Dryden (1631-1700) بعد جيل شكسبير، فقال: إن الحكيم لم يشاهد من التمثيل غير مسرح بلاده، ولو أنه شاهد روايتنا لغير ما رآه.
وقد ذكر ميرز اسم شكسبير فريدا بين المؤلفين الذين ضارعوا كتاب الرومان المشهورين في ذلك العصر؛ لأنه أجاد فن المأساة وفن الملهاة وكان وحده ندا لبلوتس وسينكا في هذين الفنين، ولكن ميرز ذكر معه أكثر من ثلاثين مؤلفا تخصص بعضهم للمأساة وبعضهم للملهاة، وجاءت في كتب تاريخ الأدب أسماء ثلاثين - أو نيف وثلاثين - آخرين عاشوا في عصر شكسبير بين سنة 1550 وسنة 1625، ويضاف إليهم المؤلفون المجهولون ممن بقيت رواياتهم ونسيت أسماؤهم وهم لا يقلون عن عشرة على حسب أسماء الروايات، وهذه جمهرة من مؤلفي المسرح لم تجتمع في أمة واحدة وفي حقبة واحدة قبل ذلك العصر ولا بعده إلى هذا العصر ولا بعده إلى هذا العصر الحديث، ولا شك أن المسرحية الجديدة لم تلق هذا الإقبال العميم لأنها جديدة وحسب، وإنما لقيته ووجدت الإقبال عليه من المؤلفين والممثلين والنظارة والرعاة الحماة؛ لأنها تنبئ عن ميلاد جديد في حياة الإنسان، ولأنها ترجمان جيل قد اهتدى إلى روحه ولم يضيعها كما قال جوسون أديب جماعة المتطهرين.
على أن الإقبال العميم كفيل بسعة الانتشار وكثرة المؤلفين ولكنه لا يكفل - حتما - أن يرتفع فن المسرحية إلى ذروته العليا في جميع العصور ومنها العصر الذي نشأت فيه، إنما يكفل هذا عبقرية تعطي العصر فوق ما أخذت منه وتنتمي إلى جميع الأجيال ولا تنتمي إلى فرد جيل أو قبيل، وقد كانت المسرحية الجديدة خليقة أن تبلغ مداها من سعة الانتشار على أيدي أولئك المؤلفين الذين بقيت أسماؤهم أو نسيت في زمانهم، ولكنها كانت بحاجة إلى مؤلف واحد - يفوق زمنه - ليرتفع بها إلى ذروتها العليا عند النظر إلى القمم الإنسانية في تواريخ الآداب، وقد وجدته يوم وجدت شكسبير، ولو كان وجوده اختيارا مدبرا لما كان أوفق منه لهذا الاختيار؛ لأنه أقل الكاتبين يومئذ فائدة في عصره وأكثرهم إفادة لذلك العصر وما تلاه من عصور، ولو كان بلوغ الذروة من الفن ثمرة لا تستفاد في غير إبانها لكان غيره أحجى بها وأسبق إليها، ولكن العبقرية الإنسانية لها هذه العلامة، وهي المزية التي تنتمي إلى جميع الأزمان.
وبدأ اسم شكسبير في الظهور بين أسماء المؤلفين المسرحيين بعد هجرته من قريته بنحو خمس سنوات حوالي سنة 1592، ولعله فكر في التأليف المسرحي قبل هجرته من القرية؛ لأن المثابرة على شهود المسرح سنوات توحي هذه الفكرة إلى ذهن الشاب الموهوب المستعد لهذه الصناعة فهو لا محالة متنبه إلى التمييز بين الرواية الناجحة والرواية المخفقة، وبين المنظر المقبول والمنظر المستهجن أو الضعيف، وبين الموقف المؤثر والموقف الفاتر، ويخطر له - ولا ريب - أن يستبدل موقفا بموقف وأن يحذف بعض الحوار أو يزيد عليه، ولعل تدرجه في التنبه لدقائق هذا الفن كان أسرع وأقوم من تدرج زملائه الذين اشتغلوا به على غير استعداد مطبوع أو رغبة صادقة، وربما خطر له أن يمارس التأليف قبل ممارسة التمثيل لقلة القيود التي تحيط بصناعة القلم أو تغض منها في عصره، إلا أن التدرج السريع لا يجديه في هذه الصناعة ولا يغنيه عن التدرج في علاقته بأصحاب المسارح وحماتها بين العلية وذوي الأخطار من زمرة النبلاء المثقفين، وأقرب إلى المألوف في أمثال هذه الأحوال أن يبدأ المؤلف الناشئ بمساعدة أصحاب المسارح على إصلاح الخلل في الروايات المؤلفة المهجورة، وأن يعرض عليهم بعد ذلك روايات يؤلفها بإشراف الأعلام المشهورين سواء اشتركوا في كتابتها أو عاونوه بالتوجيه والاقتراح، وهذا في اعتقادنا أقرب الفروض إلى تفسير قول القائلين إنه ألف روايته الأولى بمشاركة مارلو أو جونسون أو غيرهما، وإن أسلوبه في بعض تلك الروايات مشوب بالاختلاف والاختلاط من أثر التنقيح أو التبديل الكثير في المواقف والعبارات.
ولم يهتم شكسبير بطبع رواياته في حياته، وإنما كانت تطبع متفرقة لذمة المسارح التي ينزل لها عن حقوقه، فلما نشرت مجموعته الأولى بعد وفاته بسبع سنوات كان فيها ثماني عشرة رواية من ست وثلاثين لم يسبق نشرها ولم يراجعها للنشر في حينها، ولا تزال هذه المجموعة الأولى التي اشتهرت باسم السجل الأول “First foho”
أوثق المراجع لتصحيح الروايات التي تنسب إلى شكسبير، وقد أضيفت إليها في مجموعات تأليفه عدة روايات مشكوك فيها أو مقطوع بنفي نسبتها إلى الشاعر أباح الناشرون الملفقون لأنفسهم أن يستغلوا شهرة الشاعر بعد رواج كتبه فنسبوها إليه، ولم ينخدع بها النقاد والقراء طويلا فسقطت من طبعاته المعتمدة بعد قليل.
وتعزز السجل الأول وثائق من عصره وردت فيها أسماء الروايات من تأليف شكسبير وطابقت أسماء الروايات في السجل كما أثبتها زملاء الشاعر في التمثيل والتأليف مشفوعة بأسماء الممثلين الذين قاموا بأداء أدوارها في حياته وفقا لرغبته واختياره، وأوثق المراجع التي عززت السجل الأول وثائق الرخص المثبتة باسم المؤلف شكسبير لنحو تسع عشرة رواية، وعناوين الروايات الثماني عشر التي ظهرت في طبعات متفرقة، وإحصاء «ميرز» المتقدم ذكره وهو من مطبوعات سنة 1598، وإشارات إلى المؤلفات في أقوال المعاصرين، يتبين منها جميعا أن شكسبير نسبت إليه في زمنه ست وثلاثون مسرحية على ثلاثة أقسام: قسم الملهاة، وقسم التاريخيات، وقسم المأساة، وهذا بيانها مقرونة بأسمائها التي عرفت بها عند صدورها.
فالملهيات تحتوي أربع عشرة هي بترتيبها في السجل الأول أي طبعة المجموعة الأولى: (1) العاصفة
The tempest (2) السيدان من ڨيرونا
The two Gentlemen of Verona (3) زوجات وندسور المرحات
نامعلوم صفحہ