فقال زوجال: «إن المهدي ابن عمي، ولا يمكنني أن أنكر أن قرابته لي تجعلني أميل إليه، ولكني مع ذلك قد قمت في الماضي بجميع واجباتي، وأؤمل أن أقوم بها أيضا في المستقبل.»
فقلت: «لقد قمت بواجباتك على وجه العموم، ولكنك على اتصال مع المهدي، فلم تنكر ذلك عني؟»
فأجابني زوجال بسرعة: «إني غير متصل به مباشرة، ولكن التجار الذين يفدون علينا من كردوفان ينقلون إلي رسائل شفوية منه، وقد أقسمت لحملة هذه الرسائل ألا أخبرك، وهذا هو السبب في كتماني أمر هذه الرسائل، ولكني أؤكد لك أنه ليس فيها سوى أخبار عن كردوفان، وأنه لم يحاول أن يجعلني أنضوي إلى لوائه.»
فقلت له: «ليكن الأمر كما قلت، فإني لا أطلب منك أن تبرر نفسك، ولكن أخبرني ماذا سمعت عن تلك التجريدة التي تهيئها الحكومة لاسترجاع كردوفان.»
فقال: «سمعت أن جيشا عظيما وصل إلى الخرطوم، وأنهم سيحاولون به فتح كردوفان.»
فقلت له: «لن يحاولوا ذلك فقط بل هم سينجحون في فتح كردوفان، وأنت يا زوجال رجل تفهم وتعرف أني إذا اضطررت بالظروف فإنه يمكنني أن أمنع أذاك، ولكني لا أظن أنه من الحكمة أن أفعل ذلك الآن، دع عنك أنه مما يؤلمني أن أتخذ إجراءات ضدك؛ فقد خدمت الحكومة بولاء مدة طويلة، كما أنك صادقتني مدة طويلة؛ ولذلك فأنا مستغن عنك الآن ويمكنك أن تذهب إلى كردوفان، فإن الحركات الدينية يكون لها لمعة ورونق على بعد فيعطف عليها الإنسان، ولكن عند الاحتكاك بها تظهر حقيقتها فتذهب عنها جاذبيتها وتزول منها روعتها، وسأكلفك بحمل رسائل إلى الخرطوم سرا، وسيكون مضمون هذه الرسائل شرح المهمة التي أرسلك في شأنها، وبما أن التجريدة ستشرع في السفر إلى كردوفان في الشهر الآتي، فأنا أطلب منك أن تجهد جهدك في منع المهدي من إرسال تجريدة إلى دارفور أو تحريض الناس على الثورة، فإذا فعلت ذلك فإن الفائدة تعود عليك وعليه، وإذا نجحت التجريدة فأنا أتحمل كل التبعات التي تقع عليك فليس هناك ما تخشاه، ولكن إذا نجح المهدي - لا قدر الله - فهناك يقطع ما بيننا وبين الحكومة فلا يمكن تخليصنا، والمرجح وقتئذ أننا نخضع للمهدي، وفي هذه الحالة يتسلم البلاد وهي في حال حسنة، ولكي أضمن ولاءك وقيامك بهذه المهمة خير قيام، سأحتفظ بزوجاتك وأولادك هنا في القلعة، وسيحسب المهدي حسابا لهذا العمل ولا يعرض أهلك للخطر.»
فقال زوجال: «سأنفذ تعليماتك وأثبت لك إخلاصي، وهل تريد أن تكتب خطابا للمهدي؟»
فقلت: «كلا لا أريد أن يكون بيني وبينه أية معاملة، وأنا عارف تماما بأنك ستتلو عليه حديثنا هذا، وابن عمك رجل ماكر وسيستغل ذهابك إليه بقدر إمكانه ولكن ما دمت تفي بوعدك لي فإني أعنى كل العناية بأسرتك، ومع أننا قد استغنينا عنك اسميا، فإننا سنستمر على دفع مرتبك بالكامل، أما إذا لم تف بوعدك فإن ضماننا لا يستمر، وأود منك أن تشرع في السفر بأسرع ما يمكنك ويكفيك ثلاثة أيام تستعد فيها.»
فقال زوجال: «إني أوثر البقاء مع أهلي، ولكن بما أنك تريد مني تأدية هذه المهمة كي تمتحن إخلاصي، فأنا أقوم بها وملء قلبي الحزن.»
ثم أرسلت في طلب فرج أفندي وواد عاصي والقاضي، وأخبرتهم بحضور زوجال بالمهمة التي كلفته بها، فبدا عليهم شيء كثير من الانفعال والدهشة وطلبوا من زوجال أن يقسم يمينا بالولاء، فأقسم بالقرآن وبالطلاق بأن يلزم الاتفاق الذي بيننا.
نامعلوم صفحہ