فتأوهت هاتفة: كامل لا تقس على أمك، لا تقل هذا، لم أكرهها، علم الله، يحزنني ما يحزنك!
فبدرت مني ضحكة باردة كفرقعة السوط في الهواء وقلت: لأزيدك فرحا فاعلمي أنها لم تمت ولكن قتلت!
فحملقت في وجهي في فزع، ولعلها خافت علي الجنون وغمغمت: اللهم لطفك.
فصحت باستهانة وجنون: قتلت حين كان الطبيب يجهضها.
فضربت صدرها بيدها وهتفت: يجهضها! وهل كانت حبلى ؟ رباه لم أكن أعلم هذا. - ولا أنا! .. أخفته عني لأنني لم أكن أبا الجنين! وصرخت أمي في فزع: كامل .. رحمة بنفسك، رحمة بي، أنت لا تدري ماذا تقول؟! - بل أدري أكثر مما تتوقعين، لقد عرفت في يوم ما لا يعرفه مثلي في جيل، قلت لك: أخفت الأمر عني وذهبت إلى والد الجنين ليجهضها فأخطأ وقتلها! - اللهم لطفك يا أرحم الراحمين. - ألا يزال أرحم الراحمين؟ وداعا فلن أعبده بعد اليوم! أما أنت فلعلك تقولين لنفسك في سرور غريب: «لقد نالت الآثمة بعض ما تستحق من جزاء، لقد حدثني قلبي بذلك من أول يوم ولكنك لم تصغ إلي!»
فزفرت أمي في شقاء وتعاسة وقالت بصوت كالأنين: لشد ما يحزنني كلامك، إنك تقتلني بلا رحمة.
فصحت بها كالمجنون: اشمتي ما شاءت لك الشماتة، ولكن إياك أن تتصوري أننا سنعيش معا. انتهى الماضي بخيره وشره، ولن أعود إليه ما حييت .. سأنفرد بنفسي انفرادا أبديا .. لن أعيش معك تحت سقف واحد، وسأطلب من الوزارة نقلي إلى مكان قصي أقضي فيه البقية من عمري.
أشرق الدمع بعينيها وعقد الألم لسانها، ولبثت ترنو إلي في فزع ووجوم، وكأنه لم يكفني ما قلت فأردفت مرغيا مزبدا: اذهبي إلى أختي أو إلى أخي، واحسبيني منذ اليوم في عداد الأموات.
ووليتها ظهري وغادرت الحجرة ونحيبها يقرع أذني.
66
نامعلوم صفحہ