193

شجرة تنمو في بروكلين

شجرة تنمو في بروكلين

اصناف

وكان في المقبرة صندوق خشبي بسيط وبجواره حفرة عميقة، ووضعوا العلبة المغطاة بالقماش بمقابضها اللامعة في الصندوق البسيط، ونظرت فرانسي بعيدا حين أنزلوه في القبر.

وكان يوما عبوسا قمطريرا عصفت فيه ريح باردة، وطافت دوامات صغيرة من الغبار المتجمد حول قدمي فرانسي، وعلى بعد قريب، وفي مقبرة مضى على إقامتها أسبوع، أخذ بعض الرجال ينزعون الزهور الذابلة من إطاراتها المصنوعة من السلك، وكانت قد تكومت على القبر، وكانوا يعملون في نظام، ويحفظون الزهور الذابلة في كوم نظيف، ويكومون إطارات السلك في عناية، وعملهم هذا مشروع؛ لأنهم يشترون الترخيص من موظفي المقبرة ويبيعون إطارات السلك لبائعي الزهور الذين يستخدمونها مرة إثر مرة، ولم يكن أحد يشتكي من ذلك؛ لأن هؤلاء الرجال حريصون أشد الحرص على ألا ينتزعوا الزهور إلا بعد أن تذبل تماما، ودفع شخص في يد فرانسي قطعة من الغبار البارد الرطب، ورأت أمها ونيلي واقفين عند طرف القبر يسقطان فيه الغبار الذي يملأ أيديهما، وسارت فرانسي في تؤدة إلى طرف القبر وأغمضت عينيها وفتحت يديها في بطء، وسمعت دقة خفيفة بعد لحظة فعاد إليها ذلك الشعور بالمرض والإعياء.

وسارت العربات بعد الدفن في اتجاهات مختلفة تحمل كل مشيع إلى بيته، وذهبت روثي نولان مع بعض المشيعين الذين يسكنون بجوارها، ولم تقل كلمة وداع، ورفضت أن تتحدث إلى كاتي والطفلين طول فترة الدفن، وركبت الخالة سيسي وإيفي في العربة مع كاتي وفرانسي ونيلي، ولم تتسع العربة لخمسة أشخاص، فجلست فرانسي على حجر إيفي، وران عليهم الصمت طول الطريق المؤدي إلى البيت، وحاولت الخالة إيفي أن ترفه عنهم بأن تحكي بعض القصص الجديدة عن العم ويلي وجواده، ولكن أحدا لم يبتسم؛ لأنه لم يكن بينهم من ينصت إليها.

وأوقفت الأم العربة أمام حلاق عند المنعطف بالقرب من بيتهم.

وقالت لفرانسي: ادخلي إلى الحلاق وهاتي وعاء أبيك.

ولم تفهم فرانسي ماذا تقصد، فسألتها: أي وعاء؟ - اطلبي وعاءه فحسب.

ودخلت فرانسي إلى الحلاق، ورأت هناك حلاقين اثنين والمحل خاليا من الزبائن، كان أحدهما يجلس في كرسي من الكراسي المصفوفة تجاه الحائط، ويضع كعبه الأيسر على ركبته اليمنى ويحمل ماندولين، يعزف عليه أغنية «أنت يا حبيبي الوحيد»، وعرفت فرانسي الأغنية، فقد علمها لهم السيد مورتون قائلا إن عنوانها هو «الشمس المشرقة»، وكان الحلاق الآخر يجلس في كرسي من كراسي الحلاقة ينظر إلى نفسه في المرآة الطويلة، وترك كرسيه حين دخلت الفتاة.

وسألها: ماذا تريدين؟ - أريد وعاء أبي؟ - ما اسمه؟ - جون نولان. - آه، يا للأسف!

وتنهد وهو يأخذ كأسا من الكئوس المصفوفة فوق الرف، وكانت كأسا بيضاء سميكة كتب عليها «جون نولان» بالذهب بحروف كبيرة جميلة، وكانت في قاعها قطعة من الصابون الأبيض المستهلكة وفرشاة بالية، وأخرج قطعة الصابون والفرشاة، ووضعهما في وعاء أكبر حجما ليس عليه كتابة وغسل وعاء جوني.

ونظرت فرانسي حولها وهي تنتظر؛ ذلك أنها لم تكن قد دخلت قط محل حلاق، وشمت رائحة الصابون والمناشف النظيفة ومشروب الروم، وكان هناك موقد غاز يصدر صفيرا خفيفا مصاحبا للغناء، وأنهى الحلاق الأغنية وبدأها مرة أخرى، وأحدث رنين الماندولين الرفيع صوتا حزينا في المحل الدافئ، وغنت فرانسي بينها وبين نفسها كلمات السيد مورتون مع الأغنية:

نامعلوم صفحہ