156

فرد الميجور وهو يفتش في ذاكرته: «الخطوتان؟» - إنها حانة في ناصية الشارع. وصدق أو لا تصدق: كان مرسوما على واجهتها رجل وامرأة، كل منهما على أحد جانبي الباب. كانت المرأة تقول - وأنا لا أزال أذكر الكلمات - «تعال، ارقص في حانة «الخطوتان».» أما الرجل فقد كان يحمل زجاجة في يده ويقول: «كلا شكرا، إني أفضل رقصة الزجاجة!»

ومضى القطار في طريقه ببطء. كانت ثمة رقعة صغيرة من نور الفجر تطفو على البحر الأزرق. وبالتدريج، من وسط الظلمة، بدأت تظهر أكواخ القش في القرى، والجبال القصية، وسفن البضاعة الصغيرة البائسة؛ ومقار الثكنات كعلب ثقاب مليئة بجداجد ترتدي الملابس العسكرية.

الفصل الأربعون

دجاجة عمياء

- «ولقد مضت ساعات كثيرة على رحيله».

في يوم الرحيل، يبدأ الشخص الآخر يحسب كل ساعة إلى أن يمر ما يكفي كي يقول: لقد مضت أيام كثيرة على رحيله! ولكن بعد أسبوعين ينقضي حساب الأيام ويصبح الأمر: لقد مضت أسابيع كثيرة على رحيله! ثم شهر كامل. ثم ينقضي حساب الشهور. ثم عام كامل. ثم ينقضي حساب السنين ...

كانت كميلة تنتظر ظهور ساعي البريد عند إحدى نوافذ غرفة الاستقبال، وهي تختبئ وراء الستائر بحيث لا يراها أحد من الطريق؛ كانت حبلى وتخيط ثياب المولود.

وأعلن ساعي البريد عن مقدمه بالدق كالمجنون على جميع الأبواب الخارجية. ودقة فدقة، وصل إلى مستوى النافذة التي تقف وراءها كميلة. وتركت كميلة ما تخيط لتنصت وتنظر، وقلبها يكاد يقفز من صدرها من فرط الاضطراب والسرور. «أخيرا سأتسلم الخطاب الذي أشتاق إليه! «حبيبتي كميلة» بالخط العريض ...».

ولكن ساعي البريد لم يدق بابها. ربما كان السبب هو ... ربما فيما بعد ... وتناولت ما تخيط ثانية وهي تهمهم أغنية تطرد بها أفكارها الحزينة.

وعاد ساعي البريد مرة أخرى في الأصيل. وكان من المستحيل عليها أن تخيط غرزة واحدة في الزمن الذي استغرقته في الانتقال من النافذة إلى الباب. ووقفت تنتظر دقته، مقرورة، لاهثة الأنفاس، غارقة في دموعها؛ وحين أدركت أخيرا أن صمت المنزل لم تقطعه أي دقة على الباب، أغلقت عينيها في هلع، وأخذت تنتفض بالبكاء والقيء المفاجئ والنهدات. لماذا لا أخرج إلى عتبة المنزل؟ ربما ... يكون ساعي البريد قد نسي - إنه رجل لطيف - وسيحضر الخطاب غدا كأنما لم يحدث شيء.

نامعلوم صفحہ