57

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

اصناف

انتفاع العبد بطاعة ربه ﷿ قال رحمه الله تعالى: [فالتوحيد ضد الشرك، فإذا قام العبد بالتوحيد الذي هو حق الله، فعبده لا يشرك به شيئًا كان موحدًا. ومن توحيد الله وعبادته التوكل عليه والرجاء له والخوف منه، فهذا يخلص به العبد من الشرك. وإعطاء الناس حقوقهم وترك العدوان عليهم يخلص به العبد من ظلمهم ومن الشرك بهم. وبطاعة ربه واجتناب معصيته يخلص العبد من ظلم نفسه، وقد قال تعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)، فالنصفان يعود نفعهما إلى العبد، وكما في الحديث الذي رواه الطبراني في الدعاء: (يا عبادي! إنما هي أربع، واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين خلقي، فالتي لي: تعبدني لا تشرك بي شيئًا، والتي لك عملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه، والتي بيني وبينك: فمنك الدعاء وعلي الإجابة، والتي بينك وبين خلقي فائت إليهم ما تحب أن يؤتوه إليك) والله يحب النصفين، ويحب أن يعبدوه. وما يعطيه الله العبد من الإعانة والهداية هو من فضله وإحسانه، وهو وسيلة إلى ذلك المحبوب، وهو إنما يحبه لكونه طريقًا إلى عبادته، والعبد يطلب ما يحتاج أولًا، وهو محتاج إلى الإعانة على العبادة وإلى الهداية إلى الصراط المستقيم، وبذلك يصل إلى العبادة، فهو يطلب ما يحتاج إليه أولًا ليتوسل به إلى محبوب الرب الذي فيه سعادته، وكذلك قوله: (عملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه)، فإنه يحب الثواب الذي هو جزاء العمل، فالعبد إنما يعمل لنفسه، ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة:٢٨٦]، ثم إذا طلب العبادة فإنما يطلبها من حيث هي نافعة له، محصلة لسعادته، محصنة له من عذاب ربه، فلا يطلب العبد قط إلا ما فيه حظ له، وإن كان الرب يحب ذلك فهو يطلبه من حيث هو ملائم له، فمن عبد الله لا يشرك به شيئًا أحبه وأثابه، فيحصل للعبد ما يحبه من النعم تبعًا لمحبوب الرب، وهذا كالبائع والمشتري، البائع يريد من المشتري أولًا الثمن، ومن لوازم ذلك: إرادة تسليم المبيع، والمشتري يريد السلعة، ومن لوازم ذلك: إرادة إعطاء الثمن. فالرب يحب أن يُحب، ومن لوازم ذلك: أن يحب من لا تحصل العبادة إلا به، والعبد يحب ما يحتاج إليه]. ذكر الشيخ ﵀ أمرًا كثيرًا ما يسأل عنه بعض الناس، ويستشكله بعض العوام وحتى بعض المبتدئين من طلاب العلم، أو ممن عندهم شيء من الوساوس نسأل الله العافية، ويتلخص هذا الإشكال في أن بعض الناس يتحرج من أن يكون قصده نفع نفسه مع عبادته لربه ورجاء ثوابه ﷿، ويظن أن هذا مذلّة، حتى إن بعضهم يقول: إني أجد في نفسي حينما أندفع للصيام أو للصدقة أو لفعل الخير أني أريد بذلك الجزاء من الله ﷿ لا مجرد العبادة، وهذا جاهل؛ لأن الله ﷿ تعبّدنا بما ينفعنا، فلا حرج عليه، بل من محض الإيمان إن شاء الله، وصدق اليقين أن يكون قصدك أن تنتفع بعبادتك لله ﷿؛ لأنك أنت المستفيد أولًا وآخرًا، والله ﷿ هو الغني، وكون المسلم يعبد الله ويرجو ثوابه ويحبه ويخشاه، ثم يحتسب ذلك ويريد ثوابه ويرجو فائدة ذلك في الدنيا والآخرة فهذا من أعظم المقاصد الشرعية التي يحتسب بها المسلم إلى الله ﷿، بل إن من أعظم المقاصد التي تتوجه إليها القلوب توجهًا صحيحًا أن يكون المسلم يتطلع إلى ثواب الله وإلى جزاء في عمله، وأن يتطلّع إلى السعادة في الدنيا والآخرة كما ذكر الشيخ. وأما قوله: (فالرب يحب أن يحب، ومن لوازم ذلك: أن يحب من لا تحصل العبادة إلا به)، فهذه العبارة فيها شيء من الغموض تحتاج إلى توضيح، يعني: أن الله يحب العباد الذين يحققون العبودية له، والله يحب من لا تحصل العبادة إلا به ممن أطاعوه واتبعوا شرعه من عباده الصالحين.

5 / 5