127

شرح ألفية ابن مالك للحازمي

شرح ألفية ابن مالك للحازمي

اصناف

كل من أحدث الحدث، إذًا: ليس المراد به الفاعل اللغوي ولا الفاعل الاصطلاحي؛ لأن الفاعل اللغوي لا يشمل نحو: ما ضربت زيدًا؛ لأنه ليس بفاعل وإنما هو اصطلاحي، وكذلك: مت، وضربت، وما مت، وما ضربت، نقول: هذه داخلة في الحد، لا بد أن يشمل من أحدث .. أوقع الحدث، أو قام به الحدث، أو نفي عنه الحدث .. وهذا لا يتصور في الفاعل الاصطلاحي ولا الفاعل اللغوي، إذًا: لا بد من التفسير ولذلك قلنا: أنه مجاز إما من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم .. من ذكر الملزوم وإرادة اللازم، على طريق الكناية أو المجاز المرسل، فحينئذٍ ماذا نقول هنا بتا فعلت؟ هل نقول: الفاعل الاصطلاحي أو الفاعل اللغوي، أو لا هذا ولا ذاك؟
نقول: لا هذا ولا ذاك، وإنما ذكر الأخص الذي هو الفاعل من باب إطلاق اللفظ الذي لا بد منه؛ لأنه لو لم يعبر بهذا اللفظ ماذا يعبر؟ ليس عندنا إلا فاعل اصطلاحي أو فاعل لغوي، لكن من حيث الاتصال وعدمه ما يصدق عليه تاء الفاعل أعم من الفاعل الاصطلاحي وأعم من الفاعل اللغوي، ولذلك: كنت قائمًا، التاء هذه تاء الفاعل، مع أنها لا تسمى فاعلًا عند النحاة، وليس فاعلًا اصطلاحيًا.
ما ضربتُ زيدًا، التاء: هذا ليست بفاعل لغوي، مع أنها فاعل اصطلاحي، إذًا: بتا فعلتُ، المراد بالتاء هناك الدالة بالمطابقة على من وجد منه الفعل أو قام به أو نفي عنه، بهذا نفسرها ولا نقف مع اللفظ؛ لأننا لو وقفنا مع اللفظ فأدخلنا وأخرجنا فحينئذٍ خرجت بعض الألفاظ ودخل ما لا يراد.
ولا يرد التاء في نحو: ما قام إلا أنت، أنتَ بفتح التاء، هل هي مثل تا فعلتَ؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنها لم تدل بالمطابقة، وقد عرفنا أن التاء المراد بها ما دل بالمطابقة على من أحدث أو قام به، أو نفي عنه الفعل، وهنا: ما قام إلا أنت نقول: ليست دالة بالمطابقة على نفس الفاعل، بل الدال عليه: أن، على مذهب البصريين، أن الضمير هو: أن، وتاء التاء هذه مفتوحة حرف خطاب.
بقي الإشكال في ماذا؟ أن هذه تا فعلت هذه تدخل ليس .. «لَسْتَ عَلَيْهِمْ» [الغاشية:٢٢] وبها استدل على فعليتها خلافًا لمن أنكره: «لَيْسُوا سَوَاءً» [آل عمران:١١٣] إذًا: هي فعل، لست .. ليس هذه هل تدل على حدث؟ لا، وإنما تدل على نفيٍ فحسب، ولذلك ذهب بعضهم أنها حرف بمنزلة ما النافية، لأنه لا يفهم منها حدث، إذا كان لا يفهم منها حدث كيف نقول: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ» [الغاشية:٢٢] والتاء هذه تاء الخطاب فهي تاء الفاعل؟ ليس عندنا حدث أصلًا.
بقي الإشكال في دخول التاء اللاحقة لليس، حتى ينهض الرد على من زعم حرفيتها بلحاق تاء الفاعل، إذ لا يصدق عليها أنها تاء من وجد منه الفعل أو قام به أو نفي عنه، لعدم دلالة ليس على الحدث، وهذا وارد.
وحينئذٍ نقول: هي تاء من نفي عنه الخبر، في هذا التركيب: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» [الغاشية:٢٢] لست، هذه التاء، نقول: تاء من نفي عنه الخبر، ولا نعبر عنها بأنها تاء الفاعل إلا من باب التعميم فحسب، وأما عند التحقيق فنقول: هنا ليس عندنا حدث، بل هي تاء من نفي عنه الخبر، اللهم إلا أن يراد بالفعل ما يشمل مدلول الخبر، وهذا يرجع إلى المصطلح.

8 / 8