Sharh Al-Qawa'id Al-Sab' Min Al-Tadmuriyyah
شرح القواعد السبع من التدمرية
اصناف
صفة اليد لله تعالى
من المعروف في لغة العرب أن اليد تأتي بمعنى القوة، كقوله ﷾: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ﴾ [الذاريات:٤٧] أي: بقوة، وتطلق ويراد بها النعمة، كقول عروة بن مسعود الثقفي لـ أبي بكر الصديق في صلح الحديبية لما نهره أبو بكر، فقال عروة بن مسعود: (من هذا؟ قال: هذا أبو بكر، فقال: لولا يد لم أجزك بها لأجبتك) أي: لولا نعمة.
فإن قال قائل: إذًا فمن فسر قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥] بأن اليد هنا صفة لله تعالى، فقد أصاب وجهًا في كلام العرب، ومن فسرها بأن اليد بمعنى القوة والقدرة، فقد أصاب وجهًا في كلام العرب، فلماذا يقال: إن ذلك تفسير صحيح، وهذا تفسير بدعي؟ مع أن العرب تعرف اليد بمعنى الصفة إذا قالوا: أكل زيد بيده، أو قطعت يده، ونحو ذلك، وتعرف اليد بمعنى النعمة أو القوة، ونحو ذلك من المعاني المعروفة في لغة العرب.
فالجواب: أن العرب تعرف اليد بمعنى النعمة في سياق، وإذا عرفتها بمعنى النعمة فلا يمكن أن تكون مفسرة بمعنى اليد التي هي الصفة، فإن العرب تتكلم بكلام وليس بكلمة، وكل كلام له معناه من حيث السياق الدال عليه، فحينما قال عروة لـ أبي بكر: (لولا يد لم أجزك بها لأجبتك) قلنا: معناه: لولا نعمة، وليس هذا من باب التأويل لكلام عروة، وليس هو أيضًا خروجًا من الحقيقة -كما يقال- إلى المجاز؛ لأنه أصلًا لم يرد إلا معنىً واحدًا، ولا يمكن أن يفهم من هذا الكلام إلا معنىً واحد، وهذا هو الذي جعل ابن تيمية ﵀ يمنع أن يكون المجاز من عوارض المعاني، فمثلًا: إذا قيل: رأيت أسدًا يخطب، هم يقولون: إن المعنى الحقيقي أنك رأيت الحيوان المعروف وهو الأسد الحقيقي قد صعد منبرًا من المنابر وجلس يخطب، والمعنى المجازي أن رجلًا شجاعًا يشبه الأسد قد صعد منبرًا وجلس يخطب عليه، فيقول ابن تيمية: إن المعنى الأول هم فرضوه فرضًا، وإلا فليس هناك أحد يفهم هذا الفهم، والكلام لا يدل عليه، والمتكلم بكلام لا يمكن أن يريد بكلامه من حيث الأصل إلا معنىً واحدًا، إلا إن كان يقصد التلبيس أو ما إلى ذلك؛ فلأجل هذا منع ابن تيمية ﵀ أن يكون المجاز من عوارض المعاني، وجعله من عوارض الألفاظ، كما سبق بيانه.
إذًا: فلابد من معرفة السياق حتى تفسر الآية المشتملة على الصفة تفسيرًا صحيحًا، ومن السياقات الدالة على أن اليد هي صفة حقيقية لله تعالى: أن الله تعالى ذكرها بصيغة التثنية، ولا يوجد في كلام العرب أنهم ذكروا اليد بمعنى النعمة، أو القوة، أو القدرة في سياق التثنية المضافة إلى معين؛ لأن الله يقول: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥] فجاء ذكر اليدين هنا مثناة ومضافة، ولا يوجد في كلام العرب أنهم يستعملون اليد في غير معنى الصفة إذا جاءت بمثل هذا السياق، ولذلك فإن ابن تيمية ﵀ في أحد مناظراته في صفة اليدين اشترط هذا الشرط، فانقطع المخالف له.
9 / 15