كتابة البحث العلمي صياغة جديدة
كتابة البحث العلمي صياغة جديدة
ناشر
دار الشروق للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
السادسة طبعة منقحة ١٤١٦هـ
اشاعت کا سال
١٩٩٦م
اصناف
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمات:
مقدمة الطبعة الرابعة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد مضت عشر سنوات على ظهور كتاب "كتابة البحث العلمي، ومصادر الدراسات الإسلامية" في طبعات ثلاث، وبفضل الله وتوفيقه لاقى إقبالًا طيبًا في الأوساط العلمية الجامعية.
لم يفتقد الكتاب منذ ظهوره النقد البَنَّاء، والمقترحات الوجهية المفيدة، مشافهة، وكتابة، وعلى صفحات الصحف، بعبارات صادقة، ونوايا مخلصة.
ولئن تقلدت بتقريظاتها شرفًا، فقد استوجبت جهدًا وعملًا، تعجز إمكاناتي وقدراتي المحدودة عن الاضطلاع بهما.
ومضيتُ مستعينًا بالله في تحقيق تلك الآمال والمقترحات، وكان ثمرتها الأولى ظهور القسم الأول "كتابة البحث العلمي صياغة جديدة" عام ١٤٠٨هـ مستقلًّا عن المصادر، يواكب في دراسته آخر مستجدات مناهج كتابة البحث وتقنياتها.
1 / 5
وللتمكن من تطوير قسم المصادر وتحديثه تم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام مستقلة:
الأول: مصادر الدراسات القرآنية، والسنة النبوية، والعقيدة الإسلامية.
الثاني: مصادر الدراسات الفقهية.
الثالث: مصادر الدراسات العربية والتاريخية.
أما ترتيبها في كل قسم وتحت كل عنوان فهو بحسب وفاة المؤلفين، الأقدم فالذي يليه، وهكذا.
وقد شمل التطوير في هذه الأقسام إضافات لبعض المصادر في كل قسم من تلك الأقسام بنسب متفاوتة، بالإضافة إلى تدوين معلومات النشر في عمومها، وما لم تُستوفَ له معلومات النشر لم يكن نقصها سهوًا؛ وإنما هو المتوافر منها مطبوعًا في النسخة التي بين يدي.
ومن ما هو معلوم بداهة وضرورة أن قائمة مصادر كل علم بحاجة إلى إضافات وإضافات، وإلى متابعة علمية مستمرة، وسيكون هذا ممكنًا -بإذن الله- بعد استقلال كل مجموعة من المصادر بمطبوعة مستقلة، كما هو التقسم الحالي.
كما سيكون لهذا التقسيم دور في تخفيض التكاليف، وإخراج كل قسم في حجم معقول، وإعطاء الدراس فرصة الاختيار بينها بما يتفق ومجال تخصصه.
ومن أجل أن يكون كل قسم من أقسام المصادر الثلاثة مستقلًّا عن الآخر اقتضى هذا وضع القسم الأول "كتابة البحث العلمي" والقسم الثاني "مدونات المصادر الإسلامية العامة" في بداية كل منها، ثم وضع قائمة المصادر المتخصصة في
نهاياتها جميعًا.
1 / 6
وأود التنويه بأن التوثيق بالهامش في القسم الأول "كتابة البحث العلمي" جرى على البدء باللقب، أو اسم الشهرة -كما هو المتبع في البحوث العلمية- في حين جرى البدء بالاسم، ثم اللقب في التوثيق في قسم المصادر؛ ليتم التوافق بينه وبين العرض للمصادر في صلب الكتاب.
واللهَ أسألُ أن يجعله عملًا خالصًا لوجهه الكريم؛ إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
العزيزية - مكة المكرمة
الاثنين ٢٧/ ١/ ١٤١٠هـ
الموافق ٢٨/ ٢/ ١٩٨٩م
المؤلف
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
قسم الدراسات العليا الشرعية
جامعة أم القرى - مكة المكرمة
1 / 7
كلمة شكر:
أسهم في إخراج هذا الكتاب وتقويم مادته العلمية واستكمالها عددٌ من الأساتذة الأكاديميين، ذوي الكفاءة العلمية العالية، وعددٌ من الإخوة الأدباء والمثقفين بما قدموه من نقد بَنَّاء، واقتراحات مفيدة على صفحات الدوريات المتخصصة، والصحف اليومية، أو عبر مراسلات شخصية، وهذا -لا شك- يدل على إحساس علمي رفيع، وتقدير للمسئولية التعليمية حق قدرها، وقد أفاد المؤلف من تلك المقترحات الشيء الكثير، فإخراج هذا القسم "كتابة البحث العلمي" منفصلًا عن مصادر الدراسات الإسلامية، والإضافات الجديدة، وإعادة صياغة بعض الموضوعات -تجاوبٌ صادق لتلك المقترحات والنقد البناء.
والمجال لا يتسع هنا لذكر أسمائهم جميعًا، غير أني أخص بالذكر: المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور إسماعيل الفاروقي ﵀ مؤسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، وأستاذ علم الأديان بجامعة تمبل في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
والأستاذ الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي أستاذ علم النحو والقراءات بقسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى، فقد حظي هذا العمل منه بالرعاية منذ البداية.
وقد أفاد كل من الإخوة الأستاذ الدكتور عباس صالح طاشكندي أمين المجلس العلمي سابقًا بجامعة الملك عبد العزيز.
1 / 9
والدكتور هشام عبد الله العباس عميد شئون المكتبات سابقًا بجامعة الملك عبد العزيز بالكثير من خبراتهما في تطوير القسم الأول من الكتاب.
كما أن للدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد أستاذ السياسة الشرعية بجامعة أم القرى الفضل في تطوير قسم مصادر السياسة الشرعية.
ولا أنسى في هذا الصدد الإخوة طلاب الدراسات العليا بجامعة أم القرى الذين تجاوبوا مخلصين مع مادة "قاعة البحث"، فأفدت أثناء تدريسهم من ملاحظاتهم القيمة، واستدراكاتهم الدقيقة.
فللجميع مني أصدق الشكر، وأخلص التقدير.
المؤلف
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
مكة المكرمة
1 / 10
المحتويات:
الموضوع الصفحة
مقدمة الطبعة الرابعة ٥
كلمة شكر ٩
مقدمة الكتاب ١٩
القسم الأول: كتاب البحث العلمي صياغة جديدة
الفصل الأول: مباديء في البحث العلمي
البحث العلمي ٢٥
مدلوله - خصائصه
البحوث الجامعية ٣١
أقسامها - أنواعها
1 / 11
الباحث ٣٧
الإشراف العلمي ٤٠
جدول خطوات كتابة البحث ٤٤
اختيار موضوع البحث ٤٧
عنوان البحث ٥٣
خطة البحث ٥٥
عناصر الخطة ٥٨
الطريقة العلمية للبحث ٦٤
خطوات البحث العلمي ٦٧
مصادر البحث ٧٠
وسائل التعرف على المصادر ٧٤
القائمة الأولية للمصادر ٧٨
بطاقة التعريف بالمصادر ٧٩
نماذج تسجيل المعلومات عن المصادر ببطاقة التعريف ٨٢
الفصل الثاني: الإعداد
تدوين المعلومات ١٠٧
كيفية التعرف على أهمية الكتاب ١١٠
أهمية تدوين الأفكار العارضة ١١٠
طرق نقل المعلومات من المصادر ١١٢
تنظيم البطاقات ١١٦
اختيار المادة العلمية ١١٨
اقتباس النصوص ١٢١
1 / 12
الهوامش ١٢٤
أهميتها - وظائفها
طرق التهميش ومكانه من البحث ١٢٧
توثيق المعلومات ١٣١
١- التوثيق الكامل بالهامش ١٣٣
٢- التوثيق المختصر المباشر ١٥٣
نماذج كيفية توثيق المعلومات من المصادر حسب الطريقة المختصرة ١٥٧
٣- التوثيق بالأرقام ١٦٧
تدوين المصادر لدى تَكْرَار ذكرها ١٧٠
قواعد عامة لتوثيق المعلومات، والاقتباس ١٧٣
العلامات الإملائية ١٧٨
الفصل الثالث: الكتابة
كتابة البحث ١٨٧
كتابة مُسَوَّدَةِ البحث ١٩١
مقدمة البحث ١٩٦
خاتمة البحث ١٩٨
مراجعة البحث ٢٠٠
تنظيم قائمة المصادر "بيبلوجرافي" ٢٠٣
مقارنة بين تدوين المعلومات عن المصادر بالهامش، وتدوينها في قائمة المصادر البيبلوجرافية" ٢٠٧
1 / 13
الفصل الرابع: البحث في شكله الأخير
أولًا: تعليمات الطبع ٢١٣
تقديم ٢١٣
الطباعة ٢١٤
أرقام الصفحات ٢١٥
التصحيح والتعديلات ٢١٦
العناوين الرئيسة ٢١٧
العناوين الجانبية ٢١٧
الهوامش الجانبية ٢١٨
الفقرات الجديدة ٢١٩
الإحالات ٢١٩
الجداول والبيانات التوضيحية ٢١٩
العلامات الإملائية ٢٢٠
الورق ٢٢٠
التجليد ٢٢٠
ثانيًا: ترتيب الرسالة ٢٢٢
تقديم ٢٢٣
١- صفحة العنوان ٢٢٤
٢- صفحة البسملة ٢٢٥
٣- مستخلص الرسالة ٢٢٥
٤- تقديم أو "شكر، واعتراف" ٢٢٦
٥- قائمة محتويات البحث "الفهرسة" ٢٢٧
٦ المصطلحات والرموز ٢٢٧
1 / 14
٧- نصوص الرسالة ومباحثها ٢٢٨
٨- ملحقات البحث ٢٣١
٩- قائمة المصادر "البيبلوجرافية" ٢٣١
١٠- نظرة أخيرة على البحث ٢٣٢
١١- مناقشة الرسالة، ومعايير تقويمها ٢٣٢
1 / 15
مقدمة الكتاب:
الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن هذا الكتاب يقدم تصورًا مختارًا لكتابة البحث العلمي ومنهج السير فيه، مقتبسًا مادته العلمية من كتب عديدة تمثل خبرات جامعية متقدمة في مؤسسات علمية متطورة، يردفها معايشة طويلة مع طلاب الدراسات العليا والبحث العلمي، فلا عجب أن يضم هذا الكتاب بن دفتيه النظريات ولخبرات المتقدمة في مجال البحث العلمي، متوخيًا في هذه المادة حاجة الطالب في هذه المرحلة.
حمل هذا الكتاب في طبعتيه السابقتين عام ١٤٠٠هـ، وعام ١٤٠٣هـ عنوان "كتابة البحث العلمي" ممثلًا للقسم الأول من "كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية".
توالت المقترحات بفصل هذا القسم عن القسم الآخر "مصادر الدراسات الإسلامية"، واقتضت التجربة التعليمية مع طلاب الدراسات العليا إضافة موضوعات جديدة تمس الحاجة إليها، وأعيدت صياغة الكثير منها، كما أعيد ترتيب الموضوعات وتنظيمها.
1 / 19
في ضوء هذه التغييرات والتطوير الجذري للكتاب مع رغبة الاحتفاظ بالعنوان القديم الذي اشْتُهر به في الوسط العلمي رأيت أن يصبح عنوانه: "كتابة البحث العلمي صياغة جديدة"؛ فقد عرض الكتاب فيما عرض من موضوعات جديدة إلى تحديد مفهوم "البحث العلمي" بصورة دقيقة وعنوان مستقل؛ لترسيخ معناه الصحيح لدى طلاب الدراسات العليا، كما تحدث بنفس الطريقة عن "الموضوعية" و"المنهجية" و"الباحث" و"الإشراف العلمي"؛ ليخدم المدرس والطالب سويًّا نحو الاتجاه السليم في هذه المرحلة الدراسية العالية.
كما شرح الخطوات المقترحة للسير في البحث في موضوع مستقل بعنوان: "الطريقة العلمية للبحث".
ومن الموضوعات الجديدة التي ضمها هذه الكتاب عَرْضُ طرق أخرى من التوثيق غير ما ألفناه ودرجت عليه الجامعات في الشرق، وهو ما أسميته بـ"التوثيق المباشر المختصر"، وإن كانت التسمية باللغة الإنجليزية هي: "Parenthetical Documentation"، وهي طريقة جديدة من التوثيق تحتوي على ثلاثة أنواع، فرأيت من الأفضل ألا أغفل عرض هذا وشرحه في هذا الكتاب؛ حيث يتحقق من خلاله التوثيق العلمي المطلوب، بالإضافة إلى توفير الوقت والجُهْد للباحث.
دخل الحاسب الآلي "الكومبيوتر" عالمنا الجديد، وأضحى وسيلة متقدمة، تسجل على أشرطتها ألوان المعرفة الإنسانية قديمها وحديثها، فأصبح مصدرًا من المصادر التي تزود الباحثين بالمعلومات، فتعرض هذا الكتاب في صياغته الجديدة إلى توضيح كيفية توثيق المعلومات المقتبسة منه.
وأخيرًا وليس أخيرًا، فقد قدم الفصل الرابع من هذا الكتاب معلومات تفصيلية لتعليمات طبع البحث، وما ينبغي أن يكون عليه في
1 / 20
شكله الأخير.
ومن الإضافات المهمة فيه "مناقشة الرسالة العلمية ومعايير تقويمها".
ولا أريد أن أعدد هنا ما استجد أو جدد في مادة هذا الكتاب تفصيلًا؛ فقد أريد له أن يكون جديدًا موضوعًا، ومنهجًا في هذا المجال، وعسى أن يكون قد تحقق له.
وإني أسأل المولى الكريم أن يكون محققًا للأهداف المتوخاة منه، مساعدًا للباحثين في تصحيح مسارهم؛ حتى تخرج الأبحاث والدراسات في مستوى العصر شكلًا ومضمونًا. والله من وراء القصد، وهو نعم المولى، ونعم النصير.
أ. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان
مكة المكرمة - جامعة أم القرى
٧/ ٨/ ١٤٠٦ الموافق ١٦ إبريل ١٩٨٦م
1 / 21
الفصل الأول: مبادئ في البحث العلمي
البحث العلمي مدلوله وخصائصه
...
الفصل الأول: مبادئ في البحث العلمي
البحث العلمي مدلوله - خصائصه:
البحث: كلمة لها مدلول لغوي عام تعني: طلب الشيء، وإثارته، وفحصه.
هذه المعاني كلها مجتمعة تشير بالفعل إلى طبيعة البحث العلمي؛ إذ هو طلب لمجهول، يستدعي إثارة كل ما يمكن أن يمد الباحث بمعلومات مفيدة في مجال البحث، والتنقيب عنه، ثم فحص ما تجمع من تلك المعلومات لطرح ما ليس ذا صلة بالبحث المطلوب وإبعاده، ثم دراسة وتحليل ما تبقى مما له به صلة مباشرة، أو يساعد على دراسة جانب من جوانبه.
ويُعرِّف العلماء المتخصصون البحث بأنه: عملية علمية تُجمع لها الحقائق والدراسات، وتُستوفى فيها العناصر المادية والمعنوية حول موضوع معين دقيق في مجال التخصص، لفحصها وفق مناهج علمية مقررة، يكون للباحث منها موقف معين؛ ليتوصل من كل ذلك إلى نتائج جديدة.
هذه النتائج هي ثمرة البحث، والغاية التي ينشدها الباحث من وراء العملية العلمية الفكرية، سواء كانت نظرية أو تجريبية، وهي ما يعبر عنها علميًّا بـ"الإضافة الجديدة" المطلوبة في البحوث العلمية العالية.
وهذا شيء مهم جدًّا؛ بل هو عنصر أساسي في البحث؛ ليتطابق الاسم مع المسمى، والعنوان مع المضمون.
1 / 25
والإضافة الجديدة في البحوث تتخذ صورًا شتى؛ فقد تكون أفكارًا جديدة في المجال العلمي، كما تكون حلًّا لمشكلة علمية، أو بيانًا لغموض علمي، إلى غير ذلك من الأغراض المطلوبة مما يتفق ومدلول كلمة "البحث العلمي"١.
فحينما يحقق العمل العلمي واحدًا من هذه الأغراض تتحقق أساسياته، ويتجلى فيه معناه الحقيقي بأوضح صورة، ويصدق عليه حينئذ أنه إضافة جديدة للمعرفة.
وفي المقابل، فإن كثيرًا من الأعمال العلمية التي تختلف بطبيعتها عن "البحث العلمي" لا يمكن أن يطلق عليها هذا العنوان؛ من ذلك:
المؤلفات التقريرية التي لا تتجاوز إعادة الصياغة والتقسيمات.
ما كان جمعًا لمعلومات ووصفًا لها فقط.
الكتاب الدراسي مهما بلغت جودته، أو أهميته في مجال التدريس، فليست هذه من قبيل البحث العلمي٢؛ لأنها تقرر حقائق معلومة، وقضايا مسلمة في مجال التخصص، وجمع المعلومات في البحث العلمي هو جزء منه؛ ولكنه ليس هو كل البحث أو الجزء الأهم فيه. كما لا يعد من البحث أنواع الدراسات الآتية:
جمع المعلومات التاريخية وحدها لا يسهم بجديد إلى المعرفة، إذا لم يكن ثمة تحليل لها، أو فحص للأفكار التي تضمنتها.
وصف حالة من الحالات، أو قضية من القضايا إذا لم يكن توضيحًا لنظرية، أو أفكار جديدة.
_________
١ انظر ص ٥٨، ٥٩ أهمية البحث من هذا الكتاب.
٢ يجب ألا يشتبه هذا ببعض الأبحاث العلمية التي نالت قسطًا كبيرًا من التقدير، فاستحسنت الهيئات العلمية أن يكون مقررًا دراسيًّا، أو مرجعًا علميًّا للطلاب والباحثين، فإن إعطاءها هذه الصفة لا يغير من حقيقتها، ولا يطعن في أصالتها.
1 / 26
تطوير مشروع علمي يعتمد على معلومات معروفة في مجال التخصص لا يعد في نطاق البحوث العلمية الأصيلة؛ إلا في حالات مقارنة النتائج والدراسات.
تطوير طريقة معينة، أو نظام معين، ووضعه موضع التنفيذ في مجال من المجالات الاجتماعية، أو التجارية، أو الحكومية، أو الجامعية، ربما يكون نشاطًا مبتكرًا؛ ولكن لا ينطبق عليه مفهوم البحث.
ربما يضع الدارس برنامج كمبيوتر لعمل إحصائية تحليلية، قد يكون هذا مشروعًا جيدًا ومفيدًا؛ ولكن لا يمثل بحثًا يستحق به درجة علمية جامعية، ليس لشيء؛ ولكن لأنه يمثل تطوير مشروع لا يضيف للعلم جديدًا١.
ومن باب أَوْلَى ألا تعد المقالات الطويلة أبحاثًا، وبخاصة إذا كانت تقدم معلومات مسلمة، فللبحث العلمي طبيعته وخصائصه.
الحجم في البحث العلمي طولًا أو قصرًا ليس معيارًا من المعايير التي تقاس بها الأبحاث، أو يحكم عليها من خلاله؛ ولكنه المضمون، والخصائص، والجوانب الفنية التي تصاغ في ضوئها، وحسب قوانينها.
أما خصائص البحث العلمي، فأهمها:
أولًا: الموضوعية: ويقصد منها الباحثون جانبين مهمين؛ هما:
أ- حصر الدراسة، وتكثيف الجُهْد في إطار موضوع البحث، بعيدًا عن الاستطراد، والخروج عن موضوع البحث إلى نقاط جانبية هامشية، مما يسبب تشتيت أفكار القارئ، وهو
_________
١ انظر:
Davis، Gordon B. and clyde A. parker، writing the Doctoral Dissertation new York: Baron's educational series Inc، ١٩٧٩. p ٤٧-٤٨.
1 / 27
من قبل هذا جُهْد يأتي على حساب الموضوع الرئيس، فيؤثر على مستواه، في حين أن المفروض الاحتفاظ للبحث بكل مجهود ومساحة على صفحاته.
ب- تجرد الأفكار والأحكام من النزعات الشخصية، وعدم التحيز مسبقًا لأفكار، أو أشخاص معينين، فالهدف الأول والأخير من البحث هو التوصل إلى الحقيقة كما هي، مؤيدة بالأدلة والشواهد، بعيدة عن المؤثرات الشخصية والخارجية، التي من شأنها أن تغير الموازين.
".... وليست أهمية العلوم وعظمتها في الحقائق التي كشفت عنها، بقدر ما هي كامنة في الطريقة، وفي الروح العلمية التي تبحث بها الحقائق"١.
ثانيًا: المنهجية: نسبة إلى المنهج؛ وهو طريقة تنظيم المعلومات؛ بحيث يكون عرضها عرضًا منطقيًّا سليمًا، متدرجًا بالقارئ من السهل إلى الصعب، ومن المعلوم إلى المجهول، منتقلًا من المسلمات إلى الخلافيات، متوخيًا في كل ذلك انسجام الأفكار وترابطها. جاء تعريفه بأنه: "فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين"٢.
_________
١ سلطان، حنان عيسى، وغانم سعيد شريف العبيدي. أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى "الرياض: دار العلوم للطباعة والنشر ١٤٠٤هـ-١٩٨٤م" ص٧٣.
٢ خضر، عبد الفتاح، أزمة البحث العلمي في العالم العربي "الرياض: معهد الإدارة، عام ١٤٠١هـ-١٩٨١م"، ص١٢.
1 / 28
" ... إن المهم بالدرجة الأولى من هذا التدريب العلمي فحص خبرة الكاتب، وقدرته الفنية التي يبرزها، والتي تظهر من خلال استعماله للمعلومات في موضعها الصحيح"١.
ولئن كانت هذه هي أهم خصائص البحث العلمي ومكوناته، فهناك أمور أخرى مهمة تدل بنفسها على أصالة البحث، وجودته، والتزامه المنهج العلمي الصحيح.
" ... فالبحث العلمي يُعرف من العنوان الذي يجمع بين الجدة والدقة والتبويب، وما بين الفصول والفقر من ترابط وتجانس وتناسب، والهوامش، وما هي عليه من إيجاز في الدلالة على المصادر، ثم ما يصحب كل ذلك من فهارس، وقائمة تامة للمعلومات عن المصادر والمراجع....
وإذا كانت هذه الأمور أدخل بالجانب الشكلي من البحث، فإن قراءة فقرة هنا وهناك بن المقدمة والخاتمة تؤيد علمية البحث، إذا وقع القارئ على حسن الرأي، وجودة المناقشة، وشخصية الكاتب، وسيطرته على المادة، وإعرابه عن كل ذلك في لغة سليمة، جميلة، بعيدة عن التطويل والثرثرة، وكلما زاد في القراءة ازداد قربًا من المؤلف...."٢.
_________
١ بيكفورد، ول ج. ول. و. سمث. الدليل إلى كتابة البحوث الجامعية ورسائل الماجستير والدكتوراه، الطبعة الثانية، عرَّبه بتصرف عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، "جُدة: تهامة، عام ١٤٠٤هـ-١٩٨٣م" ص٩٩.
٢ الطاهر. علي جواد. منهج البحث الأساسي الأدبي. الطبعة الثالثة. "بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام ١٩٧٩م" ص٣٠.
1 / 29
والبحث العلمي يُقوَّم بمقدار جدواه العلمية والاجتماعية، وبقدر ظهور شخصية الباحث المتمثلة في أصالة أفكاره، المبنية على أساس من تفهم المادة العلمية، ومنهجيته في عرضها، ومناقشتها بأسلوب علمي هادئ متجرد، والتزام الجوانب الفنية المطلوبة للبحث.
"فالشيء الأساسي -والذي ينبغي أن نحفظه دائمًا في عقولنا- هو أن الدراسة والبحث ليست مجرد تجميع البيانات والمعلومات والحقائق ...؛ ولكن تفسير الباحث لهذه الحقائق، وبيان معانيها، ووضعها في إطار منطقي مفيد هو الذي يميز التفكير العلمي عن سواه، فالبحث يتطلب الفكر.... ومن هنا كان التفكير الذي يتضمنه البحث هو ما يسمى بالتفكير العلمي النقدي "Critical Thinking"١.
_________
١ بدر، أحمد، أصول البحث العلمي ومناهجه، الطبعة الرابعة "الكويت: وكالة المطبوعات، عام ١٩٧٨م" ص٥١.
1 / 30
البحوث الجامعية أقسامها وأنواعها
...
البحوث الجامعية أقسامها أنواعها:
البحوث الجامعية أقسام وأنواع حسب المستوى والتخصص.
أما من حيث المستوى فهي على قسمين:
أ- بحوث على مستوى المرحلة الجامعية الأولى "البكالوريوس".
ب- بحوث على مستوى درجتي الماجستير والدكتوراه.
وليس من الصعب التمييز بين هذين القسمين.
البحث على مستوى المرحلة الجامعية الأولى "البكالوريوس":
تقتضي طبيعة البحث على هذا المستوى تجميع المادة العلمية من مصادرها الأصلية والثانوية، وإعادة صياغتها في أسلوب علمي واضح، وبطريقة منهجية منظمة، ليس من الضروري في مثل هذه البحوث أن يدون الطالب آراءه الخاصة، أو انطباعاته الشخصية حول الفكرة الأساسية، لأن المقصود من هذا في هذه المرحلة هو تدريب الطالب على منهجية البحث، وممارسة المصادر، والقدرة على اختيار المادة العلمية المطلوبة والمناسبة، ثم تنظيمها، والتوفيق بينها، وصياغتها في أسلوبه الخاص، وأمثال هذه البحوث في حقيقتها لا تعدو أن تكون تقارير علمية.
البحث على مستوى الماجستير والدكتوراه:
محور الدراسة في مثل هذه البحوث موضوع معين، ذو إطار محدود، يجمع له الباحث ما أمكن من: دراسات، وأفكار، وبيانات، ومعلومات،
1 / 31