123

تعارف شیکسپیئر

التعريف بشكسبير

اصناف

ففي مصر خرج المسرح العربي بين المعسكرين فحذف بعض المناظر وأبقى ختام الرواية على أصله موافقا للعنوان الذي ارتضاه وهو شهداء الغرام، ولما تغنى الشيخ سلامة حجازي بالشعر في مواقفها الأخيرة كان مستمعوه المعجبون هم جمهرة النظارة على الفطرة، وكان نقاده هم نقلة النقد من المسارح الأوروبية، وكأنهم نسوا أن مواقف الغناء قد غنيت على المسرح الفرنسي بتلحين

Gounod ، وأن الرواية تمثل ملحنة ببعض أجزائها كما تمثل ملحنة بجميع أجزائها من وضع موسيقيين آخرين.

وقيل غير مرة: إن فكاهة فلستاف في روايتي هنري الرابع ورواية زوجات وندسور المرحات إنما تعجب أهل الشمال وتضحكهم، ولكنها لا توافق الجنوبيين من أهل أوروبة ولا من الشرقيين، فجاء ڨردي الإيطالي فاستخرج «شخصية» فلستاف من الروايات الثلاث، وأطلق اسمه على ملحنته فتقبلها أهل الجنوب كما تقبلها أهل الشمال.

هذه الاختلافات في الذوق الصحيح أو المدعى توجد في البلد الواحد وتوجد من باب أولى على تشعب واتساع بين الشرق والغرب وبين الأقطار المتباعدة، وقد تعوق أنواعا من أعمال الفن التي تغلب عليها المسحة المحلية أو العوارض الموقوتة، فتصلح لبلدة ولا تصلح لأخرى وتروق طائفة من الناس ولا تروق غيرها، بل هي قد تروق الطائفة بعينها في وقت ولا تروقها في وقت آخر، أما أعمال الفن التي ترينا الإنسان على حقيقته الباقية فلا سبيل عليها لأمثال تلك الفروق والمفارقات، بل هي ذات رسالة في تاريخ الفكر الإنساني تتحقق بإلغاء تلك الفروق والمفارقات وإدماجها وتعبر الزمن من فوقها ومن ورائها في حياة واحدة باقية، هي حياة الإنسان الخالدة في مرآة العبقرية الخالدة، وهي كما رأينا تؤدي الأمانة الكبرى في طريقها الثابت لا تعتمد على سطوة تحميها ولا تجفل من سطوة تنازعها، وهذه هي أمانة الفكر الإنساني من قديم الزمن سبقت دعوة الداعين وعظات الواعظين، وعرفت الإنسان «إنسانا» واحدا قبل أن يلغط بها رسل الدول وسماسرة السلطان مخلصين وغير مخلصين.

وآخر ما نختتم به هذه الكلمة عن رسالة «الفن العالمي» أن روايات شكسبير تنقل إلى اللغة العربية تامة محققة في عهد استقلال، ولم تنقل على هذا المثال خلال سبعين سنة في عهد حماية أو احتلال.

سطوة الدولة لم تكن لها يد بالأمس في «ترويج» شكسبير بين الفرنسيين والألمان والروس، وسطوة الدولة لم تروجه بين المصريين وهم يعملون بأعينها ولا يفلتون من قبضة يدها.

أخذته الأمة حصة من التراث الإنساني لا تنزل عنها، ولم يفرض عليها ضريبة تدين بها لمن يغلبها ويتحكم فيها.

وتلك آية «الفكر» الإنساني في الآداب العالمية: كل أمة تسأل عن حصتها منه؛ لأنه تراث مدخر لجميع بني الإنسان.

نامعلوم صفحہ