المجلد الأول
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله.
الحمد لله الذي ألهمنا رشدنا وصحح مقصدنا وحسن أعمالنا ولطف بضعيفنا وحمل منقطعنا وأرسل ألطافه فاتصلت بنا ووصل نعمه فرفع بها شأننا واشتد بها بأسنا وما شد سندنا فمن وقف ببابه لا يعضل ومن تمسك بسلسلة عزه فهو العزيز الذي لا يجهل ومن تغرب في محبته اشتهر وعن التدليس انفصل ومن تعلق بعنعنة الاعتبار والشواهد مع المتابعات والاندراج تحت القواعد فقد عاذ بالله من المنكر والاضطراب والعلل ومن مقلوب الأعمال إلى الوضع والخلل فنسأله القبول في القول والعمل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغنا الأمل.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا ﷺ خير مبعوث وأجل.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة بدوام الأزل.
وبعد.
فإن علم الحديث من أجل العلوم وقد ذهب فلم يبق منه غير الرشق١ فأفلت شموعه ودرست دروبه وكان من حق كل لبيب وفقيه أن يصرف عمره فيه فهو علم السلف والخلف ومن فضل غيره فقد صدف وأحسن تصنيف فيه وأبدع وأكثر فائدة وأنفع علوم الحديث للشيخ العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح فإنه فتح مغلق كنوزه وحل مشكل رموزه وجعل ذلك في خمسة وستين نوعا النوع الأول معرفة الحديث الصحيح من الحديث والنوع الثاني: معرفة الحسن منه إلى آخره مما ستقف عليها إن شاء الله تعالى وقد ولع به العلماء من زمانه إلى هذا الزمان خصوصا أهل هذا الشأن.
_________
١ صوت القلم إذا كتب به. كما في "اللسان" و"المعجم الوسيط".
1 / 63
فمنهم من اختصره ومنهم من اعترض عليه ومنهم من نظمه وكلا بسابقة فضله يعترف ومن بحر علمه يغترف وكنت قديما قرأته على شيخنا الحافظ علاء الدين مغلطاي وأجازني به وكذا لك أجازني به الحافظ شيخنا صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي في رحلتي الأولى إلى الشام بالقدس الشريف وكذلك أجازني به شيخنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن خليل المكي القرشي بالقاهرة قالا أخبرنا بجميعه محمد بن يوسف بن المهتار الدمشقي قال: أنا به مؤلفه قراءة عليه في الخامسة من عمري والمؤلف هو الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى ابن أبي نصر النصري الشهرزوري الشرخاني بفتح الشين المثلثة والراء والخاء المعجمة وبعد الألف نون والنصري نسبة إلى جده أبي نصر بفتح النون وسكون الصاد المهملة وبعد راء مولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة بشرخان قرية من أعمال إربل قريبة من شهرزور وتوفي صبح نهار الأربعاء وصلي عليه بعد الظهر من النهار المذكور وهو الخامس والعشرون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة ودفن بمقابر الصوفية بدمشق المحروسة رحمه الله تعالى.
ثم إني نظرت فوجدت أحسن شيء عليه كلام الحافظ زين الدين العراقي أمتعنا الله تعالى به نظمه ألفية وشرحها في مجلدة وله عليه نكت في مجلدة لطيفة١ ذكر فيها اعتراضات وأجوبة عن المصنف ورد على من اعترض عليه فلخصت من كلامه وكلام غيره لنفسي جملة جمة وأمورا مهمة٢ وضممت
_________
١ المراد كتاب العراقي: "التقيد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب الصلاح" منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية "٣٦ - مصطلح حديث" ويشار إليه أيضا: "بالنكت علي ابن صلاح" للعراقي "راجع: فتح الباري ٥/٨٧، وهو مطبوع متداول باسم: التقييد والإيضاح شرح "كذا" مقدمة ابن الصلاح" والله المستعان.
٢ وهذا يخالف صنيع ابن حجر في "النكت علي ابن الصلاح" فالمصنف - الأبناسي ﵀ لخص كلام العراقي واستوعبه وضم إليه فوائد من عنده بينما ابن حجر علي العراقي وتعقبه في أشياء من كلامه راجع "النكت علي ابن الصلاح" لابن حجر "١/١٣٣ - ١٧١" من دراسة الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله.
1 / 64
إلى ذلك فوائد حديثية ومهمات فقهية فأذكر أولا كلام المصنف بنصه من أول النوع أو المسألة إلى آخر كلامه غالبا ثم أقول في آخره انتهى ثم أردف ذلك بكلام الحافظ زين الدين١ أو كلام غيره إن وجد أو ما يسره الله تعالى من فضله وأستوفي كلام المؤلف نوعا نوعا كما رتبه ولا أغادر شيئا من أنواعه ولا من غالب كلام الحافظ زين الدين بل استوعب ما في الكتب الثلاثة٢ من غير تكرار مع ما أضمه إلى ذلك من كلام غيرهما وأسأل الله العظيم أن يجعله خالصا لوجهه وسميته: "الشذى الفياح من علوم ابن الصلاح" نفع الله به كاتبه وقارئه وكل من نظر فيه والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
_________
١ يعني: العراقي ﵀.
٢ يعني كتاب ابن الصلح، و"التقيد" و"شرح اللفية" كلاهما للعراقي.
1 / 65
النوع الأول: من أنواع علوم الحديث معرفة الصيحيح من الحديث
...
النوع الأول من أنواع علوم الحديث معرفة الصحيح من الحديث
أعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف.
أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح.
وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى١.
فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل ومتى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد وليس من الأخبار التي "أجتمعت٢" الأمة على تلقيها بالقبول وكذلك إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الأمر إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر وإنما المراد به إنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور انتهى.
_________
١ في ع: "تبارك وتعالي".
٢ في ش، ع: "أجمعت".
1 / 66
اعترض عليه بأمور
الأول: أنه قدم الدعاء لغيره على الدعاء لنفسه ففي الترمذي يرفعه إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه فكان ينبغي له أن يقول علمنا الله وإياك.
وجوابه: أن الذي في الترمذي إنما هو من فعله لا من قوله خرج ذلك من حديث أبي بن كعب: "كان صلي الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه" ثم قال: حسن غريب صحيح.
ولفظ أبي داود "كان صلي الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه" وقال: رحمة الله علينا وعلى موسى وإذا لم يكن من قوله فهو مقيد بما إذا ذكر نبيا من الأنبياء فيبدأ بنفسه ففي مسلم من حديث أبي في قصة موسى مع الخضر وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا رحمة الله علينا الحديث وقد دعا صلي الله عليه وسلم لبعض الأنبياء ولم يذكر نفسه معه لقوله صلي الله عليه وسلم "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" متفق١ عليه من حديث أبي هريرة وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود "يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وقد دعا صلي الله عليه وسلم لغير الأنبياء ولم يذكر نفسه ففي البخاري في قصة زمزم عن ابن عباس يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو لم تغترف من الماء لكانت زمزم عينا معينا وفي البخاري من حديث عائشة ﵂ أنه صلي الله عليه وسلم سمع عبادة بن بسر يقرأ سورة بالليل فقال "يرحمه الله" وفيه من حديث سلمة بن الأكوع "من السائق" قالوا عامر قال: "يرحمه الله".
الثاني: أنه قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف وأكثر المحدثين يسقط الحسن.
وجوابه: أنه ذكره بعد ذلك فقال من أهل الحديث من يجعل الحسن مندرجا في الصحيح لكونه يحتج به مع أن الخطابي قسمه إلى الثلاثة ونقله عن أهل
_________
١ بياض في خط وكتب الناسخ فوقه "صح" كأنه يشير إلي عدم ورود هذا اللفظة في الأصل الذي نسخ منه مع تفطنه لذالك.
1 / 67
الحديث ثم إن ذكر الحسن موجود في كلام الشافعي والبخاري وغيرهما
الثالث: أن قوله في حد الصحيح هو المسند الذي يتصل إسناده إلى آخر كلامه يرد عليه المرسل فإن من يقبله لا يشترط إسناده.
وجوابه: في قوله بعد ذلك وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لكذا وكذا كما في المرسل.
الرابع: ما أورده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الاقتراح أن سلامته من الشذوذ والعلة إنما شرطه المحدثون قال: وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من علل المحدثين لا تجري على أصول الفقهاء وشرط الحد أن يكون جامعا مانعا.
وجوابه أن قول المصنف عند أهل الحديث يخرج نظر الفقهاء.
الخامس: قوله بلا خلاف أي إذا وجدت فيه هذه الشروط عند المحدثين فيندفع بالمحدثين اعتراض من أورد شرط العدد كالشهادة كما حكاه الحازمي عن بعض متأخري المعتزلة وأشار إليه البيهقي في رسالته إلى الشيخ أبي محمد الجويني قال: له فيها رأيت في الفصول التي أملاها الشيخ حرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط في قبول الأخبار أن يروى عدلان عن عدلين مثنى مثنى حتى يتصل برسول الله ﷺ، كالمنكر لذلك.
السادس: اعترض بعضهم على قوله وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث إلى أخره وقال فيه نظر من حيث أن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ والمنقطع صحيح.
ورد بأن كلامه إنما هو في أوصاف القبول لا في الشاذ ونحوه وأيضا فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكون التابعي أرسله بل لو أرسله أتباع التابعين احتج به وهو عنده صحيح وأن كان معضلا ومن يحتج بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد وقوله: إن أحدا لم يذكر أن الشاذ صحيح مردود بقول أبي يعلى الخليلي في الإرشاد: "إن الشاذ ينقسم إلى: صحيح ومردود"
1 / 68
قال:
فوائد مهمة
أحدها ١: الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه كما سبق ذكره ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني٢ الصحة عليها وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصى إحصاؤها على العاد الحاصر ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم. فروينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال: أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه.
وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل.
وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: أصح الأسانيد محمد بن سيرين عن عبيدة٣ عن علي وروينا نحوه عن علي بن المديني وروي ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين٤ الراوي عن محمد وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله ابن عون.
وفيما نرويه عن يحيى بن معين أنه قال: أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله
وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة أنه٥ قال: أصح الأسانيد كلها الزهري عن
_________
١ في ش: "إحداها"
٢ هكذا في خط، وش، وفي ع: "تبتني".
٣ في حاشية خط: "عبيدة - بفتح العين - بن عمرو السلماني - بفتح السين وإسكان اللام وكتب عليها الناسخ "صح".
٤ هكذا في خط، وع، وفي ش: "غير" براء مهملة في آخره معحمة في أوله، كذا - خطأ.
٥ سقطت من ع، وهي في خط وش.
1 / 69
علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر.
وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي ﵃ أجمعين انتهى.
ولك أن تقول: وأجل من روى عن الشافعي أحمد بن حنبل باتفاقهم فيكون أجل الأسانيد أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن بن عمر وقد وقع ذلك في حديث أصله مفرق في البخاري من حديث مالك.
حدث به عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي أحمد ﵀ قال: حدثنا محمد بن إدريس قال: أنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: "لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا".
واعترض على المصنف بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة إلى الأمصار أو إلى الأشخاص فلا يبقى خلاف.
وجوابه: أن الحاكم لم يقيده بذلك بل ولو قيده بالأشخاص كان الخلاف موجودا أيضا فيقال في أصح أسانيد علي فقيل كذا وقيل كذا وعبارة الحاكم لا تقطع الحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد بل يقول أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة.
وأصح أسانيد الصديق ﵁ إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر.
وأصح أسانيد عمر: الزهري عن سالم عن أبيه عن جده.
وأصح أسانيد أبي هريرة: الزهري عن سيعد بن المسيب عنه.
وأصح أسانيد ابن عمر: مالك عن نافع عن ابن عمر.
1 / 70
وأصح أسانيد عائشة عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن القاسم عنها
قال ابن معين هذه ترجمة مشبكة بالذهب.
وأصح أسانيد ابن مسعود سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه.
وأصح أسانيد أنس بن مالك مالك عن الزهري عنه
وأصح أسانيد المكيين سفيان.
بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر.
وأصح أسانيد اليمنيين معمر عن همام عن أبي هريرة.
وأثبت أسانيد المصريين الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة ابن عامر.
وأثبت أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة.
وأثبت أسانيد الخراسانيين الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
قال الثانية إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدارك الصحيح بمجرد اعبتار الأسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد١ في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله٢ شرفا آمين انتهى٣.
_________
١ هكذا في خط، وفي ش وع: "وتجد"بمثناة فوقية.
٢ هكذا في خط وش، وفي ع: "الله تعالي".
٣ بعد أن فرغ ابن الصلاح ﵀ من بيان حد الصحيح، والشروط الواجبة فيه، ناسب أن يخص هذه الشروط بعصور الرواية....==
1 / 71
_________
= فنبه ﵀ أن الاعتماد بعد عصر الرواة على الكتب لا الرواة ومن ثم كان الاعتماد بعد عصر الرواية على الكتب المعتمد المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف كما نبه ﵀ على أن المقصود بالأسانيد التي تتداول خارج هذه الكتب المعتمدة إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة. ومن ثم نبه على تعذر جزم الحكم بصحة ما لم نجده في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة والاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد في هذه الأعصار التالية لعصر الرواية قال: لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان.
فبطل الاعتماد على الرواة في هذه الأعصار وتعذرت شرائط الصحيح في هذه الأسانيد فلم يبق إلى الاعتماد على الكتب فكان لزاما الاعتماد على الكتب المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف.
وهذا حق لا مرية فيه فقد صارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب وتساهل الناس في شرائط الرواية إذ صار الاعتماد على الكتب لا الرواة.
قال الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر ﵀ في الباعث ١: ٣٢١ – ٢٣٣ ط دار العاصمة الشروط السابقة في عدالة الراوي إنما تراعى بالدقة في المتقدمين وأما المتأخرون بعد سنة ثلاثمائة تقريبا فيكفي أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بفسق أو بما يخل بمروءته وأن يكون سماعه ثابتا بخط ثقة غير متهم وبرواية من أصل صحيح موافق شيخه لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة وصارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب فقط.
قال الحافظ البيهقي: توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث١فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل نه ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه: أن يصير الحديث مسلسلا بحديثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا ﷺ =
_________
قال السخاوي في فتح المغيب ٢/١٠٨ ونقله عنه في حاشية الباعث وقد سبق البيهقي إلى قوله شيخه الحاكم ونحوه عن السلفي وهو الذي استقر عليه العمل بل حصل التوسع فيه أيضا إلى ما وراء هذا....................
1 / 72
.......................................
_________
= وقال الذهبي في الميزان: ليس العمدة في زماننا على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين ثم من المعلوم أنه لا بد من الراوي وستره.
فالعبرة في رواية المتأخرين على الكتب والأصول الصحيحة التي اشتهرت بنسبتها مؤلفيها بل تواتر بعضها إليهم وهذا شيء واضح لا يحتاج إلى بيان انتهى كلام أبي الأشبال ﵀.
وقال الأعظمي في منهج النقد ص ٧ – ١ بتصرف ينقسم تطبيق المصطلح ثلاثة أدوار رئيسية ولكل سيماه.
فالدور الأول خاص بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن أهم ميزات هذا الدور هو تعديل كافة الصحابة وقبول أحاديثهم حتى المرسلة بدون نكير.
أما الدور الثاني فيبدأ بالتابعين وينتهي إلى منتصف القرن الرابع تقريبا وهذا الدور هو من أهم الأدوار بالنسبة لقوانين المصطلح وتطبيقها وكان من خصائص هذا الدور التنفير الشديد عن عدالة الرواة وضبطهم وإتقانهم. ويعتبر هذا الدور أشد الأدوار قسوة وصرامة في تطبيق قوانين المصطلح.
أما الدور الثالث فيبدأ من منتصف القرن الرابع بقريبا وبدأ فيه التساهل في تلقي العلم والتهاون في تطبيق المصطلح وحصل التغيير في شروط قبول الرواية وفي التعديل والتجريح وانتفت الصرامة والقسوة اللتين كانتا ظاهرتين في الدور الثاني.
وأهم الأسباب التي دعت إلى هذا التنازل هو جمع وتدوين وتصنيف الأحاديث النبوية في الكتب المعروفة بحيث أصبح الناس يتناقلون على وجه العموم كتبا مؤلفة بكاملها.
فم يبق للناس مجال في جمع شتات المواد من هنا وهناك وقد يكون هذا هو السبب الأساسي في تخفيف قسوة الشروط بالنسبة للرواة ومروياتهم وعلى هذا ما كان شاذا أصبح قاعدة فيما بعد ذلك.
لا شك أن البخاري ﵀ استدل بقصة محمود بن الربيع أنه عقل مجة مجها رسول الله ﷺ على أساس أنه يمكن أن يعي العلم ولد عمره خمس سنوات لكنه يصعب علينا الحصول على أمثلة من هذا النوع في الدور الثاني بل رأينا أن الطلبة كانوا يبدأون بالدراسة في حدود الخامسة عشرة من أعمارهم لكنه في الدور الثالث تطورت الأمور.
قال النووي: ونقل القاضي عياض ﵀ إن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع بخمس سنين...............................=
1 / 73
...................................
_________
= وقال ابن الصلاح وعلى هذا استقر بين أهل الحديث فيكتبون لابن خمس فصاعدا "سمع" وإن لم يبلغ خمسا حضر أو أحضر.
وأين هذا من تشدد المتقدمين؟
قال نعيم سمعت ابن عيينة يقول: لقد أتى هشام بن حسان عظيما بروايته عن الحسن قيل لنعيم: لم؟ قال لأنه كان صغيرا.
وكما تساهل المحدثون في تحمل العلم وسنه تنازلوا عن الشروط التي يجب اجتماعها فيمن يوصف بأنه ثقة.
قال الخطيب البغدادي عن أبي بكر بن خلاد المتوفي سنة ٣٥٦ هـ إنه ما كان يعرف شيئا من العلم غير أن سماعه صحيح.
قال الألباني: ومع ذلك فقد وثقه أبو نعيم وكذا ابن أبي الفوارس وقال: لم يكن يعرف من الحديث شيئا ثم ذكر الألباني بأن الذهبي علق عليه في سير أعلام النبلاء ١٠/١٦٠/ ١ -٢ بقوله: فمن هذا الوقت بل وقبله صار الحفاظ يطلقون هذه اللفظة "ثقة" على الشيخ الذي سماعه صحيح بقراءة متقن وإثبات عدل.
وترخصوا في تسميته بالثقة وإنما الثقة في عرف أئمة النقد كانت تقع على العدل في نفسه المتقن لما حمله الضابط لما نقل وله فهم ومعرفة بالفن فتوسع المتأخرون.
هذه بعض الملامح العامة للأدوار الثلاثة في مجال تطبيق قواعد المصطلح وشروط الرواة والرواية انتهى كلام الأعظمي حفظه الله.
وقد شرح هذا التدرج المرحلي غير واحد والمقصود بيان ما وقع في المرحلة التي تلت مرحلة الرواية من تساهل والاعتماد في هذه المرحلة المتأخرة على الكتب بدلا من الاعتماد على الرواة في المرحلة السابقة عليها.
فلما آل الأمر إلى الاعتماد على الكتب بنه ابن الصلاح رحمه الله تعالى على ضرورة الاعتماد على المشهور من هذه الكتب على أكثر من أصل لتحصل الثقة بما اتفقت عليه هذه الأصول الصحيحة.
قال ابن الصلاح ﵀ في الفائدة الثامنة ص ١٧٣ ط بنت الشاطئ إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذي مذهب..........................=
1 / 74
..............................
_________
= أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول.
وقال أيضا في صفة من تقبل روايته ص ٣٠٧ المسألة الرابعة عشرة أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه٣ فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم ووجه ذلك ما قدمناه في أول كتابنا هذا من كون المقصود آل آخرا إلى المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها٣ فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده وليكتف في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه.
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي٣ رحمه الله تعالى فإنه ذكر فيما رويناه عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها قال: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه.
ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره
_________
= ١ومن ثم تعذر في هذه الأعصار المتأخرة الاستقلال بجزم الحكم بصحة حديث ما اعتمادا على مجرد اعتبار هذه الأسانيد المتأخرة الواردة في أجزاء الحديث وما يشبهها من الكتب التي وضعها المتأخرون بخلاف المصنفات المعتمدة المشهورة فالثقة بها حاصلة.
٢وقد أفلح الاستعمار الغربي الكافر في قطع سلسلة النسب الكثير من الناس ولم يفلح في قطع هذه السلسلة فالحمد لله رب العالمين.
٣فلم يكن ابن الصلاح ﵀ إذا بدعا فيما ذهب إليه.
1 / 75
........................................
_________
= والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا محمد ﷺ.
وقال ابن الصلاح أيضا في معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله ص ٣١٢ – ٣١٣ قال أبو عبد الله الزبيري يستحب كتب الحديث في العشرين..........
وقال ابن الصلاح في كلامه على الوجادة ص ٣٦٠: هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل بذلك.
وحكى عن الشافعي وطائفة من نظار أصحاب جواز العمل به.
قال المملي "أي ابن الصلاح" أبقاه الله قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول انتهى.
فهذا كله صريح في بيان مراد ابن الصلاح من كلامه في النوع الأول وأنه إنما أراد تعذر الاستقلال بجزم الحكم بصحة الأسانيد في هذه الأعصار المتأخرة اعتمادا على مجرد اعتبار الأسانيد ويبعد أن تنفرد هذه الأجزاء والمشيخات بأسانيد صحيحة لم ترد في دواوين الإسلام المعتمدة كالصحيحين وغيرهما.
قال ابن عبد الهادي ﵀ في الصارم المنكى ص ١٥٣ وليس في الأحاديث التي رويت بلفظ "زيارة قبره" حديث صحيح عند أهل المعرفة ولم يخرج أرباب الصحيح شيئا من ذلك ولا أرباب السنن المعتمدة كسنن أبي داود والنسائي والترمذي والشافعي ونحو ذلك شيء من ذلك ولا احتج إمام من أئمة المسلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم بحديث ذكر "زيارة قبره" فكيف يكون في ذلك أحاديث صحيحة ولم يعرفها أحد من أئمة الدين ولا علماء الحديث؟..... اهـ.
وراجع إن شئت المعرفة للحاكم ص ٦٠ النوع التاسع عشر والكفاية للخطيب ص ٣٥ -٣٦، ٢٢٤ ط دار التراث العربي والموضوعات لابن الجوزي ١/٩٩ وشرح العلل لابن رجب =
1 / 76
.........................................
_________
= ٢/٢٦٤ ط همام سعيد.
وراجع أيضا قول ابن الأخرم عند ابن الصلاح ص ١٦٢ مع قول النووي في التقريب ١/٩٩ مع التدريب والتعليق عليهما عند ابن حجر في النكت ١/٢٩٨، ٣١٩.
هذا ولم يحسن التعقب على ابن الصلاح ﵀ والتشنيع عليه بحجة أنه يمنع من التصحيح ويدعو إلى إغلاق هذا الباب لأن ذلك لم يرد في كلامه أصلا كيف وهو يقول: إذا وجدنا..حديثا صحيح الإسناد لا نتجاسر على جزم الحكم ... فلا شك أن ذلك يحتاج إلى نظر وبصر بالتصحيح.
ومثل ذلك قوله في الفائدة الأولى ص ١٥٢ ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق.
وقوله في نوع الحسن ص ١٨٠ وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث.
وقوله في نوع الشاذ ص ٣٤٣ إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فينظر في هذا الراوي.........استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف ... رددنا ما انفرد به ...
وقوله في معرفة زيادات الثقات ص ٢٥٠ وذلك فن لطيف تستحسن العناية به.
وقوله في الحديث المعلل ص ٢٥٩ ... وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب..... ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي بمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول.....بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوفق فيه.
وقوله في معرفة المضطرب ص ٢٦٩ وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايات أما إذا ترجحت إحداهما.............إلخ.
وقوله في معرفة الموضوع ص ٢٧٩...........ولا تحل روايته إلا مقرونا ببيان وضعه ...
وقوله في معرفة المقلوب ص ٢٨٧ وإنما تقول: قال رسول الله ﷺ فيما ظهر لك صحتخ بطريقه الذي أوضحناه أولا.
فكل ذلك يدل على إعمال القواعد والبحث والتفتيش في الأسانيد والحكم عليها بما تستحق حسب القواعد وهذا خلاف ما فهمه النووي وغيره من كلام ابن الصلاح =
1 / 77
..........................................
_________
وقد صحح ابن الصلاح وحسن في كلامه على الوسيط للغزالي٣.
والغريب أن النووي والعراقي وابن حجر قد وقفوا على كلامه هذا فنقل منه العراقي في مواضع منها:
في تخريج الإحياء للغزالي٣ ١/٢٠١، ٢١٦، ٢٢٥ ط الإيمان بالمنصور ونقل منه ابن حجر في مواضع لا تحصى من كتابه تلخيص الحبير منها ١/٤٧، ٦٣، ٦٨، ٦٩، ٨٤، ٩٠، ١٢٧، ١٤٣، ط ابن تيمية.
وقد صحح ابن الصلاح ﵀ وحسن في كلامه هذا وذكر ابن حجر متابعة النووي لابن الصلاح ﵏ على بعض أحكامه فكيف فاتهم ذلك؟ ففهموا أن ابن الصلاح يمنع من التصحيح والتحسين؟.
ولابن الصلاح رحمه الله تعالى يتكلم فيها على الأحاديث وقفت على الجزء الثالث منها٣.
ومن نظر فيه رأى نفس عالم محدث يسرد الحديث وما يشهد له مع الكلام عليه.
بل لماذا ألف ابن الصلاح ﵀ مقدمته في علوم الحديث ووصف كتابه هذا بكونه أباح بأسراره يعني علم الحديث الخفية وكشف عن مشكلاته الأبية وأحكم معاقده وقواعده وأنار معالمه وبين أحكامه وفصل أقسامه وأوضح أصوله وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص شوارده وفرائده.
وذكر أن الله ﷿ من بهذا الكتاب حين كاد الباحث عن مشكله لا يلقي له كاشفا والسائل عن علمه لا يلقي به عارفا كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه ص ١٤٦.
فلماذا ألفه إذا كان لا يرى جواز التصحيح في هذه الأعصار؟ جواز ذلك لما ألف للناس كتابا يعلمهم سبيل التصحيح والتحسين والحكم على الأحاديث بما تستحق.
ثم رأيت أبا الحارث علي بن حسن الحلبي حفظه الله يقول: كلام ابن الصلاح يفهم منه التعسير لا مطلق المنع كما في حاشية الباعث ١/١١٢ ط دار العاصمة ولم يذكر دليله على ذلك.
هذا وقد استشكل قول ابن الصلاح ﵀ فآل الأمر في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد..................................=
_________
١وهو مطبوع وعليه تعليقات ابن الصلاح رحمه الله تعالى.
١وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا في موضع لاحق من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى والله أعلم.
٢مصور عن النسخة الخطية المحفوظة بالمكتبة الأزهرية حديث ٣٧٤٩ وعنها صورة بمعهد المخطوطات بالقاهرة.
1 / 78
......................................
_________
=على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي نؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف.
فقال ابن حجر في النكت ١/٢٧٠ فيه نظر لأنه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصا على صحته ورد ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين............الخ.
وقال أيضا ١/٢٧١ كلامه يعني ابن الصلاح يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المعتمدة المشهورة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم فليفد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره اهـ.
وحمله الدكتور الملباري حفظه الله في كتابه تصحيح الحديث ص ٢٦ على أن معناه معرفة صحة أو حسن أحاديث الأجزاء ونحوها وليس مطلق الأحاديث.
ثم عاد فقال ص ٢٩ على أن الأمر إذا لم يكن كما سابقا فلا يخلو قوله: فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف من تناقض صريح كما بينه الحافظ ابن حجر....إلخ اهـ.
والظاهر أن مراد ابن الصلاح من قوله: فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن ... إلخ مطلق الأحاديث.
ويكون قوله: إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم بمعنى ما ذكره أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة لا ما نصوا على صحته أو حسنه ويؤيده أنه عطف على كلامه هذا قوله وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء سلسلة الإسناد.........إلخ فالمراد معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن المصنفات المعتمدة ويحتمل أن يعود الضمير إلى أبعد مذكور وهو قوله: إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث وهذا يحتاج إلى قرينة ومع ذلك لا يستقيم عود الضمير على قوله ما نص عليه أئمة الحديث إلا بالمعنى المذكور هنا من تفسير النص هنا بمعنى ذكر الأسانيد في مصنفاتهم لا بمعنى النص على الصحة أو الحسن إذ لم يقل أحد بان ما ورد في الكتب المعتمدة كالسنن وغيرها مما لم ينص على صحته إنما يتداول من أجل إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذا الأمة.
ويؤيد ذلك أيضا عدوله يعنى ابن الصلاح عن التعبير بالنص على الصحة واقتصاره على مجرد =
1 / 79
اعترض بعضهم بقول النووي في كتابه التقريب الأظهر عندي جواز ذلك لمن تمكن وقويت معرفته وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من
_________
= النص على هذه الأسانيد.
ويؤيد قوله في الفائدة السابعة ص ١٦٩ وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره وقوله في الفائدة الثامنة ص ١٧٣ إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة.
وقوله في كلامه جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به من الوجادة ص ٣٦ قطع بعض المحققين من أصحابه يعنى الشافعي في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول اهـ.
وعلى هذا التأويل المذكور هنا يزول التعارض الظاهري بين أجزاء كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى وهذا التأويل يحتاج إلى تدبر فلا تبادر بالإنكار رعاك الله.
وتبقى بعض أشياء لعلي أذكرها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله وقدره بمنه وكرمه ﷾.
وراجع المخالفين لابن الصلاح ﵀ النكت لابن حجر ﵀ ١/٢٦٦ – ٢٧٣ ط دار الراية وإرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد للصنعاني ﵀ ص ٤٥ – ٤٩ مقدمة المحقق ص ٧٣ – ٧ ط الدار السلفية بالكويت تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد وراجع لتوجيه رأي ابن الصلاح ﵀ رسالة تصحيح الحديث عند الإمام ابن الصلاح دراسة نقدية للدكتور حمزة بن عبد الله المليباري حفظه الله.
وللسيوطي ﵀ رسالة بعنوان التنقيح لمسألة التصحيح لإنزال مخطوطة يسر الله نشرها بفضله وكرمه........آمين.
وقد حاول السيوطي ﵀ الجمع في رسالته هذه بين رأي ابن الصلاح ورأي غيره بتأويل غيريب ليس هذا محله والله أعلم وهو حسبي والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 / 80
المتأخرين أحاديث لم نجد فيها تصحيحا لمن تقدمهم١.
فمن المعاصرين للمصنف أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان قاضي سجلماسة من الغرب٢ مات بها سنة ثمان وعشرين وستمائة صحح في كتابه بيان الوهم والإيهام عدة أحاديث.
منها حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله ﷺ يفعل.
أخرجه أبو بكر البزار في مسنده قال: ابن القطان حديث صحيح.
ومنها حديث أنس كان أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة.
رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن القطان.
وقال وهو كما ترى صحيح.
وممن صحح من المعاصرين له أيضا الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي فجمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة فصحح فيه أحاديث لم سيبق إلى تصحيحها وتوفي في السنة التي مات فيها المصنف سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
قال الحافظ ابن كثير: "وهذا الكتاب إعني المختارة لم يتم وكان بعض الحفاظ من مشايخنا يرجحه على مستدرك الحاكم".
وصحح بعده أيضا الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري حديثا في جزء له جمع فيه ما ورد فيه "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وتوفي الزكي سنة ست وخمسين وستمائة.
ثم صححت الطبقة التي تلي هذه أيضا فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي حديث جابر مرفوعا "ماء زمزم لما شرب له" في جزء جمعه في ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر عن
_________
١ ومن هؤلاء الذين صححوا وحسنوا الإمام ابن الصلاح ﵀، فلا اعتراض عليه إذا؛ والله أعلم.
٢ هكذا في خط، وفي ع: "المغرب".
1 / 81
جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقي في شعب الإيمان وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه وضعفه النووي وغيره من هذا الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر.
ثم صححت الطبقة التي تلي هذه وهم شيوخنا فصحح الشيخ تقي الدين السبكي ﵀ حديث ابن عمر في الزيارة في تصنيفه المشهور.
ولك أن تقول وليس من تجاسر على التصحيح وصحح يكون حجة على المؤلف إذ لا يلزم أن يكون ما صححه هؤلاء المتأخرون صحيحا عند المتقدمين.
قال الثالثة: أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري من أنفسهم ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه يشاركه في أكثر شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بع كتاب الله العزيز وأما ما رويناه عن الشافعي ﵁ من أنه قال: ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ١ فإنما قال: ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد.
واما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال: ما تحت أديم السماء كتابا أصح من كتاب مسلم بن الحجاج فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح٢
_________
١ في حاشية خط: "قد روي عنه: ما علي الأرض بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك
٢ فيه نظر، فقد روي مسلم في الشواهد عم جماعة ليسوا علي شرط الصحيح وهذا مقرر قي مقدمة صحيح مسلم ﵀ من كلام مسلم نفسه إلا أن يقال: إن الشواهد ليست من شرط الصحيح ويجاب عنه بأن تراجم البخاري وما يقع فيها ليست من شرطه أيضا والله أعلم. وراجع: التقييد للعراقي ﵀.
1 / 82