76

صانع النجوم

صانع النجوم

اصناف

الآن كنت أرى الكوكب بأكمله، تلك البقعة الصخرية بكامل حشودها المنشغلة، على أنها حلبة قتال، وثمة خصمان كونيان - روحان - كانا يستعدان بالفعل لصراع حاسم فيها. كانا قد اتخذا مظهرا أرضيا محليا تخفيا فيه، وأخذا يتقاتلان في عقولنا نصف المتيقظة. وفي مدينة تلو المدينة، وقرية تلو القرية، وعدد لا يحصى من المزارع والأكواخ والخصاص والعشش والسقائف المنعزلة، وفي كل شق يحرص فيه البشر على مصادر راحتهم وانتصاراتهم وأماكن هروبهم الصغيرة، كان الصراع العظيم في عصرنا يختمر بالفعل.

بدا أحد الخصمين على أنه إرادة المخاطرة في سبيل العالم الجديد المتعقل المبهج الذي طال الاشتياق إليه، والذي سيحظى فيه كل رجل وامرأة بالفرصة لعيش حياة مكتملة في خدمة الإنسانية. أما الخصم الآخر فقد بدا على نحو أساسي أنه الخوف الحسير من المجهول، أم يا ترى أنه كان أكثر خبثا من ذلك؟ أكان هو الرغبة الماكرة في التحكم الخاص والذي كان يحرض من أجل غاياته على العواطف البالية الانتقامية الكارهة للتعقل المتمثلة في العواطف القبلية؟

بدا أن جميع الأشياء الأعز لدينا لا بد أن تتحطم في العاصفة القادمة. جميع أشكال السعادة الخاصة، جميع صور الحب، جميع الأعمال الإبداعية في الفن، العلوم والفلسفة، والدراسة الفكرية والخيال التأملي وجميع أشكال البناء الاجتماعي الإبداعي، وكذلك كل ما ينبغي أن يعيش الإنسان من أجله في المعتاد، قد بدا حماقة وأضحوكة ومحض استمتاع ذاتي في وجود البلاء العام، لكن إن عجزنا عن الحفاظ على هذه الأشياء، فمتى ستوجد مجددا؟

كيف يمكن مواجهة مثل ذلك العصر؟ كيف نستجمع الشجاعة في ضوء أننا لا نقوى إلا على الفضائل البسيطة؟ كيف يمكن القيام بهذا، مع الحفاظ على سلامة عقلنا، ودون أن ندع الصراع يدمر في قلب المرء ما يحاول أن يقدمه للعالم، ألا وهو نزاهة الروح؟

ثمة ضوءان علينا الاسترشاد بهما. الأول هو ذرة الاتحاد المتوهجة الصغيرة خاصتنا، بكل ما تحمله من دلالة. أما الضوء الثاني، فهو ضوء النجوم البارد، رمز الحقيقة الفائقة للكون، بما له من انتشاء بلوري. من الغريب أنه في هذا الضوء الذي تقيم فيه حتى أعز قصص الحب ببرود - والذي فيه يجرى تأمل الهزيمة المحتملة لعالمنا نصف المتيقظ دون التخفيف من حدتها بالثناء على حكمة صانعه - لا تفقد الأزمة البشرية شيئا من أهميتها، بل تكتسب المزيد. ومن الغريب أن القيام بدور في هذا الصراع - هذا المجهود الوجيز الذي نحاول من خلاله أن تحظى سلالتنا ببعض من الصفاء قبل حلول الظلمة النهائية - يبدو أمرا أكثر أهمية وإلحاحا، وليس أقل.

نامعلوم صفحہ