سیف مہند
al-Sayf al-muhannad fi sirat al-Malik al-Muʾayyad
اصناف
فصل فيما وقع من الحوادث في السنة الثامنة عشر بعد الثمانمائة استهلت هذه السنة المباركة وسلطان البلاد المصرية والشامية السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ ، وأصحاب الوظائف من الأمراء والمتعممين الذين ذكرناهم على حالهم ، وكذلك نواب البلاد الشامية والحلبية وفى يوم الخميس مستهل محرم هذه السنة دخل مولانا السلطان القاهرة عائدا من سفر تروجة ، وكان يوما مشهودا ، وكان خروجه من القاهرة يوم الإثبين الثالث من ذى القعدة من العام الماضى ، وكانت مدة غيبته سبعة وخمسين يوما ما بين مدة سفره ومدة إقامته فى ذلك البر ، فى الذهاب والإياب .
وفى يوم الإثنين تالت عشر صفر خلع على القاضى علاء الدين ابن المغلىى الحموى الحنبل ، واستقر قاضى القضاة الحنابلة بالديار المصرية عوضا عن القاضي مجد الدين سالم بحكم عزله ، وعلى القاضى تفى الدين بن الحبني الحموى الحنفى ، واستقر قاضي العساكر المنصورة بالديار المصرية
وفى شهر ربيع الأول أخرج مولانا السلطان دراهم جددا من فضة خالصة كل درهم بثمانية عشر من الفلوس ، وكل نصف درهم بتسعة دراهم ، وكل وزن ربع درهم بأربعة دراهم ونصف درهم ، فحصل للناس بذلك رفق عظيم ، وفي هذا التاريخ رسم أن يخفر من عند منشية المهراق إلى جامع الخطيرى ، وجعل هناك أمراء ومشيرين وفعلة كثيرة ، وثيرانا بجراريف ، ثم قوى العمل إلى أن ألزموا سائر الحرف بالطلوع إلى هناك ، كل طائفة يوما وفى يوم الإثنين الثالث من ربيع الأخر نزل السلطان بعساكره إلى موضع العمل ، وأخذ القفة بيده ، فعند ذلك شرعت الأمراء والعسكر بجميعه ، وأربات الوظائف ، والعلماء ، وسائر الأعيان فى تحويل الأتربة من موضع الحفر إلى موضع الصب وأقام مولانا السلطان المؤيد هناك إلى قرب العصر وفى شهر ربيع الأول عزل الأمير طوغان [ أمير آخور المؤيد]
من نيابة صفد ، وتولى حاجب الحجاب بدمشق ، وتولى الأمير خليل [ التبريزى الدشارى ] نيابة صفد وفى يوم الإثنين السابع من جمادى الأولى خلع على الأمير الطنبغا العثماني أتابك العساكر ، واستقر فى نيابة دمشق عوضا عن قانباى بحكم عزله ، وخلع على الأمير أقبردى [ المؤيدى المنقار] واستقر فى نيابة الإسكندرية عوضا عن الأمير [ صماى الحسني ] بحكم عزله وفى يوم السبت التاسع والعشرين من جمادى الأولى كان وفاء النيل ، ونزل مولانا السلطان للكسر الذى هو جبر للمسلمين وفى يوم الأحد سلخ جمادى الأولى زاد النيل المبارك بإذن الله خمسة عشر إصبعا ، وهذا شىء غريب لم يعهد مثله إلا فى النادر ، وهو بسعادة مولانا السلطان المؤيد وفى يوم السبت سادس جمادى الأخرى خرج الأمير الطنبغا العثمانى متوجها إلى الشام لنيابتها ، ثم جاءت الأخبار بأن قانباى نائب الشام قد امتنع من المثول بين يدى المواقف الشريفة ، وأظهر العصيان ، وجرت فى الشام فتنة كبيرة ، ثم جاء الخبر بأن نائب غزة الأمير طرباى أظهر العصيان أيضا ، وأخلى غزة وذهب إلى نائب الشام ، فعند ذلك عين
مولانا السلطان المؤيد الأمير يشبك [ المؤيدى المشد ] وأضاف إليه جماعة من المماليك ، وأرسلهم إلى ألطنبغا العثمانى تقوية له وفى يوم الإثنين العشرين من جمادى الأخرة خلع على الأمير مشترك [ القاسمى الظاهرى ] واستقر فى نيابة غزة عوضا عن طرباى بحكم عصيانه وفى يوم الإثنين السابع والعشرين من جمادى الأخرة خلع على الأمير الطنبغا القرمشى أمير آخور كبير ، واستقر أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن ألطنبغا العثمانى بحكم انتقاله إلى نيابة الشام ، وعلى تنبك [ العلائى الظاهرى ] رأس نوبة كبير ، واستقر أمير آخور كبير عوضا عن الأمير ألطنبغا القرمشى وفى يوم الإثنين الرابع من رجب خلع على الأمير سودون قراصقل ، واستقر حاجب الحجاب عوضا عن سودون القاضى حاجب الحجاب ، بحكم استقراره رأس نوبة كبير عوضا عن الأمير تنبك [ العلائى الظاهرى ] بحكم استقراره أمير أخور كبير وفى يوم الإثنين الحادى عشر منه خرج الأمير أقباى
الدويدار الكبير ، ومعه جماعة من المماليك لمحاربة العصاة المذكورين وفى يوم الخميس الرابع عشر من رجب ميك الأمير جانبك الصوق أمير سلاح كبير ، وحبس فى البرج بالقلعة ، وفى ذلك اليوم رسم بتجهيز السفر إلى الشام وفى يوم الإثنين الثامن عشر من رجب فرق مولانا السلطان المؤيد النفقات على المماليك وفى يوم الثلائاء التاسع عشر من رجب مسك الوزير تاج الدين [ عبد الرزاق ] ابن الهيصم ، وضرب ضربا شديدا وفى يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب خرج مولانا السلطان من القاهرة بعد صلاة الجمعة متوجها إلى الشام ، طلبا لحسم مادة الفساد ، وتطمينا للبلاد والعباد ، وإزاحة لأهل العصيان والعناد ، وقد [عين السلطان] لنيابة القاهرة الأمير ططر ، وأمره بالإقامة فى باب السلسلة ، وجعل سودون فراصقل مقيما بمدينة القاهرة للحكم بين الناس
وقطلو بغا التنمى وأنزله فى القلعة ، ولم يسافر مع السلطان المؤيد من القضاة إلا ناصر الدين [ محمد ] ابن العديم الحنفى ، ولم ينزل مولانا السلطان المؤيد بعد خروجه إلا فى منزلة عكرشة ، وبات هناك ليلة السبت ، فلما أصبح صلى الصبح ، وأكل الشماط ، ورحل وقلبه محبور ومسرور ، ومتيقن بأنه منصور ، ودخل عزة يوم الجمعة التاسع والعشرين من رجب ، وصلى فيها الجمعة ، ثم خرج متوجها إلى ناحية الشام ، مؤيدا من عند الله بنصره التام وأما ما كان من الأمراء المخامرين فإن نائب الشام قد ركبت عليه الدلة والقتام ، وضاق عليه كل مكان ومقام ، حتى التجأ إلى الهروب والتشريد ، ما بين سائق وطريد ، فهرب ومعه نائب حماة ، وقد ضاق عليه ما بين الأرض والسماء . ومعه نائب طرابلس وغزة، وقد انسلخو من كل خير وعزة ، وتوجهوا إلى مدينة حلب ، وهم فيما بين رهب وهرب ، وإن مولانا السلطان المؤيد قد دخل الشام ، ومعه عساكره مسرورة ، ورآيات النصر عليه منشورة ، وأقبلت إليه
الخلائق ساعية ، وألسنتهم بنصره داعية ، وقد حصل للناس سرور ومج ، بزوال كل من بغى وخرج ، ولسان الحال ينطق بالمقدور : أيها الملك المجبور ، لا تكترت فأنت منصور ، وكل من عاداك فهو مقهور ، ما بين مقتول ومملوك وماسور وكان دخوله يوم ألجمعة يوم المزيد ، ولأهل الشام عيد على عيد ، وأقام فيه يومين بسرور وزين ، ثم خرج متوجها إلى حلب ، للهاربين بكل طلب ، وقد كان تقدمت شرذمة من عسكر مولانا السلطان المؤيد إلى ناحية حاب ، وفيهم ألطنبغا العثمانى ، والأمير أقباى الدوادار الكبير ، والأمير يشبك غيرهم ، فوقع بينهم وبين الخارجين وقعة عظيمة على موضع قريب من حلب ، إلى أن أنزمت الشردمة ، ومسك منهم جماعة من الأعيان ، منهم أقباى الذويدار ، ولكن هذه هزيمة بعدها غنيمة ، ومن شان من أعزه الله بالنصر التام أن ينهزم فى بعض حروبه ، لأن الحرب سجال ، وكذلك كان يجرى للأنبياء عليهم السلام ، وقد أنمزم عسكر نبينا عليه السلام في غزوة هوازن يوم حنين ، قال ابن إسحق : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد لنا هوازن حتى انحط بم أأوادى في شمامة الصبح ، فلما انحط الناس تارت في وجهوههم الخيل فشدت عليهم وانكفا الناس منهزمين ، لا يقبل أحد على أحد ، ورسول الله
صلى الله عليه وسل تابت وهو يقول : أبما الناس هلموا إلى أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله . فعند ذاك تراجع المسلمون ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وأخذ رسول - الله صلى الله عايه وسلم حفنة من تراب فرمى مها فى وجه المشركين ، وكانت الهزيمة ونصر الله المسلمين ، وأتبعوا المشركين يقتاونم ، ويأسرونهم ، وكان ذلك ببركة النبى - صلى الله عليه وسلم - .
وكذلك هذه الشرذمة من عسكر مولانا السلطان المؤيد ، وإن كانت قد أنزمت ولكن قد تعقبت أهم الغنيمة والبشرى ببركة حضور مولانا السلطان المؤيد وسعادته التامة ، وكان الأمر فى هذا أن هؤلاء الشرذمة لما حصل عليهم ما حصل ، جاء الصريخ لمولانا السلطان وهو على أراضى سرمين، فعند ذلك نض نهوض الأسد الكاسر الجافى ، وأسرع سرعة الصحيح القوادم والخوافي ، فنزل على الخارجين المتمردين ، الطريدين المتشردين ، نزول السباع على فراتسها المفروسة . وجعلهم حصائد مدكوسة مدسوسة ، فلم يشعر إلا وهم فى قبضته الشريفة ، وسطوته المنيفة ، ولم ينفلت من أعيائهم أحد ، وسيق كل واحد في جيده خبل من مسد ، فعرضوا على مولانا الساطان ، وهم فى
نامعلوم صفحہ