وأما قوله تعالى (١): ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] فالمرادُ بِهِ عَذاب الدنيَا دُونَ عَذابِ الآخِرةِ (٢)، أو يجعَل العَقل أيضًا رَسُولًا؛ لأن بِهِ إلى مَعرفةِ الحَقِّ وصُولًا وَبُدونَه، حَتى معَ وجُودِ الرسول لم يكنْ حصُولًا (٣).
ثمَّ مِنْ الغِرَيبِ ما وَقعَ في القريب أنه صدر عَني في بعضِ مَجالِسِ درسي وَمجامع أنسِي: أن سَبَّ الصحَابة ليسَ كفرًا (٤) بالدلِيلِ القطعي بَل بالظني، وَإنَّما يقتلُ السَاب للأصحَاب في مَذهَبنا سَياسَة للِدوَاب عَن قلةِ الآدابِ في هَذا البابِ، فتوشوش خاطر بَعض الحاضِرينَ مِنْ الرجَالِ، مِمنْ يشبه الأعوَر الدَّجال، الذِي لم يفرقْ بَينَ الحَقِّ مِنْ الأقوالِ، وبَينَ البَاطلِ الصادرِ عَنْ أهلِ الضلالِ، وَاغتَر بمنْ (٥) قرأ بَعض المقَدمَاتِ الرسميَّةِ مِنْ العلُومِ الغريبةِ الوَهِمية، ولم يُميزْ بَينَ العَقائدِ القَطِعِية وَالفَوائدِ الظنيَّة، حَيْثُ ألتقط عَقيدَته من ألسِنةِ (٦) العَوامِ، أو مِنْ آبائِهِ الذِينَ لم يكونُوا مِنْ العُلمَاءِ الأعلامِ، وَقَدْ قالَ تعَالى في ذمِّ هَؤلاءِ الذِينَ كالأنْعَامِ، قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾
_________
(١) في (د): (سبحانه).
(٢) في (د): (العقبى). وقول القاري هنا أن العذاب مخصوص بالدنيا ذهب إليه بعض أهل العلم، وذهب آخرون إلى أن: «هذا عام في الدنيا والآخرة». القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ١٠/ ٢٣١.
(٣) لا يمكن للعقل أن يدرك مقام العبودية بدون رسالة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد ذكر الآمدي ثلاثة أقوال في طرق العلم: قيل بالعقل فقط والسمع لا يحصل به كقول الرازي، وقيل بالسمع فقط وهو الكتاب والسنة، وقيل بكل منهما ورجح هذا وهو الصحيح». النبوات: ص ١٧٤.
(٤) في كلا النسختين: (كفر).
(٥) في كلا النسختين: (بما).
(٦) في (د): (ألسن).
1 / 23