فالتفت كافور إلى ابن الفرات، وقال: ما رأيك في هذا الشعر؟ - هذا شعر لا يسمعه سامع إلا اعتقد أن مولانا بخيل على شعرائه وقصاده، وأن شاعره في غاية الجرأة عليه، والاستهانة بمكانته. - إنه رجل قليل الأدب. - ثم إني أعتقد يا مولانا أن هذا الرجل يلبس بيننا غير ثوبه، وأنه جاسوس أرسله إلينا ابن حمدان؛ ليطلع على أسرار دولتنا، وينقل إليه مواطن الضعف فيها، وابن حمدان لا ينسى هزيمتكم له في دمشق، وهو - وقد أكل قلبه الحقد - يريد أن يثأر لنفسه، وان يمهد لجيشه سبيلا لفتح مصر. - ذلك أبعد إليه من نجوم السماء. - من غير شك، ولكن ما معنى أن يدعي هذا الشاعر أنه غاضب سيف الدولة، وناصبه العداء، وفر من حلب تحت أستار الليل، ثم لا يكاد ينشد قصيدة أمام مولانا إلا وفيها حنين لسيف الدولة، وأسف على فراقه. إن هذا في رأيي بدوات طفرت من الشاعر بعد أن بالغ في كتمانها فظهرت على الرغم منه في فلتات لسانه. ففي أول قصيدة أنشدها أمام مولانا ترك مصر وصاحبها، واتجه بتشوقه وهيامه إلى حلب وصاحبها. ثم جرى بعد ذلك في شعره على هذا النسق فهو يقول:
فراق ومن فارقت غير مذمم
وأم ومن يممت خير ميمم
رحلت فكم باك بأجفان شادن
علي وكم باك بأجفان ضيغم
وما ربة القرط المليح مكانه
بأجزع من رب الحسام المصمم
فلو كان ما بي من حبيب مقنع
عذرت، ولكن من حبيب معمم
رمى واتقى رميي، ومن دون ما اتقى
نامعلوم صفحہ