شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
شرح الوصية الكبرى لابن تيمية - الراجحي
اصناف
معنى قوله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس)
قوله رحمه الله تعالى: (ولذلك جعلهم شهداء على الناس).
أي: بكونهم عدلًا خيارًا صاروا شهداء على الناس، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣]؛ لأن الشهادة تتطلب العدالة فهذه الأمة لما كانت موصوفة بالعدالة، والخيرية صارت تشهد على الناس، وبيان ذلك ما ثبت في الحديث: (أنه يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته)، فتأتي هذه الأمة وتشهد على الناس، تشهد أن نوحًا بلغ أمته فتقول أمته: كيف عرفتم أن نوحًا بلغنا وأنتم لم تحضروا؟ فيقولون: أنزل الله علينا كتابًا وأخبرنا أن نوحًا بلغ فشهدنا، وكذلك الأنبياء كلهم فإنهم يسألون: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم.
فتنكر أممهم فيقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فتأتي هذه الأمة وتشهد للأنبياء أنهم قد بلغوا، ثم يأتي نبينا محمد ﷺ ويشهد عليها، فذلك قول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣].
وقوله رحمه الله تعالى: (هداهم لما بعث به رسله جميعهم من الدين الذي شرعه لجميع خلقه، ثم خصهم بعد ذلك بما ميزهم به وفضلهم من الشرعة والمنهاج الذي جعله لهم).
أي: أن الله تعالى هدى هذه الأمة لما بعث به رسله جميعهم إلى الدين، فإن الدين الذي شرعه لجميع خلقه هو أصول الأديان الذي جاءت بها الأنبياء جميعًا، وهو توحيد الله وإخلاص العبادة له، والتحذير من الشرك، والإيمان بالرسل والكتب المنزلة، والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره، قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:١٣].
وهذه الأمة هداها الله لهذا، ثم خصهم بما ميزهم به وفضلهم من الشرعة والمنهاج الذي جعله لهم، وهو ما جاء به محمد ﷺ من الشريعة الخاصة كما قال سبحانه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:٤٨].
فدين الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا، وهو دين الله في الأرض والسماء، والأنبياء كلهم دينهم واحد وهو التوحيد، والتوحيد هو الإسلام بمعناه العام، فالإسلام في زمن آدم هو توحيد الله وما جاء به آدم من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن نوح هو توحيد الله وما جاء به نوح من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن هود توحيد الله وما جاء به هود من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن صالح توحيد الله وما جاء به صالح من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن إبراهيم توحيد الله وما جاء به إبراهيم من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن موسى توحيد الله وما جاء به موسى من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن عيسى توحيد الله وما جاء به عيسى من الشريعة والمنهاج، والإسلام في زمن محمد ﷺ هو توحيد الله وما جاء به محمد ﷺ من الشريعة والمنهاج الذي جعله الله تعالى له.
1 / 22