صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
اصناف
post-modernist («كل تأويل هو مجرد إعادة تأويل»).
يقول رولان بارت في «درس السيميولوجيا»: «النص تعددي. لا يعني هذا فحسب أنه ينطوي على معان عدة، وإنما أنه يحقق تعدد المعنى ذاته. إنه تعدد لا يؤول إلى أية وحدة. ليس النص تواجدا لمعان، وإنما هو مجاز وانتقال. بناء على ذلك فلا يمكن أن يخضع لتأويل، وإنما لتفجير وتشتيت؛ ذلك أن تعددية النص لا تعود لالتباس محتوياته، وإنما لما يمكن أن نطلق عليه التعدد المتناغم للدلائل التي يتكون منها. إن قارئ النص شبيه بذات مرتبكة (تعطل فيها عمل المخيلة)، هذه الذات الفارغة تتجول قرب واد ينحدر في أسفله نهر، ما يدركه متعدد يصدر عن مواد ومستويات متنوعة من أضواء وألوان وخضرة وحرارة وهواء وضجيج وزقيق وأصوات أطفال وحركات وملابس. كل هذه الحوادث تكاد تدرك كل على حدة؛ إنها تخضع لقواعد معروفة، بيد أن المزج بينها متفرد، وهو ما يحدد النزهة في اختلافها الذي لا يمكن أن يتكرر إلا كاختلاف.»
71
أما الفيلسوف التأويلي بول ريكور فقد قدم تحليلا ل «الاستعارة»
metaphor
على أنها توتر أو شد! يرى ريكور أن في صميم الاستعارة يقبع عنصر إثبات وعنصر نفي: يشير العنصر الأول إلى الناقل الحرفي المستخدم لتوصيل الاستعارة، بينما يدل الأخير على أن المشار إليه
referent
في الاستعارة لا ينبغي أن يلتمس في الألفاظ الحرفية. من شأن هذا التوتر أن يسقط «عالما أمام النص». هذا العالم المسقط هو المشار إليه الحقيقي للاستعارة. ويرى ريكور أن معنى الاستعارة وإشارتها هما شيء في انتظار أن يتملكه القارئ الراهن من خلال عملية إضفاء القرينة أو السياق التي يضطلع بها من جديد كل قارئ للنص. وقد طبق ريكور هذا المبدأ أيضا على الحكاية الرمزية
parable ، بل على كل النصوص المكتوبة التي يفصلنا عنها فجوة أو بون. وهو في غمرة اهتمامه بالعثور على المعنى لا في النص نفسه بل «أمام النص» فقد فتح المجال لنسبية لا مفر منها لرسالة النص. وهكذا يسمح لعنصر النفي أن يسود على حساب عنصر الإثبات. يريد ريكور أن يحافظ على التوتر، غير أنه في الواقع الفعلي ينفرج التوتر في النهاية لصالح «المعنى الجديد» المتولد في الأفق الحادث بين القارئ والنص. ويصير الأمر، بشكل لا مرد له، إلى اضطراب وتقلقل في رسالة النص مصحوب بنسبية تلك الرسالة.
72
نامعلوم صفحہ