وصاحت بأمها مداعبة لها وجرتها معها: «العشاء يا أماه! هات لنا العشاء! وفي خلال ذلك يغنينا فيكتور سرجيفتش.»
فخرجت ماريا إيفانوفنا لتهيئ العشاء ونفسها تحدثها أن القدر لا يسعه على التحقيق أن يدخر غير السعادة لفتاة جميلة ساحرة مثل ابنتها ليدا.
ومضى سارودين وتاناروف إلى البيانو في حجرة الاستقبال. واطرحت ليدا في فتور وكسل على كرسي هزاز على الشرفة.
وجعل نوفيكوف يروح ويجيء صامتا على أرض الشرفة ويخالس النظر إلى وجه ليدا وصدرها الناضج المكتنز وقدميها الصغيرتين في حذائهما الأصفر وساقيها الرشيقتين، وهي في غمرة من سحر الحب الأول وسطوته لا تكترث إليه ولا تلتفت إلى لحظاته، فأغمضت جفنيها وابتسمت لما يطوف برأسها من الخواطر.
وكان الصراع القديم دائرا في صدر نوفيكوف: يحب ليدا ولا يدري ما شعورها نحوه، ويخطر له أحيانا أنها تحبه ويهجس بقلبه أحيانا أخرى أنها لا تعبأ به وإذ خال الجواب «نعم تحبك» قال لنفسه: ما أحلى وأسهل أن يؤاتيه هذا الجسم النقي اللين. وإذا كان «لا» فيا له من خاطر بغيض بشع! وراح تغضبه شهوته وذهب يعد نفسه نذلا غير أهل لليدا.
ولما أنضته هواجسه آلى أن يستهدي الحظ. «إذا دست بقدمي اليمنى على آخر مربع خطبتها لنفسي وإذا دست بقدمي اليسرى ف ...» وجبن عن التفكير فيما يحدث في هذه الحالة.
وداس المربع الأخير بقدمه اليسرى! فتصبب العرق البارد ولكنه لم يلبث أن طمأن نفسه وهون الخطب عليها. «يا لها من سخافة! لقد أشبهت العجائز! والآن - واحد، اثنان، ثلاثة - في الثالثة أذهب إليها وأكلمها، نعم ولكن ماذا أقول؟ هذا لا يهم فلأمض! واحد. اثنان. ثلاثة! كلا! بل ينبغي أن يكون العد ثلاث مرات! واحد، اثنان، ثلاثة! واحد، اثنان ...»
والتهب ذهنه وعصب ريقه وبلغ من عنف دقات قلبه أن ركبتيه تخاذلتا وارتعشتا.
وصاحت به ليدا وفتحت عينيها: «لا تخبط الأرض كذلك! إني لا أسمع شيئا!»
في هذه اللحظة فقط أدرك نوفيكوف أن سارودين يغني. وكان الضابط الفتى قد اختار أغنية قديمة مطلعها:
نامعلوم صفحہ