صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
اصناف
platitude
ومبتذل، وإنما يقول بأن النمط ذاته من الأفعال قد «يكون» صوابا في بلد وعصر و«يكون» خطأ في بلد آخر وعصر آخر. وهو قول جريء ومروع وليس بداهة يعرفها الجميع، فالقول بأن هناك معايير مختلفة للأخلاق (ومعيار هنا يعني ما «يعتقد» الناس أنه صواب) قول مبتذل تافه. أما القول بأن هناك معايير مختلفة (ومعيار هنا يعني ما هو صائب حقا) فهو قول جريء ولافت، ولا بد من أن نميز بين هذين المعنيين لكلمة «معيار»
standard ، لأننا حين نخلط بينهما ونستخدم الكلمة بمعنى ما «يعتقد» الناس أنه صواب فنحن نضفي على النسبية معقولية أكثر مما فيها.
15
النسبي الحقيقي، إذن، لا يعني بمذهبه أن الصينيين مثلا قد يصيبون التفكير فيما أخطأ فيه الفرنسيون، إنما يعني أن ما هو خطأ لدى الفرنسيين قد يكون صوابا لدى الصينيين. فإذا سألته كيف يتأتى للمرء في تلك الظروف أن يعرف ما هو الصواب حقا في الصين أو في فرنسا لأتت الإجابة فورية جاهزة: ما هو صواب في الصين هو بعينه ما يرى الناس في الصين أنه صواب، وما هو صواب في فرنسا هو ما يرى الناس في فرنسا أنه صواب. يذهب النسبي إذن إلى أن ما يعتقد الناس في مكان ما أنه صواب فهو صواب بالنسبة لهم، أي أن «ما هو صواب» مساو ل «ما يعتقد أنه صواب»، ولا داعي من ثم للتمييز بين معنيين لكلمة «معيار»
standard
فهناك معيار واحد للصواب والخطأ هو المثل الأخلاقية في مكان وزمان معينين.
يستلزم المذهب النسبي إذن (وإن كان ذلك يسوء النسبي) أن الكانيبالية صواب بالنسبة للكانيباليين، والأضحية البشرية صواب بالنسبة لأولئك الأقوام الذين يمارسونها، وحرق الأرامل أحياء في الهند كان صوابا بالنسبة لأهل الهند قبل أن يدخل الإنجليز ويرغموهم على الفعل اللاأخلاقي باستحيائهن (أي بالإبقاء عليهن أحياء)!
وليس معنى ذلك أن النسبي يؤمن بوجود معايير موضوعية صادقة متعددة بتعدد البلاد والأعصر. إنه، ببساطة، ينكر وجود معيار موضوعي؛ فكل المعايير الأخلاقية عنده ذاتية، والمشاعر الذاتية للناس عن الأخلاقية هي المعيار الوحيد الذي يوجد. ليس ثمة إذن غير معايير متباينة محلية زائلة، وليس هناك غير معنى واحد لكلمة «معيار» وهو المثل المحلية المختلفة، فإن لم يكن بد من التمييز بين معنيين لكلمة «معيار» فإن المعنى المطلق لا يحمل أي أمثلة.
16
نامعلوم صفحہ