منزلة النبي ﷺ عند الله تعالى
قال المصنف ﵀: [سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وسيد ولد آدم ﷺ، وأكرم الخلق على ربه، وأقربهم إليه زلفى، وأعظمهم عنده درجة، محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا].
ثبت أنه ﵊ أكرم الخلق على الله سبحانه، وأنه أول من يدخل الجنة، وأول من يستفتح، وقال ﵊: (أنا سيد ولد آدم) وجعله الله النبي الخاتم؛ ولذلك كانت أمته خير الأمم، وكان أصحابه خير الأصحاب.
ولهذا ينبغي على أتباعه ﷺ أن يكونوا على جادته وهديه من حيث أن رسالته رسالة عامة، فهي ليست رسالة خاصة بإقليم أو بقوم أو بزمان، بل رسالة مطردة لكل مكان، وصالحة لكل زمان؛ ولذلك إذا حمل الإنسان هذا العلم، فينبغي أن يكون فقيهًا في حمله، فيأتي كل بيئة من البيئات بما يناسبها من الفقه الشرعي، وهذا لا شك أن الحال فيه يختلف، فالفقه الذي كان النبي ﷺ يربي عليه أصحابه بمكة ليس هو الذي كان عليه أصحابه بالمدينة، فقد حصل بالمدينة أمور لم تحصل حين كان ﵊ بمكة، وفي عهد الخلفاء الراشدين حصلت أمور لم تكن موجودة في زمنه ﷺ، فهذا هو الفقه الشرعي الذي ينبغي لطالب العلم أن يقصد إليه.
ولذلك من كرم هذا النبي على الله -إشارة إلى أنه خاتم الأنبياء- أن الله ﷾ حينما يذكر الأنبياء في القرآن يسميهم بأسمائهم، كقوله تعالى عن موسى: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ [الشعراء:١٠] وكذلك في نداء الله لإبراهيم، وفي نداء الله لعيسى، لكن محمدًا ﷺ ما ناداه الله باسمه، إنما أخبر عنه باسمه ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح:٢٩]، لكن لم يناد الله ﷾ نبيه محمدًا على وجه النداء باسمه، وإنما ناداه باسم النبوة والرسالة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ [التحريم:١]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب:١] ..
إلخ.
وهذا إشارة إلى قدر عظم نبوته وأنها النبوة الخاتمة، وإذا كان كذلك فعلى من يحمل هذا العلم أن يتخوض فيه بحق وبعدل، وإذا لم تسع نفسه أو طبعه فقد أقول كلمة يراها البعض صعبة لكني أنقلها وأنا مطمئن إليها: الزيادة من العلم عندما لا تلزمه معرفتها في عبادته تركه لهذه الزيادة أولى من دخوله فيها إذا كانت نفسه على هذا الوجه من الانغلاق، فلا يدخل في العلم حتى يربي نفسه على تزكية النفس التي هي من أخص مقاصد المرسلين؛ فإن إبراهيم ﵇ لما دعا ربه لم يطلب نبيًا يعلم الناس فقط، بل قال: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة:١٢٩]، فتزكية النفس من أخص مقاصد الرسالات التي نزلت على أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
1 / 13