الإفراط والتفريط كلاهما مذموم
قال المصنف ﵀: [وقد تقدم أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر، إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه].
التفريط يغلب على أهل المخالفة والمعصية، والإفراط هو الذي يتحرك به الشيطان ليضل به من هو قاصد للعلم والسنة والتدين، فهؤلاء يحركهم الشيطان، ويتحرك الشيطان إليهم بعبارة أصدق، فيدخل عليهم من باب الإفراط.
والإشكال في هذا الأمر أن شعور العبد بتأثير الشيطان عليه في مسائل المعاصي والمخالفات شعور مكشوف ومباشر؛ فإن الذي يسرق يعلم أنه أتى معصية بأثر الشيطان وتهوين الشيطان لها، وما إلى ذلك، لكن الإشكال أن الذي يقع في الإفراط لا يدري أن ذلك من تأثير الشيطان وإضلاله، والمشكلة اليوم أن كثيرًا من العوام وبعض الخواص تربوا على أنه كلما شب الإنسان في قضية من القضايا، وكلما أعطى أحكامًا مغلظة أشد، فمعناه: أن لديه تدينًا أكثر وصدقًا أكثر وصلاحًا أكثر، وهلم جرا من المعاني؛ لأن هذا هو الصالح، وهذا هو السلفي الصحيح، والسني الصحيح والذي لا تأخذه في الله لومة لائم ..
وما إلى ذلك.
وقد ينشأ هذا عن صلاح في النفس، وهذه قوة، لكن القوة توزن بميزان الشريعة؛ فإن أول فتنة انشق أصحابها عن جماعة المسلمين وعن صحابة رسول الله ﵊ هي فتنة الخوارج، وقد ذكر النبي ﷺ الخوارج ولم يذكرهم بترك العبادات، بل قال ﵊: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم).
6 / 2