شرح العقیدة الطحاویة
شرح العقيدة الطحاوية
ایڈیٹر
أحمد شاكر
ناشر
وزارة الشؤون الإسلامية
ایڈیشن
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٨ هـ
پبلشر کا مقام
والأوقاف والدعوة والإرشاد
اصناف
عقائد و مذاہب
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ... وَلِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا
وَلَكِنَّ مَحَبَّتَهُ وَخُلَّتَهُ كَمَا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، كَسَائِرِ صِفَاتِهِ. وَيَشْهَدُ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ»، يَعْنِي نَفْسَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا».
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا».
فَبَيَّنَ ﷺ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ خَلِيلًا. وَأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. مَعَ أَنَّهُ ﷺ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يُحِبُّ أَشْخَاصًا، «كَقَوْلِهِ لِمُعَاذٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ». وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِلْأَنْصَارِ. وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَابْنُهُ أُسَامَةُ حِبَّهُ. وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. «وَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قَالَ: فَمِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا».
فَعُلِمَ أَنَّ الْخُلَّةَ أَخَصُّ مِنْ مطلق المحبة، والمحبوب بها لكمالها يكون محبوبا لِذَاتِهِ، لَا لِشَيْءٍ آخَرَ، إِذِ الْمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ هُوَ مُؤَخَّرٌ فِي الْحُبِّ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَمِنْ كَمَالِهَا لَا تَقْبَلُ الشَّرِكَةَ [وَلَا] الْمُزَاحَمَةَ، لِتَخَلُّلِهَا الْمُحِبَّ، فَفِيهَا كَمَالُ التَّوْحِيدِ وَكَمَالُ الْحُبِّ. وَلِذَلِكَ لَمَّا اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ وَلَدًا صَالِحًا، فَوَهَبَ لَهُ إِسْمَاعِيلَ، فَأَخَذَ هَذَا الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ قَلْبِهِ، فَغَارَ الْخَلِيلُ عَلَى قَلْبِ خَلِيلِهِ أِنْ يَكُونَ فِيهِ مَكَانٌ لِغَيْرِهِ، فَامْتَحَنَهُ بِهِ بِذَبْحِهِ، لِيَظْهَرَ سِرُّ الْخُلَّةِ فِي تَقْدِيمِهِ مَحَبَّةَ خَلِيلِهِ عَلَى مَحَبَّةِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا استسلم لأمر ربه، وعزم على فعله، وظهر سُلْطَانُ الْخُلَّةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَبْحِ الْوَلَدِ إِيثَارًا لِمَحَبَّةِ خَلِيلِهِ عَلَى مَحَبَّتِهِ، نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَدَاهُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي الذَّبْحِ كَانَتْ نَاشِئَةً مِنَ الْعَزْمِ وَتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى مَا أُمِرَ، فَلَمَّا حَصَلَتْ هَذِهِ المصلحة عاد الذبح مَفْسَدَةً، فَنُسِخَ فِي حَقِّهِ، وَصَارَتِ الذَّبَائِحُ وَالْقَرَابِينُ مِنَ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا سُنَّةً فِي أَتْبَاعِهِ
1 / 274