أقلقت هجعة الضحى صيحات أطفال عفاريت، فانتبهت متبرما ضجرا، ولم أستطع أن أعود إلى الرقاد فتركت الفراش يائسا، ونظرت من النافذة المفتوحة، فلم أجد أطفالا أقلقوني، ولكنها العصافير!
وهبطت إلى الحديقة أتغنى بنشيد الشكر لرب النهار الصحو والسماء الزرقاء.
ومن حيث أصغيت سمعت فرق الغناء الطائرة طليقة المناقير، ترسل موسيقاها مبتكرة سخية بغير انقطاع.
عصفور الجنة في غرابة أطواره يغرد إلى ناحية البئر، والشحرور يصفر على جنى البرتقال، والصفير الذهبي يزقو ويتوثب من خضراء إلى خضراء، والزمير الأزرق يسترسل من ضحكة إلى ضحكة بين غصن وغصن من شجرة الكافور، ولا تزال الزرازير في حوار على ذؤابة الصنوبرة الفرعاء.
ياله من صباح: شمسه الساطعة تنثر الذهب والفضة على الغبراء، وألوف من الفراش في حلل الزخارف والألوان تتطاير في كل مكان، تجول بين الأزهار مرة من المنزل، ومرة إليه فوق الجدول الثرار، وحيثما أدرت البصر رأيت جوانب الريف تنبض متفتحة لحياة وافرة وعيش طريف.
لكأننا نعيش في خلية كبيرة من الضياء، لعلها قلب وردة أرجوانية هائلة، تنفح بأريج الحياة.
الخبز
قلت لك، يا بلاتيرو، إن بلدتنا مقرة روحها الخمرة.
أتراني قلت لك ذلك؟ كلا. إن زوجها لهو الخبز، فضي في الباطن كاللباب الطري، وذهبي في الظاهر كالقشر الناعم.
عند الظهيرة - ووهج الشمس على أحره وأحماه - تدخن القرية، وتفوح بمزيج من روائح خشب الصنوبر والخبز الساخن، وتفتح القرية كلها فاها، كأنها فم واحد كبير يلتهم رغيفا واحدا مثله في الكبر.
نامعلوم صفحہ