كتب أكثر هنري الثامن، وأن مارلو
Marlowe
كتب أكثر هنري السادس، ويقول أديب مفكر فياض الذهن - هو الشاعر الفيلسوف كولردج - إن فاتحة الروايات على الأقل ليست من قلم شكسبير، ويتناثر القول بمثل هذا عن مناظر من تيمون الأثيني وترويض السليطة والعبرة بالخواتيم وما عداها، وحجتهم في فروضهم أن مواضع الشك كثيرة الخلط والخلل، وأنها ليست على سواء في رسم الشخوص، ولا في تقسيم الفصول، ولا في سوق الحوادث، أو الشعور بلب الحادث الفاجع والحادث الذي لا يعدو أن يكون واقعة أليمة لا معنى فيها للفجيعة، وأن بعض المناظر في الروايات - كمنظر جان دارك في ضراعتها ودفاعها - يهدر القيم الإنسانية التي لم يهدرها شكسبير، وإن كان لا يستهين بما في طوايا الناس من الشر واللؤم والفساد.
وعلى وجاهة الملاحظات التي توجب هذه الفروض عند نخبة من جلة النقاد، يظل أناس من حذاق القراء مترددين في تسليم هذه الشكوك يعللون الملاحظات أو المفارقات بالعلل الطبيعية التي تعرض للعبقرية في أطوار نموها بين عهد البواكير وعهد النضج والاستواء، ولا يصعب عليهم أن ينسبوا تلك المفارقات إلى قلم واحد في فترة واحدة؛ لأن العبقرية لم تسلم قط من تفاوت النتاج في العمل الواحد، ولا من الإسفاف الذي يقابل الارتفاع النادر ويلازمه في آثار العباقرة من أرفع الطبقات.
ومن أذكى هؤلاء القراء الحذاق وليام بليس
Bliss
صاحب كتاب «شكسبير الحق» أو الرد على الشراح، وهو يقول في الفصل الأول منه: إن الشراح لم يتفقوا على سطر يجوز أن ينسب إلى شكسبير ولا على سطر لا يجوز أن ينسب إليه، وإن الشاعر لا يؤلف الجيد من كلامه دون الرديء، وإن رديء الروايات المشكوك فيها أشبه برديء شكسبير منه برديء مارلو، وإن عيوب الموضوع أحيانا تسوق الشاعر إلى عيوب لا فكاك منها ولا حيلة له فيها.
وصفوة آراء هذا القارئ الحاذق في كتاب زاد على ثلاثمائة صفحة أن شكسبير كتب كل قطعة تبناها، وأنه لا ينفرد بما لوحظ عليه من التفاوت في أدوار نموه ولا في دور واحد من حياته، بل يكاد كل مؤلف عظيم أن يخرج منه ثلاثة مؤلفين أو أربعة إذا فصلنا بين أجود ما فيه وأردأ ما فيه وبين وحي التحليق والإلهام من عمله ووحي الهبوط والتكلف المكدود. •••
إلا أن هذه الشكوك التي أجملناها فيما تقدم تنتهي عند الشك في نسبة هذه الرواية أو تلك، ونسبة هذا المنظر أو ذاك، وكلها من ملاحظات طائفة من النقاد تدين «أولا» بوجود عمل لا شك فيه صحيح النسبة إلى شكسبير، وتدين «ثانيا» بعظمة الشاعر وتنزيهه عن العيوب التي يكبرون تلك العظمة أن تنحدر إليها وتنزلق فيها، ويفرقون بين العمل الفج أو المختل الصادر من طبيعة الشاعر والعمل الذي ينافر تلك الطبيعة ولا يلائمها، ومحصول نقدهم أن عبقرية شكسبير حقيقية لا شك فيها، وأنها أكبر وأرفع من الروايات التي ينكرون نسبتها إليه.
ولكن ضربا من الشك غير هذا نجم في القرن التاسع عشر، وقام على أساس مناقض لأساس كل شك من تلك الشكوك التي تنتهي إلى إنكار بعض المناظر أو بعض الروايات.
نامعلوم صفحہ