13

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

اصناف

الوصية بالجماعة لإقامة الدين والنهي عن التفرقة في الدين قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [قاعدة في الجماعة والفرقة، وسبب ذلك ونتيجته. قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:١٣]. أخبر سبحانه أنه شرع لنا ما وصى به نوحًا والذي أوحاه إلى محمد، وما وصى به الثلاثة المذكورين، وهؤلاء هم أولوا العزم المأخوذ عليهم الميثاق في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [الأحزاب:٧]، وقوله: ﴿مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ﴾ [الشورى:١٣]، فجاء في حق محمد باسم: (الذي)، وبلفظ (الإيحاء)، وفى سائر الرسل بلفظ: (الوصية). ثم قال: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾. وهذا تفسير الوصية و(أن): المفسرة التي تأتي بعد فعل من معنى القول لا من لفظه، كما في قوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ﴾ [النحل:١٢٣]، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:١٣١]، والمعنى: قلنا لهم: اتقوا الله، فكذلك قوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ [الشورى:١٣] في معنى: قال لكم من الدين ما وصى به رسلًا، قلنا: أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، فالمشروع لنا هو الموصى به والموحى، وهو: ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ [الشورى:١٣]، فأقيموا الدين مفسر للمشروع لنا، الموصى به الرسل، والموحى إلى محمد ﷺ، فقد يقال: الضمير في (أقيموا) عائد إلينا، ويقال: هو عائد إلى المرسل، ويقال: هو عائد إلى الجميع، وهذا أحسن، ونظيره: أمرتك بما أمرت به زيدًا أن أطع الله، ووصيتكم بما وصيت بني فلان أن افعلوا، فعلى الأول: يكون بدلًا من (ما) أي: شرع لكم (أن أقيموا) وعلى الثاني: شرع (ما) خاطبهم، (أقيموا) فهو بدل أيضًا، وذكر ما قيل للأولين، وعلى الثالث: شرع الموصى به (أقيموا). فلما خاطب بهذه الجماعة بعد الإخبار بأنها مقولة لنا، ومقولة لهم، علم أن الضمير عائد إلى الطائفتين جميعًا، وهذا أصح إن شاء الله]. يعني: إلى الرسل والمرسل إليهم. قال ﵀: [والمعنى على التقديرين الأولين يرجع إلى هذا، فإن الذي شرع لنا هو الذي وصى به الرسل، وهو الأمر بإقامة الدين، والنهي عن التفرق فيه، ولكن التردد في أن الضمير تناولهم لفظه، وقد علم أنه قيل لنا مثله، أو بالعكس، أو تناولنا جميعًا. وإذا كان الله قد أمر الأولين والآخرين بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وقد أخبر أنه شرع لنا ما وصى به نوحًا، والذي أوحاه إلى محمد، فيحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون ما أوحاه إلى محمد يدخل فيه شريعته التي تختص بنا، فإن جميع ما بعث به محمد ﷺ قد أوحاه إليه من الأصول والفروع، بخلاف نوح وغيره من الرسل، فإنما شرع لنا من الدين ما وصوا به من إقامة الدين، وترك التفرق فيه، والدين الذي اتفقوا عليه هو الأصول، فتضمن الكلام أشياء: أحدها: أنه شرع لنا الدين المشترك وهو الإسلام والإيمان العام، والدين المختص بنا وهو الإسلام والإيمان الخاص. الثاني: أنه أمرنا بإقامة هذا الدين كله المشترك والمختص، ونهانا عن التفرق فيه الثالث: أنه أمر المرسلين بإقامة الدين المشترك، ونهاهم عن التفرق فيه. الرابع: أنه لما فصل بقوله: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الشورى:١٣] بين قوله: ﴿مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى:١٣]، وقوله: ﴿وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الشورى:١٣] أفاد ذلك. قال بعد ذلك: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران:١٩]، فأخبر أن تفرقهم إنما كان بعد مجيء العلم الذي بين لهم ما يتقون، فإن الله ما كان ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وأخبر أنهم ما تفرقوا إلا بغيًا، والبغي مجاوزة الحد، كما قال ابن عمر ﵄: الكبر والحسد؛ وهذا بخلاف التفرق عن اجتهاد ليس فيه علم، ولا قصد به البغي، كتنازع العلماء السائغ، والبغي إما تضييع للحق، وإما تعد للحد، فهو إما ترك واجب، وإما فعل محرم، فعلم أن موجب التفرق هو ذلك]. هنا أحب أن أنبه على أن وجه الاستشهاد في مسألة الجماعة وعدم الفرقة، وإن كان واضحًا، لكن التأكيد عليه يبين سبب اختيار هذا المقطع في قاعدة الجماعة والفرقة: قوله تعالى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ [الشورى:١٣]، فتضمن بالضرورة أن هذا الدين لا يقام إلا با

2 / 3