة وهى الْمَطَر وبهتت تحيرت وتتبجس تتفتح والأنواء جمع نوء وَهُوَ سُقُوط النَّجْم فِي الْمغرب وطلوعه فى الْمشرق وهى منَازِل الْقَمَر وَالْعرب تنْسب إِلَيْهَا الأمطار يَقُولُونَ سقينا بِنَوْء كَذَا وَقد نهى
عَن ذَلِك قَالَ ﵊ يَقُول الله ﴿أصبح من عبادى مُؤمن بى كَافِر بالكواكب وَأصْبح من عبادى كَافِر بى مُؤمن بالكواكب﴾ فالذى يَقُول مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته فَذَلِك مُؤمن بى كَافِر بالكواكب وَمن قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا فَذَلِك كَافِر بى مُؤمن بالكواكب الْمَعْنى يُرِيد أَن القطار لما رَأَتْ كرم هَذَا الممدوح جمدت جعل الثلوج الْمَطَر الجامد وَلَو رَأَتْ الأنواء كَمَا رَأَتْ القطار تحيرت وَلم تتفتح استعظاما لما يَأْتِيهِ وخجلا من جوده
1 / 19
- الْغَرِيب الْأَهْوَاء جمع هوى مَقْصُور وَهُوَ الْمحبَّة وَجمع الْمَمْدُود أهوية الْمَعْنى يَقُول كَأَنَّهُ يستمد من أهواء النَّاس فهم يحبونَ خطه ويميلون إِلَيْهِ يصفه بِحسن الْخط يَقُول كل من رأى خطه شغف من حسنه وَيجوز أَن يكون كِنَايَة عَن وَصفه بالجود يَقُول لَا يُوقع إِلَّا بالنوال وَالنَّاس يميلون إِلَى خطه وَيجوز أَن يكون كِنَايَة عَن طَاعَة النَّاس لَهُ أى كتبه تقوم مقَام الْكَتَائِب لِأَن النَّاس يميلون إِلَيْهِ وينقادون إِلَيْهِ طبعا
١٩ - الْإِعْرَاب قُرَّة ابْتِدَاء تقدم خَبره وحرفا الْجَرّ يتعلقان بِالْمَصْدَرِ الْغَرِيب المغيب والغيبة بِمَعْنى وَاحِد وقرت عينه أى بردت لِأَن دمع الْفَرح بَارِد وَهُوَ ضد سخنت لِأَن دمع الْحزن الْحَار والأقذاء جمع قذى وَهُوَ مَا يَقع فِي الْعين وفى الشَّرَاب والإقذاء بِكَسْر الْهمزَة مصدر أقذيت عينه إِذا طرحت فِيهَا القذى الْمَعْنى يَقُول كل عين تقر بِقُرْبِهِ وتتأذى بغيبته عَنْهَا فَكَأَنَّهَا تقذى إِذا غَابَ عَنْهَا فَلم تره فَكَأَن غيبته قذى للعيون
٢٠ - الْإِعْرَاب الشُّعَرَاء فَاعل يهتدى وَمن بِمَعْنى الذى وَلَيْسَت استفهاما وَتَقْدِير الْبَيْت الذى يهتدى فِي الْفِعْل إِلَى مَا لَا يهتدى الشُّعَرَاء إِلَيْهِ فِي القَوْل حَتَّى يفعل هُوَ وَمَا بِمَعْنى الَّذِي وموضعها نصب على إِسْقَاط حرف الْجَرّ تَقْدِيره إِلَى الذى لَا يهتدى إِلَيْهِ الشُّعَرَاء الْمَعْنى هُوَ الذى يهتدى فِيمَا يفعل من المكارم والمساعى الجسيمة إِلَى مَا لَا يهتدى إِلَيْهِ الشُّعَرَاء حَتَّى يفعل هُوَ فيعلموا فَإِذا علمُوا تعلمُوا من فعله فحكوا مَا يَفْعَله بالْقَوْل لأَنهم يَهْتَدُونَ إِلَى مَا يَفْعَله فيحكونه بقَوْلهمْ وَقَالَ الواحدى كَانَ حَقه أَن يَقُول لما لَا يهتدى أَو إِلَى مَا لَا يهتدى لِأَنَّهُ يُقَال اهتديت إِلَيْهِ وَله وَلَا يُقَال اهتديته إِلَّا أَنه عداهُ بِالْمَعْنَى لِأَن الاهتداء إِلَى الشئ معرفَة بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ من يعرف فِي الْفِعْل مَا لَا يهتدى
1 / 20