تلوار اور آگ سوڈان میں

سلاطين باشا d. 1351 AH
177

تلوار اور آگ سوڈان میں

السيف والنار في السودان

اصناف

كانت مشراع الرق ميناء بحر الغزال منذ ظهر حكم المصريين في السودان، وقد اعتادت البواخر الصاعدة من الخرطوم اجتياز تلك الميناء في فترات دورية كل عام، ولكنها في بعض الأحيان كانت تتعطل في طريقها لما يعترضها من الأعشاب العائمة، التي كانت بين آن وآخر تسد طريق النيل الأعلى. عند الناحية الجنوبية من فاشودة مباشرة يخرج النيل من بقعة يظن أنها كانت مقر بحيرة قديمة، تعترض ذلك السير الفسيح البطيء مجار مختلفة لجداول وأنهار، وفي كثير من الأحايين تقف السدود في طريق السير السريع، فكان المسافرون في كثير من الأحيان مضطرين إلى قطع هذه السدود العشبية بالسيوف والفئوس. ومما يذكر في هذا الصدد أن بعثة السر صموئيل بيكر تأخرت عاما كاملا عن إنهاء مهمتها بسبب اعتراض تلك السدود (البعثة المذكورة استغرقت ما يقرب من أربعة أعوام من 1870 إلى 1874).

بالاطلاع على ما تقدم، نجد مركز بحر الغزال من الوجهتين الجغرافية والحربية - مع مقارنته بمراكز باقي أقاليم السودان - عظيم الأهمية؛ وإذن فوجود أية قوة أجنبية في السودان لا تنظر لغير مصالحها الشخصية ونزعاتها الاستعمارية، أو بمعنى آخر لا يهمها بقاء المصالح المصرية في السودان؛ سيجعل بقاءها (القوة الأجنبية) في مركز ممتاز يعرض مصر للخطر، بل أذهب إلى أكثر من ذلك فأقول إن ذلك البقاء سيحول دون تحقيق رغبة المصريين في استرداد أقاليمهم الأولى التي فقدوها في السودان. وفي حالة رجوع مصر إلى السودان مع بقاء تلك القوة الأجنبية، سيكون نفوذ مصر في خطر دائم؛ والسبب الرئيسي في كل ذلك هو أن القوة الخارجية التي ستدخل بحر الغزال أو تسيطر عليه ستكون صاحبة النفوذ المطلق هناك، وسيظل تحت يديها كل مورد من موارد الخير في ذلك الإقليم العظيم، الذي يعد من وجهة الرجال والمواد أكبر وأعظم أقسام وادي النيل.

تكلمت كثيرا في الصفحات السابقة عن كل ما أعرفه عن حركات ومطامع الأوروبيين في هذا الصدد. وإني لا أستبعد أن أية محاولة حربية، من جانب دولة أوروبية في سبيل الوصول إلى النيل عن طريق مشراع الرق أو بحر الحمر أو بحر العرب، ستلقى اعتراضا كبيرا من جانب المهديين. ولكن في الوقت نفسه أقرر أنه إذا حدث مثل ذلك الاعتراض وقابله نشاط من جانب القوة الأوروبية الجديدة، فالنتيجة المحتملة جدا هي ضياع مناطق المهديين من أيديهم.

لو أن الخليفة عبد الله على علم بأن الأوروبيين «البيض» الموجودين في بحر الغزال أقوى كثيرا مما يتصور، وأكثر عددا وأعظم تدريبا مما يعرف عنهم بواسطة التقارير غير المضبوطة التي تقدم إليه بين آن وآخر؛ لو أنه على علم بذلك لما تردد في مهاجمتهم قبل استفحال الخطر، وفي تلك الحال يكون مضطرا إلى إرسال مدد من جيوشه من أم درمان، وهذا العمل صعب وغير ميسور التنفيذ؛ لأن احتياطي جنوده يكاد يكون معدودا ومنحصرا في تقوية مواضع الخطر من عطبرة مقابل كسلا وفي مديرية دنقلة. هذا البيان الموجز يوضح لنا ضعف قوة الخليفة، ويثبت ما أشرت إليه سابقا عن عدم تمكن عبد الله من أي وقوف في وجه اعتداء خارجي، ولا ريب أن مثل ذلك النفوذ معرض للضياع ومهدد بالتلاشي، خصوصا إذا ذكرنا إلى جانبه العداء الشديد الموجه من سكان البلاد الداخلية لحاكمهم عبد الله.

نعود الآن عودة سطحية إلى الموقف الدرويشي في دارفور وكردوفان، فنذكر قبل كل شيء أن القوة الحالية للأمير محمود لا تتعدى بضعة آلاف من حاملي البنادق والضاربين بالرماح، وأولئك على قلتهم ليسوا في بقعة واحدة، ولكنهم موزعون في مخافر الفاشر. أما محمود نفسه فيقيم في الفاشر مع القسم الأكبر من تلك القوة، على أنه في مناوشات دائمة مع قبائل دار حجر ومسالت وتاما وبني حسين وحوتر، وقبائل أخرى في منطقتي كبكبية وكلكول.

لم يوفق الأمير محمود توفيقا متواصلا في عمله، وقد يرجع ذلك - إلى حد ما - لقلة عدد المقاتلين معه أمام أعدائه الكثيرين. ومهما يكن من شيء، فإني أذكر لتقرير الوقائع أن أحد كبار مساعدي محمود الحربيين، واسمه فضل الله، قد قتل أخيرا في معركة هجومية وهزم جنوده المحاربون معه (وعددهم ستمائة) في معركة حامية مع القبائل المعادية الثائرة. وإني أذكر جيدا أن الأوامر صدرت - في الوقت الذي غادرت فيه أم درمان - إلى الأمير محمود بإرسال قوة لتأديب الثوار من الفاشر، والظاهر أن هذه القوة نجحت نجاحا جزئيا عوض شيئا من الخسارة السالفة الذكر التي مني بها الدراويش.

قد يحسن بي أن أذكر كلمة سطحية عن القبائل المذكورة المعادية لنفوذ المهدي، فأقول إنها من الوجهة الظاهرية الصورية مستقلة؛ أي إن استقلالها اسمي، ولكنها في الواقع تدين بشيء من الطاعة إلى سلطنة واداي. وأفراد القبائل المذكورة يعدون في الوقت نفسه على شيء كثير من الولاء لأصحاب النفوذ في سلطنة واداي؛ وإذن من الخطأ الواضح أن يعتقد معتقد - كما شاع بين الكثيرين من الأوروبيين وغيرهم في السودان وخارجه - أن أولئك الثائرين كانوا عاملين تحت قيادة رابح الزبير؛ لأن هذا الزعيم السوداني (رابح) شديد العداء لواداي، ولن يسمح بأن يكون المؤتمرون بأمره على شيء - ولو قليل جدا - من الولاء لواداي. وعلاوة على ذلك، فإن نفوذ رابح هذا لا يمتد في مسافته إلى الناحية الشرقية، والمعروف والمحقق أنه (نفوذه) قائم في الأقسام الواقعة إلى جنوبي وغربي بحيرة تشاد.

على تلك الحال كانت الشئون جارية في تلك المناطق الجنوبية والغربية عندما غادرت السودان، ولم أكد أصل إلى البيئة المتمدينة حتى قرأت في الصحف تقارير وأنباء غريبة ومتناقضة في بعض المواضع عن الحال في الأقاليم المذكورة.

تكلمت كثيرا عن احتمال تقلص ظل الإمبراطورية المهدية وتلاشي نفوذها، في الوقت الذي تتقدم فيه دولة متمدينة إلى قلب السودان. ولكني بخبرتي الواسعة في السنين التي قضيتها في قلب النفوذ الدرويشي، أتقدم بمحض الإخلاص بكلمة تحذير إلى الأمة التي قضيت السنين الطوال في الإشادة بذكرها وطلب التقدم المستمر لها؛ وبمعنى آخر أريد التقدم بالنصيحة إلى الأمة التي دعوت لها بحياة ناهضة سعيدة إزاء تجديد عهد السودان المصري.

إني أذكر لها في إيجاز كلي أن المد والجزر لن ينتظرا إنسانا كما أنهما في بعض الأحيان لن يتركا فرصة البقاء لإنسان.

نامعلوم صفحہ