فأشتق من خرف الجنى ومن ... حصف تهي الأظفار منه حصيفا
دع عنك تعبيس الأسود وكن أخًا ... لأبي الحصين مراوغًا يهفوفا
من أضحك السلطان صوت ردامه ... فهو الذي في الناس عدَّ عريفا
تمت بهذا البيت فاتحتي وقد ... صيرته لبنائها تسقيفا
لا تقرأن من بعده شيئًا ولو ... كلفت حرفًا واحدًا تكليفا
فتكون قد أزلفت ثم تجاوزت ... بك رجلك اليسرى له تاريفا
إني أرى كالريح في أذنيك عرف ... نصيحتي راحت سدى وطليفا
الكتابُ الأوَّل
إثارة رياح
مه صه أسكت اصمت أنصت ايبَس أعقَم أسمع ائذن أصخ أصغ أعلم أني شرعت في تأليف كتيّبي هذا المشتمل على أربعة كتب في ليالي راهصة ضاغطة أحوجتني إلى الجؤار قائمًا حتى لم أجد لصُنبور أفكاري ما يسدّه عن أن يتبعق على ميزاب القلم في وجوه هذه الصحائف. فلما رأيت القلم مِطواعًا لأناملي والدواة مطواعًا للقلم في نفسي لا بأس إن أقفو القوم الذين بيضوا وجوههم بتسويد الطروس فإن كانوا قد أحسنوا فأنا أعدّ أيضًا من المحسنين. وأن كانوا قد أساءوا فلعل عدد كتبهم يحتاج إلى تكملة فيكون كتابي على كل حال متصفًا بالكمال. لأن ما كمل غيره كان جديرًا بأن يكمل نفسه. فمن ثم أتوقف فيما قصدته ولم أتحاشَ أن أودعه من الألفاظ الشائقة الرائقة والمعاني الفائقة الآفقة كل ما خفَّ على السمع، ولذَّ للطبع. مع عملي إنه لا يكاد مؤلف يعجب الناس جميعًا.
وكأني بمتعنت يقول في نفسه أو لغيره لو كان المؤلف أجهد قريحته في تأليف كتاب مفيد لا يستحق أن يثني عليه. لكني أراه قد أضاع وقته عبثًا بذكر ما لا ينبغي ذكره جينًا. وحنينًا بذكر ما لا يجدي نفعًا. والجواب عن الأول: ومحترسٍ من مثله وهو حارسُ. وعاد الحيْش يحاس. وحذ من جِذْع ما أعطاك. وشحمتي في قلعي. وأهتبل هبلك. وعين الرضى عن كل عيب كليلة. وعن الثاني: أربع على ظلعك. وأرق على ظلعك. وأرقًا على ظلعك. وقِ على ظلعك. وكأني بآخر يقول حديث خرافة يا أم عمرو. وجوابه وكم من غائب قولًا سليمًا. ثم كأني يحوقة عظيمة من الجلاذي والنهاميين والأنهمة والوففة والوفهة والوهفة والأبيلين والزرازرة والقمامسة وأمامهم الجاثليق الأكبر. وأمام هذا العسطوس الأعظم وهو يضجون ويعجبون ويجأرون وينعرون ويلجبون ويصخبون ويزأطون ويلغطون ويتقترون ويتوغرون ويتوعدون ويتهددون ويتذمرون ويتنكرون ويتنمرون ويتشذرون ويتشزرون ويتغذرون وينحمون وينهمون ويلغمون. فأقول لهم مهلًا مهلا إنكم قضيتم عمركم كله في حرفة التأويل فيما يضركم لو أوَّلتم ما تنكرونه في كتابي من أول وهله. وتمحلتم كما هو دأبكم لأن تجعلوا منه حسنًا ما يظهر قبيحًا ومستظرفًا ما يلوح من خلال عبارته فاحشًا. فإن أبا نواس قد أوجب عليكم ذلك مذ مئين من السنين بقوله:
لا تحظر العفو إن كنت أمرءًا ورعًا ... فإنّ حظركه بالدين إزراء
وبقوله:
كن كيفما شئت أن الله ذو كرم ... وما عليك إذا أذنبت من باسِ
إلا أثنتين فلا تقربهما أبدأ ... الشرك بالله والأضرار بالناس
فأما أن قلتم إن عباراته صريحة بحيث لا تقيل التأويل. فأقول لكم إنكم بالأمس كنتم تخطأون وتحضرمون وتهرأون وتلحنون وتلكنون وتغلطون وتوهمون وتعفكون وتلبكون وتلتكون وتلفتون وتعصدون وتخلطون وتخطلون وتهذون وتهذرون وتحصرون وتلخون وتلخلخلون وتعجمون وتجعمون وتقدمونوتلفون وتتبلتعون وتتلهيعون وتلغلغون وتلقلقون وتقلقلون وتترترون وتثرثرون وتحصرون وتفرفرون وتجمجمون وتمجمجون وتغمغمون وتمغمغون وتتغتغون وتثعثعون وتثغثغون وتبعبعون وتبغبغون وتوتغون وتضغضغون وتعيون وتفههون فمتى جاءكم العلم حتى فهمتموها.
وإن قلتم أن بعضها وهو السيئ مفهوم وبعضها غير مفهوم. قلت لعل ما لم تفهموه هو الحسنات التي تذهب السيئات فلا ينبغي لكم على أية حالة كانت تحرقوه. ولعمري لو لم يكن من شافع لقبوله وأجرائه عند الأدباء وعندكم آنستم أيضا مجرى كتب الأدب سوى سرد ألفاظ كثيرة من المترادف لكفى. بل فيه من ذكر الجمال وأهله أدام الله عزهن إعظامه وتقريظ مؤلفه حيا ثم تأبينه بعد مفارقته إياهن برغم أنفه.
1 / 4