(فإذا علم أن الخبر لايمكن من الله مشافهة لله، علم أن خبر الطاعة لايمكن إلا برسول من عند المنعم بائن من البشر في أعلامه وفعاله).
الكلام في إثبات النبوة في هذا الفصل أولى من الكلام في خبر الطاعة المتصل إليه من عند المنعم ليثبت مراده تعالى، وكذلك الكلام في دلالة الصدق أين يضعها الحكيم، لأنه يقبح من الحكيم أن يضع دلالة الصدق على أيدي الكذابين، وأن يرسل رسالته مع المتهمين، وقد ثبت في العقل أن الشريعة من: قول، وفعل، فرع لاتصح إلا بعد معرفة الشارع، والخبر الذي يأتي به الرسول لايصح حتى يعلم الرسول ويعرف، ويتميز من غيره بصفة زائدة يبين بها عن الغير.
(فمن هاهنا لزم البالغ المدرك أن يعلم أن لله رسولا لامن قبل أخبار الناقلين).
أن يعلم أن لله رسولا ليس بتواتر النقل والأخبار، في قيام الرسول المختار، بل بالتحدي والدعاء، وإظهار المعجز حين أتى، والصبر على المحن والبلاء، وفراق الأقارب والأوطان، وشقاق الصاحب والإخوان.
(فلما لم يجز إلا بعثة الرسل، وكانت الرسل من البشر، وفي مثل تركيب المبعوث إليهم، وعبادا لله مثلهم، لم يجز تصديقهم على الله إلا بدلالة بينة، وحجة قاطعة، يعلم الخلق بعجزهم عنها، أن الله تولى ذلك على أيديهم).
(فلما لم يجز). أي: لم يجب، لأن الجائز غير الواجب، وقد يعبر به عنه على تعارف اللغة في مجاز الكلام.
(إلا بعثة الرسل). على مابينا أولا من أنه يجب على الله أن يبين لعباده مراده من الطاعة، وينصب عليها دليلا على لسان واحد من جماعة. وهو قوله عليه السلام: (وكانت الرسل من البشر، وفي مثل تركيب المبعوث إليهم)، لتكمل له بذلك الحجة، ويبين لهم المحجة.
(وعبادا لله مثلهم). في الخلق والصورة، لئلا يقع التلبيس والشك، وتنتفي الشبهة عنهم بمن هو مثلهم ومنهم.
صفحہ 47