ما أصدقها من كلمة وإن قيلت اعتباطا، ولشد ما زلزلتني تلك الحادثة زلزلة عنيفة قضت قضاء مبرما على ما كان يتراءى لي أحيانا من أمل واه، وعرضت لي خلوات أخرى في ظلام الليل وحبيبتي غارقة في نومها، وعاودني دبيب الحياة الغريب، ولكن لم تواتني الشجاعة مرة أخرى على إيقاظها، ووجدتني أتردى من جديد في الهاوية التي انتشلني الزواج منها قرابة شهر، وعدت وأنا لا أدري إلى أسر العادة الجهنمية التي لم يعرفها زوج قبلي. ألا ما أشد حيرتي وقهري! كيف يقع لي هذا وقلبي يعبدها عبادة؟! .. بل كيف ونظرة إلى وجهها أنفس عندي من الدنيا وأنعمها؟! إنها حياتي وسعادتي ودنياي جميعا. •••
وجدتها يوما وكأنها تعاني رغبة الإفصاح عن شيء يعتلج بنفسها، فخفق قلبي قلقا وخوفا، ولكن لم يسعني أن أتجاهل ما رأيت مفضلا أن ألقى الخطر وجها لوجه على أن أضيف جديدا إلى ما أكتمه في نفسي من القلق والوساوس، فسألتها: ماذا وراءك يا عزيزتي؟
فلاح في وجهها التردد والضيق ولاذت بالصمت، فتضاعف قلقي وقلت بفؤاد منقبض: هاتي ما عندك، لا تخفي عني شيئا!
فنفخت قائلة: أمي!
ووقع قولها من نفسي موقع الفزع والهلع، ما بال هذه المرأة لا تريح ولا تستريح؟! ولشد ما أبغضتها في تلك اللحظة، على أنني تساءلت متظاهرا بقلة المبالاة: ما لها يا رباب؟
فقالت بصوت منخفض وهي تنظر فيما بين قدميها: لا تفتأ تسألني: هل جد جديد في الطريق؟!
ومن عجب أني فهمت المراد من هذا المجاز! فهمته بغريزتي، أو بالخوف الكامن في نفسي وبلا أدنى تردد، ولكني تساءلت متجاهلا: ماذا تعنين يا رباب؟
فأومأت إلى بطنها وهمست قائلة: تعني هل جد جديد هنا؟!
تولاني فزع شديد، فأطرقت مرتبكا محزونا، عم تسأل المرأة؟ لعلها تريد أن تعرف شئونا أخرى ضمنا، وحنقت عليها حنقا فظيعا، واختلست من رباب نظرة فوجدتها ساهمة الطرف .. صامتة .. أحقا يضايقها تساؤل أمها، أم هي تبلغنيه وفي نفسها غرض؟ أباتت بدورها تشارك أمها قلقها وجزعها؟ .. ولماذا تتوارى خلف أمها؟ إن المكر لا يجمل بمن كانت في مثل جمالها وطهارتها! وما كان أغناها عن اللف والدوران. هكذا حملني الفزع على عدم تقدير موقف فتاتي المظلومة. واشتد بي الحرج حتى أرهقني وأعياني، ثم تركز اهتمامي في شيء واحد، وهو أن أسبر مدى ما تعرف نازلي هانم من أسرارنا، فسألتها قائلا: وماذا قلت لها؟
فقالت ببساطة: قلت لها الحقيقة!
نامعلوم صفحہ