1
وتحولت عن الشرفة قليلا، فرأت بين يديها ماشطتها جهان، قد سرحت نظرتها إلى بعيد وفي عينيها ظمأ وحنين!
وتذكرت الأميرة موعدا بينها وبين الجارية قد طالت عليه السنون، فأخذتها على الفتاة رقة ومالت عليها تربت كتفها قائلة: ليهنك يا جهان ما بلغ فتاك من المجد والحظوة لدى مولاه، وقد حق له ولك - بما بذل وبما صبرت على الوفاء - أن تقطفا ثمرة هذا الحب، فإذا انقضى هذا الشهر وحان موعد وفاء النيل، فسأشهد ويشهد الملك زفاف جاريته جهان على الأمير ركن الدين بيبرس، وتكون لكما دار على النيل ...
فاغرورقت عينا الفتاة ومالت على يد مولاتها تقبلها وتبللها بالدمع، شاكرة لها ما حبتها وحبت فتاها من النعمة.
ولم تنم الفتاة منذ تلك الليلة إلا على ذكرى، ولم تستيقظ إلا على أمل، وأرقها الرجاء الداني كما كان يؤرقها اليأس البعيد، فباتت تعد الليالي وترقب القمر في سراه، وتستنبئ ماء النيل في مجراه تحت شرفة القصر عن موعد الوفاء. •••
ووفى النيل في ميعاده، ولكن المقادير لم تف للفتاة بما وعدت؛ فقد كان القصر والقلعة والمدينة كلها يوم وفاء النيل في حزن شامل، وقد لبس الجميع البياض حدادا على موت الملك المنصور خليل
2
ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب.
واحتجبت شجرة الدر في مقصورتها، تبكي حتى تشرق بالدمع على وحيدها الذي كانت ترقب له أعظم الآمال !
وبكت حاضنته خاتون ما بكت؛ أسفا على ما كانت تأمل أن تبلغه من الحظوة والسلطان يوم يبلغ الملك الصغير أشده ويجلس على عرش أبيه!
نامعلوم صفحہ