صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

عادل مصطفى d. 1450 AH
178

صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

اصناف

هي الدعوى القائلة بأن ثقافة المرء تؤثر بشدة على طرق إدراكه وتفكيره. وقد دأب الأنثروبولوجيون، وبخاصة في بدايات القرن العشرين، على أن يعزوا إلى الثقافة سطوة لا حدود لها في تشكيل البشر وصياغتهم. كمثال على ذلك يقول روث بينيديكت في كتابه «أنماط الثقافة» عام 1934م:

ما من إنسان قط تسنى له أن ينظر إلى العالم بنواظر بكر. إنه ينظر إلى عالم أملته مجموعة محددة من العادات والنظم وطرق التفكير. وما هو بمستطيع حتى في تمحيصه الفلسفي أن يتخطى هذه العادات. إن تاريخ حياة المرء لا يعدو أن يكون تواؤما مع الأنماط والمعايير التي ورثها مجتمعه. فمنذ لحظة ميلاده تكتنفه التقاليد وتشكل خبرته وسلوكه، ومنذ اللحظة التي يستطيع فيها الكلام يكون ابن ثقافته. حتى إذا بلغ أشده وأصبح قادرا على المشاركة في أنشطة هذه الثقافة تكون عادات الثقافة هي عاداته، وعقائدها عقائده، ومستحيلاتها مستحيلاته. يقاسمه فيها كل طفل يولد في جماعته. وليس بمكنة أي طفل خرج إلى الوجود على الجانب الآخر من الأرض أن يصيب منها فتات الفتات.

93

وقد انتهت المناقشات الارتجالية حول طرائق التفكير «قبل المنطقي»

pre-logical

التي راجت ردحا من الزمن. وصارت الأمور الآن إلى عمل علمي أكثر تفصيلا ودقة في السيكولوجيا عبر الثقافية والأنثروبولوجيا المعرفية. وما يزال فعل الثقافة في تشكيل الفكر غير مكتمل الوضوح. غير أن الدلائل، فيما تشير إلى وجود فروق معرفية متواضعة بين الثقافات، لا تذهب في المبالغة والشطط مذهب بعض الدعاوى المبكرة في النسبية الثقافية.

أدرك المختصون منذ زمن بعيد أن الثقافة أمر يصعب كثيرا على البشر أن يفكروا فيه، مثلنا في ذلك مثل السمك في الماء، ليس بإمكاننا أن «نرى» الثقافة لأنها الوسط الذي نعيش فيه. ويفيدنا التعرف على ثقافات أخرى في التعرف على ثقافتنا نحن، ومن ثم في جعلها موضوعا للبحث والتفكير.

94

كثيرا ما ينسب إلى يوهان هردر أنه قدم أول صياغة للمفهوم الحديث عن «النسبية الثقافية» في أواخر القرن الثامن عشر، فقد كان هردر يؤمن بأن تنوع الشعوب هو شيء يوجب التقدير، كما أشار بوضوح إلى أن كل شعب يجب أن يقيم في إطاره الخاص: «هكذا تختلف الأمم حسب المكان والزمان وحسب الشخصية الباطنة لكل منها، وتحمل كل أمة في داخلها معيار كمالها، ولا يمكن قياسها بمعايير غيرها.»

95

نامعلوم صفحہ