فَصْلٌ
وَإِذَا اسْتَنَابَ رَجُلًا فِي الْحَجِّ أَوْ نَابَ عَنْهُ فِي فَرْضِهِ فَإِنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَنُوبِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَبَّهَ الْحَجَّ بِالدَّيْنِ، وَجَعَلَ فِعْلَهُ عَنِ الْعَاجِزِ وَالْمَيِّتِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَقَالَ لِأَبِي رَزِينٍ: " «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ، وَاعْتَمِرْ» " وَقَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: " «حُجِّي عَنْهُ» " وَكَذَلِكَ قَالَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ: " «حُجَّ عَنْهُ» ".
وَالشَّيْءُ إِذَا فُعِلَ عَنِ الْغَيْرِ كَانَ الْفَاعِلُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ، وَيَكُونُ الْعَمَلُ مُسْتَحَقًّا لِلْمَعْمُولِ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ وَجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ عَمَلٌ فِي عَقْدِ إِجَارَةٍ فَعَمِلَهُ عَنْهُ عَامِلٌ كَانَ الْعَمَلُ لِلْأَجِيرِ لَا لِلْعَامِلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْوِي الْإِحْرَامَ عَنْهُ، وَيُلَبِّي عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ إِلَّا ثَوَابُ النَّفَقَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ مَالًا يَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يُجَاهِدُ الْكُفَّارَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْهُ.