شرح ألفية ابن مالك المسمى «تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة»
تأليف
زين الدين أبي حفص عمر بن مظفر بن الوردي (٦٩١ هـ - ٧٤٩ هـ)
تحقيق ودراسة
الدكتور عبد الله بن علي الشلال
[الجزء الأول]
مكتبة الرشد
نامعلوم صفحہ
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسّلام على آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فقد حظيت مؤلفات ابن مالك ﵀ من اهتمام العلماء، دراسة وشرحا وتعليقا، قديما وحديثا - بما لم تحظ به مصنفات غيره، وتنافسوا في تقديم مصنفاته للمتعلمين بأيسر الطرق وأسهلها.
ولعلّ انقطاع ابن مالك للعلم، وصلاح نيته وإخلاصه، وما رزق من توفيق الله، ومن سهولة الأسلوب، وقرب المأخذ، وتفرغه للعلم والتعليم، كان سببا في تميز مؤلفاته، وإقبال الناس عليها.
وفي مقدمة ما اهتم به العلماء من مؤلفاته: (الخلاصة) المشتهرة بالألفية، فقد أقبلوا عليها حفظا، ودراسة، وشرحا، وإعرابا، وتيسيرا لطلاب العلم في مختلف العصور حتى يومنا هذا، فهي لا تزال تدرّس في الجامعات والكليات المتخصصة، من خلال شروحها المتعددة التي زادت على الخمسين (١)، فضلا عن النظم والاختصار والحواشي على تلك الشروح التي زادت
_________
(١) كشف الظنون ١/ ١٥١ - ١٥٥.
1 / 5
على العشرين حاشية (١)، ومن تلك الشروح شرح ابن الوردي الموسوم ب: (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة) الذي نحن بصدد دراسته وإخراجه للقراء والدارسين.
وقد تعرّفت على ابن الوردي ومؤلفاته من خلال دراستي لكتابه (شرح التحفة الوردية) فوجدته عالما فذّا، وأديبا متميزا، له أسلوبه الخاص في طرح القضايا النحوية والصرفية، ولم تحظ مؤلفاته في اللغة بالنشر، لغلبة شهرته الأدبية على غيرها. لذا عقدت العزم على متابعة دراسة ما أمكن لي من مؤلفاته، وإخراجها للقراء ومحبي العربية، فكان أن اطلعت في أثناء عملي في شرح التحفة على شرحه ألفية ابن مالك، وما يتميّز به هذا الشرح من الوسطية في تناول أبيات المنظومة، فتح به مغلقها، وفصّل مجملها، وقيّد مطلقها، فلا هو بالطويل الممل، ولا بالمختصر
المخل، مما يحتاجه طالب العلم، فيشفي غلته، ويشبع نهمته، إضافة لما يتميز به من سهولة العرض، ونصاعة الأسلوب، فهو الأديب العالم، البارع في جميع فنون عصره، إضافة إلى أن ابن الوردي من أوائل شرّاح الألفية.
كل ذلك شجعني على دراسة هذا الكتاب الجليل ونشره، وضمه إلى ما سبقه من شروح الألفية الثلاثة عشر التي نشرت حتى الآن؛ ليستفيد منه العالم، وينهل منه المتعلم.
_________
(١) المرجع السابق.
1 / 6
وإذا كان لاسم الكتاب دلالة على مضمونه، فإن ابن الوردي قصد إلى ذلك عند ما سمّى شرحه للخلاصة ب (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة) فقد برز في عمله هذا المعنى، فهو لا يقف في شرحه عند تحليل ألفاظ الخلاصة وعباراتها كما فعل كثير من شرّاحها، بل تجاوزه إلى الاستدراك على عبارات الناظم، ووضع البديل، وإكمال ما يراه من نقص تدعو الحاجة إليه، بما يضيفه من شروط ومحترزات، وتتمات، إضافة إلى مناقشة بعض المسائل النحوية والرد على الناظم وابنه في شرحه لألفية والده.
وقد تمت دراسة هذا العمل الجليل من خلال ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الدراسة وتشتمل على فصلين:
الفصل الأول: ابن الوردي: حياته وآثاره.
الفصل الثاني: دراسة الكتاب، وتشمل: منهجه في الشرح، مصادره، استدراكاته على آراء ابن مالك في الألفية وغيرها، وكذا على شرح ابن الناظم، ثم مذهبه النحوي، وتوثيق اسم الكتاب.
القسم الثاني: إلمامة مختصرة عن ابن مالك: حياته وآثاره.
القسم الثالث: تحقيق كتاب (تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة)
ويشمل: مقدمة التحقيق، وصف نسخ الكتاب، عملي في التحقيق.
وتفصيل ذلك ما يلي:
1 / 7
القسم الأول [الدراسة]
1 / 9
الفصل الأول ابن الوردي: حياته وآثاره (١):
نسبه:
هو زين الدين (٢) أبو حفص، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد ابن أبي الفوارس بن علي بن أحمد بن عمر بن سعيد بن القاسم ابن النضر بن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ﵁ (٣).
وكان ﵀ يفتخر باتصال نسبه إلى أبي بكر الصديق ﵁، ويذكره في أشعاره يقول:
مع أني أحمد الله على ... نسبي إذ بأبي بكر أتّصل (٤)
ويقول:
جدّي هو الصدّيق واسمي عمر ... وابني أبو بكر وبنتي عائشه (٥)
_________
(١) انظر: حياة ابن الوردي مفصلة في مقدمة دراستي شرح التحفة الوردية ص: ٢١ - ٥٤.
(٢) ويلقب بسراج الدين أيضا.
(٣) أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ٥/ ٥. وغيرها من المراجع المذكورة في مقدمة دراستي شرح التحفة الوردية.
(٤) ديوان ابن الوردي ٤٣٧ وأعلام النبلاء ٥/ ٥.
(٥) ديوان ابن الوردي ٤١٧.
1 / 11
أسرته:
لم تسعف المصادر التي كتبت عن ابن الوردي، حتى ما كتب هو نفسه، بالتعرّف على أسرة ابن الوردي إلا باليسير، فوالده توفي في معرة النعمان في يوم الجمعة منتصف شهر رمضان سنة (٧٢٣ هـ (١) وقد خلّف سبعة أولاد، عرف منهم أحمد ويوسف، وأنهما من أهل العلم والفضل، عملا في القضاء والتدريس (٢)، وأن والدته ينتهي نسبها إلى أويس القرني، ﵁، وقد توفيت في الثالث من المحرم سنة (٧٢٠ هـ) (٣).
ولابن الوردي من الأبناء شرف الدين أبو بكر، تفقه على أبيه وعمه، ودرّس بالبهائية بدمشق، وناب في الحكم، وله نظم ونثر، ومات في حلب سنة (٧٨٧ هـ) (٤).
وقد رزق عددا من البنات لم يذكر من هنّ إلا واحدة اسمها عائشة (٥)، ويظهر أن اسم الأخرى (ثريّا) وقد توفيت في حياته فرثاها (٦).
_________
(١) تتمة المختصر ٢/ ٢٧٤.
(٢) تتمة المختصر ٢/ ٣٥٣ وديوان ابن الوردي ١٨١، ٢٥٤، ٣٧٢، وأعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (مخطوط) والدرر الكامنة ٥/ ٢٥٣ - ٢٥٤ وإعلام النبلاء ٤/ ٥٩٠ - ٥٩١ و٥/ ١١ - ١٢.
(٣) تتمة المختصر ٢/ ٢٦٩.
(٤) الدرر الكامنة ١/ ٤٨٥ وأعلام النبلاء ٥/ ٩٣.
(٥) ديوان ابن الوردي ٤١٧ وأعلام النبلاء ٥/ ٥.
(٦) ديوان ابن الوردي ٢٠٣ - ٢٠٤.
1 / 12
مولده ووفاته:
ولد في معرة النعمان بسوريا سنة (٦٩١ هـ) على الصحيح، فقد قال في كتابه (تتمة المختصر) عن أحداث سنة (٦٩١ هـ): «وفيها والملك الأشرف نازل على معرة النعمان متوجها إلى قلعة الروم، كان مولدي (١)» وقيل: غير ذلك (٢).
وتوفي ﵀ في حلب بمرض الطاعون في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وسبع مئة من الهجرة (٢٧/ ١٢ / ٧٤٩ هـ) كما ذكر أكثر المؤرخين (٣). ورثاه الصفدي (٤).
_________
(١) تتمة المختصر في أخبار البشر ٢/ ٣٣٩.
(٢) انظر تاريخ آداب اللغة ٣/ ١٩٢ ودائرة المعارف الإسلامية ١/ ٤١٤ وتاريخ الأدب العربي لعمر فروخ ٣/ ٧٦٦ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٢/ ١٧٥ ومقدمة تحقيق تتمة المختصر لمحمد أحمد رفعت البدراوي ١/ ٧.
(٣) انظر أعيان العصر وأعوان النصر (مخطوط) والمنهل الصافي (مخطوط) وكلاهما للصفدي، وطبقات الشافعية للسبكي ٦/ ٢٤٣، والدليل الشافي على المنهل الصافي ١/ ٥٠٦ - ٥٠٧ والنجوم الزاهرة ١٠/ ٢٤٠ والبدر الطالع ١/ ٥١٤ وبغية الوعاة ٢/ ٢٢٧ وأعلام النبلاء ٥/ ٣ وغيرها.
وقيل: توفي في غير هذه السنة على أقوال متباعدة نيجة لبس في اسمه مع غيره. انظر بدائع الزهور في وقائع الدهور ١/ ١٩٨ وكشف الظنون ١/ ١٥٧ و١/ ٩٠٢ و٢/ ١٦٢٩ و٢/ ١٧٨٧ و٢/ ١٨١٧ و٢/ ١٨٦٤.
(٤) انظر أعيان العصر في أعوان النصر (مخطوط) وبدائع الزهور ١/ ٥٢٤.
1 / 13
شيوخه:
ولد ابن الوردي وقضى حياته، في إقليم الشام من الدولة الإسلامية المملوكية، وتنقّل بين مسقط رأسه معرة النعمان، وسرجة، والفوعة، ومنبج، وشيزر، وحماة، ودمشق، وغيرها من حواضر وقرى الشام، متعلما ومعلما وقاضيا، واستقر به المقام في حلب.
وقد انتقل لطلب العلم من المعرة مبكرا، فقد ذكر أنه أخذ عن شيخه عبس السرجاوي المتوفى بسرجة سنة (٧٠٧ هـ) (١)، وكان موجودا بحلب سنة (٧١١ هـ) حيث شارك في استقبال (قرة سنقر) مع شيخه ابن الوكيل (٢)، كما أن شيخه هبة الله بن البارزي حدّثه سنة (٧١٣ هـ) عن اختلاف العلماء في صوم الدهر (٣)، وذلك في حماة. ويظهر أنه لم يزر دمشق قبل سنة (٧١٥ هـ) حيث حضر فيها مجلس بيع ملك عند القاضي نجم الدين بن صرصرى (٤).
وقد ذكر من مشايخه من طالت ملازمته له، أو اشتهرت محاورته له في قضايا الفقه والفرائض والنحو والأدب، ودوّن بنفسه في تتمة المختصر أشهرهم، ورثى عددا منهم، مثل:
١ - عبس بن عيسى بن علي بن علوان السرجاوي العليمي،
_________
(١) الدرر الكامنة ٣/ ٤٦.
(٢) تتمة المختصر ٢/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٣) تتمة المختصر ٣٢٠.
(٤) المنهل الصافي (مخطوط) وبدائع الزهور ١/ ١٩٩ وأعلام النبلاء ٥/ ١٠ - ١١.
1 / 14
المتوفى في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وسبع مئة من الهجرة (٢٥/ ٦ / ٧٠٧ هـ) وقد رثاه ابن الوردي (١).
٢ - صدر الدين أبو عبد الله محمد بن زين الدين عثمان المعروف بابن الوكيل، وبابن المرحل، فقد انتقل مع أبيه من مصر إلى دمشق، وأقام مدة بحلب، وتوفي في القاهرة سنة ستّ عشرة وسبع مئة من الهجرة (٧١٦ هـ) (٢) وأثنى عليه ابن الوردي ثناءا عظيما.
٣ - شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المرادي الحنبلي، الفقيه الأصولي المقرئ النحوي، تلقى عنه ابن الوردي في حلب. توفي بالقدس في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة (٧٢٨ هـ) (٣).
٤ - برهان الدين إبراهيم بن الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، تصدى للاشتغال والفتوى
في المذهب الشافعي، توفي بدمشق في جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وسبع مئة من الهجرة (٧٢٩ هـ) (٤).
٥ - مهنا بن إبراهيم بن مهنا الفوعي المتوفى في الخامس عشر
_________
(١) تتمة المختصر ٢/ ٢٥٥، ٣١٣، ٣٣٨ وديوان ابن الوردي ١٨، ٢٤٤.
(٢) تتمة المختصر ٢/ ٢٦٥ والبداية والنهاية ١٤/ ٨٠ والأعلام ٦/ ٣١٤.
(٣) تتمة المختصر ٢/ ٢٨٤ والأعلام ١/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٤) تتمة المختصر ٢/ ٢٧٤ - ٢٩٠ والأعلام ١٨٤٥.
1 / 15
من شوال سنة ست وثلاثين وسبع مئة من الهجرة (٧٣٦ هـ) ورثاه ابن الوردي (١).
٦ - قاضي قضاة حماة، شرف الدين أبو القاسم هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم البارزي الجهني الحموي الشافعي المتوفى في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة من الهجرة (٧٣٨ هـ) (٢) وهو أكثر من أخذ عنه العلم، وقد أجاز ابن الوردي في الفقه، وفي الخلاصة لابن مالك، ورثاه ابن الوردي (٣).
٧ - قاضي قضاة حلب، فخر الدين أبو عمرو عثمان بن زين الدين علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين، اشتهر بالفقه والأصول والنحو والتصريف والقراءات. توفي في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبع مئة من الهجرة بمصر (٧٣٩ هـ) ورثاه ابن الوردي (٤).
٨ - يوسف بن مظفر بن عمر جمال الدين بن الوردي، شقيق ابن الوردي الأكبر، قاض وفقيه، ولد سنة (٦٨٠ هـ) ومات في
_________
(١) تتمة المختصر ٢/ ٣١١ - ٣١٢.
(٢) تتمة المختصر ٢/ ٢٨٢، ٢٨٣، ٢٩٧، ٣١٩، ٣٢٣ وديوان ابن الوردي ٥٨، ١٠٤، ١٠٧، ٣٣٥، والبداية والنهاية ١٤/ ١٨٤ وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٣٩٣ وبغية الوعاة ٢/ ٢٢٧.
(٣) تتمة المختصر ٢/ ٣٢٢ - ٣٢٣ وديوان ابن الوردي ٥٨ - ٥٩.
(٤) تتمة المختصر ٢/ ٣١١، ٣٢٣ وديوان ابن الوردي ٥٠٣ والبداية والنهاية ١٤/ ١٨٤ والدرر الكامنة ٥/ ٢٥٣ - ٢٥٤ والأعلام ٤/ ٢١٠.
1 / 16
العشر الوسطى من ذي القعدة سنة تسع وأربعين وسبع مئة من الهجرة (٧٤٩ هـ) قبل أخيه فرثاه (١).
٩ - إبراهيم بن عيسى بن عبد السّلام، ولعله أول من تلقى عنه ابن الوردي بمعرة النعمان، ولم أقف على شيء من أخباره، إلا أنه قال في تتمة المختصر في حوادث (٧٣٩ هـ): «وفيها في أوائل رجب توفي بمعرة النعمان ابن شيخنا العابد إبراهيم .. (٢)».
١٠ - الشيخ تاج الدين جعفر السراج الحلبي (٣).
واستفاد ابن الوردي من غير هؤلاء من علماء عصره في شتى العلوم والفنون فقد جالس الكثير وسمع منهم وحاورهم، ومنهم:
أ - شيخ الإسلام أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية، أحمد ابن عبد الحليم الدمشقي الحنبلي (٤)، المتوفى سنة (٧٢٨ هـ) بدمشق (٥).
_________
(١) تتمة المختصر ٢/ ٣٥٣ وديوان ابن الوردي ٣٧٢ وأعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (مخطوط) والدرر الكامنة ٥/ ٢٥٣ - ٢٥٤ وأعلام النبلاء ٤/ ٥٩٠ - ٥٩١ و٥/ ١١ - ١٢.
(٢) تتمة المختصر ٢/ ٣٣٥.
(٣) ذكره ابن الوردي في الحديث عن الشيخ (مهنا) قال: «وصحب شيخنا تاج الدين جعفر السراج الحلبي وتلمذ له، وانتفع به، وصرفه مهنا في ماله، وخلفه على السجادة بعد وفاته». ولم أعثر على غير هذا. انظر تتمة المختصر ٢/ ٣١٢.
(٤) تتمة المختصر ٢/ ٤٠٧.
(٥) ديوان ابن الوردي ٢٦٦ والأعلام ١/ ١٤٤.
1 / 17
ب - نجم الدين اللخمي القبائي الحنبلي المتوفى بحماة سنة سبع مئة وأربعة وثلاثين (٧٣٤ هـ) سأل ابن الوردي عن المسألة الأكدرية إذا كان بدل الأخت خنثى، فأعجب نجم الدين بجوابه، وذلك في بلدة الفوعة (١).
ج - العلامة فخر الدين محمد بن علي المصري الشافعي، المعروف بابن كاتب قطلوبك، المتوفى سنة سبع مئة وواحد وخمسين (٧٥١ هـ) (٢) سمع منه وباحثه عند ما قدم حلب سنة (٧٣٨ هـ) (٣).
د - التاج اليماني، تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله اليمني المخزومي المكي، النحوي اللغوي الكاتب العروضي الشاعر، المتوفى سنة سبع مئة وثلاثة وأربعين (٧٤٣ هـ) باحثه، وأنشده التاج من شعره، عند ما قدم حلب سنة (٧٤١ هـ) (٤).
هـ - الشيخ شهاب الدين أحمد بن المرحّل الحرّاني النحوي المتوفى في مصر سنة سبع مئة وأربعة وأربعين ٧٤٤ هـ،
ذكر ابن الوردي أنه لقيه في حلب، وتحاورا في مسائل نحوية (٥).
_________
(١) تتمة المختصر ٢/ ٣٠٥.
(٢) الدرر الكامنة ٤/ ١٧٠ - ١٧١.
(٣) تتمة المختصر ٢/ ٣١٥ - ٣١٦.
(٤) تتمة المختصر ٢/ ٣٣١، ٣٣٥ وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٣١ - ٣٢ والأعلام ٣/ ٢٧٢.
(٥) تتمة المختصر ٢/ ٣٣٧ وديوان ابن الوردي ٣٧٧.
1 / 18
و- القاضي محمد بن أبي بكر شمس الدين بن النقيب المتوفى في ذي القعدة سنة سبع مئة وخمس وأربعين (٧٤٥ هـ) ذكر أنه جرت معه مذاكرة ومجالسة في حلب في مشكلات وقضايا فقهية (١).
ز - الشيخ صافي بن نبهان، سمع منه في (جبرين) في الحديث (٢).
والمتتبع لديوانه ولتتمة المختصر يقف على غير هؤلاء من علماء الشام، وعلماء مصر الذين قدموا الشام.
إجازات ابن الوردي لتلاميذه وعلماء عصره:
سمع من ابن الوردي كثير من علماء عصره، وتلقى عليه الكثير من طلاب العلم ومحبي الأدب، وأجاز عددا من هؤلاء وهؤلاء رواية مؤلفاته في مختلف الفنون والعلوم، ذكر عددا منهم في ديوانه، إلا أنه لا يذكر أحيانا اسم المجاز كاملا، وممن ذكرهم:
١ - القاضي أبو المحاسن نور الدين يوسف بن محمد بن منصور الأنصاري الفيومي الخزرجي الشافعي، أجازه ابن الوردي في رواية مؤلفاته، وكان ذلك سنة (٧٤٣ هـ) وأثنى على علمه وشعره، وقال: إنه استجازه، وكان الحق الاستجازة منه (٣).
_________
(١) تتمة المختصر ٢/ ٣٤٠ - ٣٤١ والأعلام ٦/ ٥٥.
(٢) ديوان ابن الوردي ٢٠٧، وذكر ذلك في بيتين.
(٣) ديوان ابن الوردي ١٤٠ - ١٤٤.
1 / 19
وقال في الدرر: توفى سنة بضع وأربعين وسبع مئة من الهجرة (١).
٢ - العلامة صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله، الصفدي المولد، الدمشقي الوفاة سنة ٧٦٤ هـ، له زهاء مئتي مصنف، أجازه في رواية ما له من منقول ومقول، وفروع وأصول، ونظم ونثر، وأدب وعلم، وشرح وتأليف، وأثنى ابن الوردي على أدبه وعلمه (٢).
٣ - كمال الدين عمر بن محمد بن الضياء بن شهاب الدين محمد ابن العجمي الحلبي، المتوفى سنة ٧٤٤ هـ، باحثه في شرح الشافية الكافية (٣).
٤ - القاضي شهاب الدين أحمد بن ريان، قرأ عليه (الخلاصة) لابن مالك وشرحها لابنه (٤).
٥ - الفقيه الفاضل محمد بن عمر بن علي اليمني، قرأ عليه منظومته (بهجة الحاوي) وكان وفد عليه من اليمن (٥).
_________
(١) الدرر الكامنة ٥/ ٢٥٠ - ٢٥١.
(٢) ديوان ابن الوردي ٩٧ - ١٠٣ وأعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (مخطوط) وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١١٩ - ١٢١ والدرر الكامنة ٢/ ١٧٦ - ١٧٧ والأعلام ٢/ ٣١٥.
(٣) تتمة المختصر ٣٣٩ وديوان ابن الوردي ٤٢٨ وإعلام النبلاء ٤/ ٥٨٢ - ٥٨٣.
(٤) ديوان ابن الوردي ٥٧ - ٥٨.
(٥) المرجع السابق ١٣٩.
1 / 20
٦ - ضياء الدين سليمان الفارسي، قرأ عليه (البهجة) وأجازه في رواية ما له من منقول ومقول (١).
٧ - الفقيه الجليل ابن شجرة، قرأ عليه كتابي: (الجمل) لعبد القاهر الجرجاني، و(الخلاصة) لابن مالك (٢).
٨ - كمال الدين إبراهيم بن بهاء الدين حسين بن جمال الدين بن سليمان بن ريان، المعروف بابن ناظر الجيش، عرض عليه (الوافية) في نظم الكافية لابن الحاجب (٣).
٩ - ابن العطار، عرض عليه كتاب التنبيه في الفقه الشافعي للشيرازي (٤).
١٠ - محمد بن الحسن الحنفي، عرض عليه مواضع من كتاب:
(بداية المبتدي) لأبي الحسن المرغيناني الحنفي (٥).
١١ - تقي الدين أبو بكر، قرأ عليه مواضع من كتابه: (بهجة الحاوي) وأثنى عليه كثيرا (٦).
ابن الوردي والعمل في القضاء:
عمل ابن الوردي في القضاء مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة ما
_________
(١) المرجع السابق ٦٦.
(٢) المرجع السابق ٧٥ - ٧٦.
(٣) المرجع السابق ٧٦ - ٧٧.
(٤) المرجع السابق ١٣٨.
(٥) المرجع السابق ١٤٨.
(٦) المرجع السابق ١٣٤ - ١٣٦.
1 / 21
بين ٧٢٤ هـ إلى ٧٣٦ هـ في دمشق (١)، وحلب، والقرى التابعة لها كمنبج، وقرى أعمال حمص كشيزر، ولم يرق له العمل في البرّ، وكتب في ذلك أشعارا إلى قضاة حلب يعاتبهم على إقصائه وتقريب من هو أقل منه، ويطلب إقالته، رغبة منه في القرب من مراكز العلم ومجالس العلماء.
قال يخاطب كمال الدين محمد بن علي الزملكاني قاضي قضاة حلب (٢):
أمنقذها (٣) من بؤسها وعنائها ... فديتك أنقذني فقد نفد العمر
فإني أرى عيبا بأني مضيّع ... وكسي من الحكم الخصومات والوزر
مقيما بأرض الحرث جارا لمعشر ... وجوههم غبر وأثوابهم حمر
تقدمني من كان خلفي وساءني ... خمولي ولكن هكذا يفعل البرّ
بليت بحجر الحكم من زمن الصبا ... فهل بكمال الحجر يرتفع الحجر
على أنني راض بأن ألي القضا ... وأعزل عنه لا أثام ولا أجر
_________
(١) ذكر ابن إياس في بدائع الزهور ١/ ٥٢٥ - ٢٥٦ أنه ولي قضاء دمشق، فأقام مدة في ولايته حتى ملّ من ذلك، وأنشأ يقول:
ولولا أنني أرجو خلاصي ... من الأحكام كنت قتلت نفسي
تقضّى العمر في شكوى ودعوى ... وإنكار وإقرار وحبس
فلما انفصل عن القضاء أنشأ يقول:
خلصت ثوب القضاء طوعا ... ولم أكن فيه بالمظلوم
إن زال جاه القضاء عني ... كان لي الجاه بالعلوم
(٢) ديوان ابن الوردي ٢٩٣ - ٢٩٨.
(٣) يعني كنيسة اليهود بحلب التي حولها الزملكاني إلى دار للحديث. ديوان ابن الوردي ٢٩٣ - ٢٩٨٧.
1 / 22
لئن زاد مال المرء مع نقص علمه ... فذلك خسر لا يقابله خسر
أيا أوحد الإسلام إني معوّل ... عليك وما المملوك في قصده غرّ
أقلني من الأحكام في البرّ محسنا ... إليّ بفصلي عنه، يا من هو البحر
شغلت بحبّ العلم عن رفعة القضا ... أيلوي على الأصداف من قصده الدّرّ
تعجب قوم كيف أترك منصبي ... وأرفضه عمدا وما أنا مضطرّ
وقالوا: ترى من حلّ في رتبة القضا ... وفارقها حتى يواريه القبر
أرى العلم أعلى رتبة لي من القضا ... ولو لم يكن إلّا فوائدك الزّهر
وفيّ لتحصيل العلوم بقيّة ... فلا كبر عنها يصدّ ولا كبر
ولم يستجب الزملكاني لرغبة ابن الوردي في الإقالة من القضا في البر.
وعند ما تولى الشيخ فخر الدين أبو عمرو عثمان بن خطيب جبرين، قضاء قضاة حلب وما يتبعها في جمادى الآخرة سنة ٧٣٦ هـ، طلب منه ابن الوردي الإعفاء من القضاء فاستجاب لطلبه، وبذلك تحققت رغبته في التفرغ للبحث والتدريس في حلب، وقد عبّر عن ذلك في إحدى قصائده، قال (١):
إني تركت عقودهم وفسوخهم ... وفروضهم والحكم بين اثنين
ولزمت بيتي قانعا ومطالعا ... كتب العلوم وذاك زين الزين (٢)
_________
(١) ديوان ابن الوردي ٣٥٧.
(٢) يعني نفسه، فلقبه زين الدين.
1 / 23
أهوى من الفقه الفروق دقيقة ... فيها يصح تفرّز النصين
وأحبّ في الإعراب ما هو غامض ... عن نصف نحوي وعابر عين
وأقول في علم البديع معانيا ... مقسومة بين البيان وبيني
وتركت نظم الشعر إلا نادرا ... كالبيت في سنة أو البيتين
ما الشعر كالعلم الشريف نباهة ... فالعلم فيه سعادة الدارين
منزلته العلمية والأدبية:
لئن طغت شهرة ابن الوردي الأدبية على مكانته العلمية، بما اشتهر به من نظم ونثر أدبي متميز، فإن الدارس لحياته وتراثه العلمي، وعمله في القضاء، وتفرغه للتدريس، وقصد العلماء مجلسه، ودراستهم مؤلفاته، وطلبهم الإجازة منه، فضلا عن تلاميذه الذين يصعب حصرهم، ليعلم أن ابن الوردي كان عالما متميزا في كل الفنون التي ألّف فيها، من نحو وفقه وفرائض وتصوف وتاريخ وتفسير أحلام وجغرافيا، وأن ما ترك من منظوم ومنثور في هذه الفنون، يشهد بعمق فكره وتنوع ثقافته، فقد نظم الفقه الشافعي، وألف في النحو تسعة مؤلفات بين منظوم ومنثور، ففاق بذلك كثيرا ممن سبقه، ومن جاء من بعده. وأثنى عليه علماء عصره، ومن جاء بعدهم ممن اطلع على مصنفاته.
قال الصفدي ﵀: «أحد فضلاء العصر، وفقهائه، وأدبائه، وشعرائه، تفنن في علومه، وأجاد في منثوره ومنظومه، وعربيته تلافيها ما أنّس غريبها بتلافيها، وقربها إلى التعقل بعد تجانفها
1 / 24
وتجافيها (١)». وقال: «فقهه للطلبة روضة، ولأصحاب الفتاوى قد شرّع حوضه، نظم الحاوي وزاده مسائل، وجعله بعد وحشة الأذهان منه خمائل (٢)».
وقال ابن حجر: «من نظم الفقه بعد ابن الوردي فقد أتعب نفسه (٣)».
مصنفاته العلمية:
١ - البهجة الوردية (٤)، وتسمى (بهجة الحاوي) نظمها في فروع الفقه الشافعي في ثلاثة وستين وخمسة آلاف بيت (٥٠٦٣)، ظمنها (الحاوي الصغير) للشيخ نجم الدين عبد الغفار القزويني المتوفى سنة (٦٦٥ هـ) وقال ابن حجر عنه: «أقسم بالله لم ينظم أحد بعده الفقه إلا قصر دونه (٥)». وقد حظيت البهجة بعدة شروح (٦).
٢ - الوسائل المهذبة في المسائل الملقبة (٧)، وتسمى (الملقبات
_________
(١) أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (مخطوط).
(٢) المرجع السابق.
(٣) المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، لابن تغري بردي (مخطوط).
(٤) ديوان ابن الوردي ١٠٣ وهدية العارفين ١/ ٧٨٩.
(٥) الدرر الكامنة ٣/ ٢٧٢.
(٦) انظر مقدمة دراستي شرح التحفة الوردية ٤٩.
(٧) ديوان ابن الوردي ١٠٣ وهدية العارفين ١/ ٧٨٩، وفي ١٤٢ من الديوان:
(المسائل المهذبة في الوسائل الملقبة) وفي بروكلمان ٢/ ١٧٦ (المسائل الملقبة الوردية).
1 / 25