1 - الصنائع في عهد محمد علي
2 - المدارس الحربية والمعامل العسكرية
1 - الصنائع في عهد محمد علي
2 - المدارس الحربية والمعامل العسكرية
الصنائع والمدارس الحربية في عهد محمد علي باشا
الصنائع والمدارس الحربية في عهد محمد علي باشا
تأليف
عمر طوسون
الفصل الأول
الصنائع في عهد محمد علي
قد اشتهر أن هذا القطر زراعي، وأن الصنائع لا تقوم لها قائمة لخلوه من الفحم والحديد وكثير من المواد. نعم إنه قطر زراعي، ولكن أليس من أنواع المزروعات ما هو من مواد الصناعة؟ وهل مصر خالية من كل المواد الأخرى الصالحة لها؟ ثم هل خلو بلد من البلدان من بعض مواد الصناعة حائل دون الاشتغال بها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فبماذا نفسر اشتغال جمهور الصناع بإنجلترا بصناعة المنسوجات القطنية مع أن الجزر البريطانية لا تنبت فيها شجرة القطن؟ فالحق في ذلك أن الهمم تذلل الصعاب، وأن الصنائع في مصر ميسورة بوجود كثير من خاماتها، وسهولة جلب الكثير من المواد الأخرى إليها؛ لتوسط موقعها، ورخص ما تتكلفه الصنائع فيها برخص مرافق الحياة، خصوصا لطبقة الصناع والعمال.
وقد كان هذا القطر في تاريخه القديم صناعيا، بل كانت شهرته الصناعية تسامي شهرته الزراعية، وليس في كل بلدان أوروبة الفحم والحديد، ولم يحل ذلك دون اشتغال أهلها بالصنائع المختلفة. وقد استغنى كثير من بلادها عن الفحم - والحاجة أم الاختراع - فحولوا تيارات الأنهر إلى قوة دونها بمراحل قوة نار الفحم، مع رخص الأولى وغلاء الثانية.
والصنائع يتولد بعضها من بعض، وتنمو وتتناسل كالكائنات الحية، فقليلها يكون كثيرا على توالي الأيام متى صدقت العزائم وتوجهت الهمم.
لذلك نعرض على القراء صفحة من تاريخ مصر في أيام محييها جدنا الأعظم محمد علي؛ ليروا ما أنتجته قوة العزيمة من الصنائع، التي تولاها الذبول بموته إلى أن أصبحت اليوم أثرا بعد عين، ولو عني بها خلفاؤه عنايته بها لكان لمصر منها ثروة عظيمة، ولربما تغير تاريخها فعاشت مستقلة عزيزة الجانب إلى الآن.
الفائدة التي نريد أن نستخلصها من هذه العبرة اليوم هي صلاحية بلادنا لكثير من مختلف الصنائع، وصلاحية أهلها للنبوغ فيها، وأن الاستقلال الحقيقي الذي غرس بذوره محمد علي في مصر، والذي نروم أن نظفر به الآن لا يتم لنا والبلاد مفتقرة افتقارا معيبا في شئونها الاقتصادية إلى غيرها، وليس ذلك فقط، بل هي مهددة في المادة الوحيدة التي عليها المعول في حياتها بما ستنتجه المستعمرات البريطانية عاجلا أو آجلا من القطن، فيجب أن يجعل المصريون ذلك نصب أعينهم، ويعدوا له عدته حتى لا تفاجئهم الكوارث بغتة وهم غافلون. وإننا ننقل هذه الصفحة التاريخية من كتاب مانجان وكلوت وهامون مع الاختصار والتلخيص: (1) مصانع الغزل والنسيج بالقاهرة (1-1) مصنع الخرنفش
في مصنع الخرنفش مائة دولاب؛ عشرة لغزل الخيط الثخين، وتسعون للخيط الدقيق، وفي الأولى مائة مغزل وثمانية، وفي الأخرى مائتان وستة عشر مغزلا. وهذا هو المتبع في هذه الصناعة، فكل دولاب للخيوط الثخينة يكون بإزائه تسعة للخيوط الدقيقة.
وفي المصنع نحو السبعين آلة لتجهيز القطن قبل غزله مع نحو هذا العدد من عدد دواليب الغزل.
وفي قسم النسيج ثلاثمائة نول لصنع البفتة والبصمة والشاش الموصلي والباتستة وغيرها، وبعدما تبيض هذه المصنوعات بالمبيضة التي أنشئت لهذه الغاية بين بولاق وشبرا تعاد إلى مخازن الخرنفش لتباع فيها. ويباع ثوب البفتة الجيدة الذي عرضه ذراعان وطوله اثنتان وثلاثون ذراعا بستين قرشا، والتي أقل جودة بخمسين قرشا، وثوب الباتستة الذي عرضه ذراعان إلا ربعا وطوله سبع عشرة ذراعا ونصف ذراع بخمسة وثلاثين قرشا، وثوب الشاش الموصلي الذي عرضه ذراعان إلا ربعا وطوله اثنتان وثلاثون ذراعا بخمسين قرشا.
وكان البيع أولا بالنقد والنسيئة، ثم أبطلت النسيئة على أثر الخسائر الفادحة الذي كانت سببا فيها.
وفي مصنع الخرنفش ورش للحدادة والسباكة والبرادة والخراطة والنجارة ألحقت به لتصليح ما يعطب من آلاته. (1-2) فابريقة مالطة
وشيد في بولاق مصنع أكبر اتساعا من مصنع الخرنفش يديره مسيو جومل - موجد قطن مصر وهو منجمها الذهبي - وسمي «فابريقة مالطة» لوجود صناع من المالطيين فيه بكثرة، وفيه ما في مصنع الخرنفش من دواليب الغزل ولواحقها، وآلات تجهيز القطن ، إلا أن قسم النسيج فيه مائتا نول فقط، وأقسامه الصناعية للحدادة والبرادة والخراطة والنجارة لم تعد فقط لإصلاح آلاته، بل أعدت فوق ذلك لإصلاح آلات مصانع الوجهين البحري والقبلي، وفضلا عن ذلك ففي فابريقة مالطة: (1) ورشة نجارة صناعها فرنسيون وأروام تصنع نماذج وأشياء أخرى من الدقة والنفاسة بمكان. (2 و3) ورشتان للخراطة لكل منهما آلة ضخمة يديرها ثمانية ثيران؛ لتتحرك دواليبها، وتتحرك بها صوان وأقلام من الفولاذ للتضليع والتخريم، ومثاقب ومحافر، ومناشير لنشر الخشب والنحاس، ومخارط عديدة. (4) مخرطة كبيرة ومرازب تحركها آلات تدور بواسطة الثيران. (5) مطرقة ومنفاخان تتحرك بآلة تدور بأربعة ثيران. (6) أما المسبك ففيه بعض العيوب، فالأفران ليست محكمة الوضع، والرمل المستعمل ليس مدقوقا دقا كافيا، وفي كثير من الأحيان يفسد العمل؛ لأنهم لا يدعون القوالب تجف الجفاف المطلوب.
وفي هذا المسبك ثمانية أفران موقدة دائما، وعماله مصريون، إلا أن رؤساءه من السوريين.
وبالقرب من فابريقة مالطة ثمانون حانوتا لصنع مراسي المراكب وما يلزم لبناء السفن الحربية. وما يستهلك من الحديد والفحم في هذه المصانع عظيم المقدار جدا. (1-3) فابريقتا إبراهيم أغا والسبتية للغزل
ويشاهد بجوار فابريقة مالطة مصنعان لغزل القطن: أحدهما يسمى فابريقة إبراهيم أغا، والثاني فابريقة السبتية، وفيهما تسعون دولابا للغزل، وستون آلة لتجهيز القطن للمغازل، وليس فيهما ورش للصنائع الأخرى اكتفاء بورش فابريقة مالطة. (1-4) مصنع النسيج وأمشاط الغزل بحي السيدة زينب
وفي حي السيدة زينب أنشئ مصنع لصنع أمشاط الغزل، يخرج في الشهر ثلاثين مجموعة من الأمشاط اللازمة لمعامل الغزل، ويصلح الأمشاط التي أصابها تلف. وفي هذا المصنع قسم للنسيج فيه ثلاثمائة نول وخمسمائة عامل، وهو يخرج في الشهر ألفي ومائتي ثوب طول كل منها اثنتان وثلاثون ذراعا، وعرضه ذراعان. (1-5) مصنع نسيج البركال
وبالقرب من «مبيضة بولاق» أنشئ بناء حسن تم سنة 1833م، ونصب فيه مائة وخمسون نولا للنسيج، منها تسعة تدار بآلة بخارية. والطابق العلوي من هذا البناء خاص بالغزل، والنول الواحد يخرج في الأسبوع أربعة أثواب من الصنف الرقيق المسمى بركالا. والثوب أربعون ذراعا في عرض ذراع ونصف ذراع. وفي هذا المصنع أربعة من الإنكليز يتولون إدارته، ويعلمون المصريين الصنعة. (1-6) المبيضة
ظهرت مبان جديدة بين بولاق وشبرا خططت بذوق سليم، ومن جملتها منازل خلوية، وحظيرة واسعة؛ لتبيض الأثواب فيها بطرق مختلفة. وتطبع أثواب البصمة بواسطة الألواح أو الأسطوانات، ويطبع في الشهر نحو الثمانمائة ثوب من البصمة التي برعت مصر في صنعها، فأقبل عليها الجمهور، وفضلها على الواردة من ألمانيا وإنجلترا؛ بسبب ما تمتاز به من دقة الصنع، ومتانة النسج، وجمال الرسم، وثبات الألوان على كثرة الغسل، فزاحمت وارد البصمة من الخارج حتى قل هذا الوارد.
وشيد أيضا في شبرا شهابية، وشبين، والمحلة الكبرى، والمنصورة مبيضات أخرى، مثل مبيضة القاهرة، والأثواب المعدة للبيع تلمع في هذه المبيضات ثم تطوى، ويباع ثوب البصمة الملون باليد بخمسة وسبعين قرشا، والمبصوم بالآلة بستين قرشا. وتطبع المبيضة المناديل التي تزين النساء بها رءوسهن، وتخرج من هذا الصنف في الشهر نحو الأربعمائة ثوب من الشاش الموصلي «الموسلين»، ويعمل من الثوب الواحد الذي طوله اثنتان وثلاثون ذراعا ستة وعشرون منديلا، تلون وتطبع على ألواح خشب البرازيل أو باليد. ويباع المنديل بستة قروش إلى عشرة حسب جودة نقشه، وبستة عشر قرشا إذا كان ملونا باليد بالألوان القرمزية. (2) بقية مصانع القاهرة (2-1) مصنع الحرير
المنسوجات الحريرية تصنع في مصر منذ الأزمنة القديمة، غير أن محمد علي أراد أن يوسع نطاق هذه الصناعة فغرس ملايين الأشجار من شجرة التوت لتربية دود القز، وكان أول مصنع أنشأه بالقاهرة هو مصنع الحرير بحي الخرنفش، فقد أنشأه سنة 1816م،
1
وأحضر له أساتذة الصنعة من فلورنسا من أعمال إيطاليا، ولكنه ما لبث أن نقله إلى محل آخر بالقاهرة، فأصبح مصنع الخرنفش خاصا بالمنسوجات القطنية، وجلب لمصنع الحرير الجديد من الآستانة أساتذة أكفاء أكسبوه شهرة واسعة، وتخرج على أيديهم صناع مهرة من المصريين. وكان أولا تصنع فيه القطيفة وأثواب الخز الرقيقة. وفيه الآن مائتا نول تنسج عليها المنسوجات الحريرية المختلفة، ومن بينها منسوجات مطرزة بالأسلاك الذهبية، ومصنوعاته مثل مصنوعات الآستانة والهند ذات رسوم جميلة، وألون زاهية، غير أن ألوانها لم تبلغ ثبات ألوان المصنوعات الهندية. (2-2) مصنع الجوخ
أقيم مصنع الجوخ في بولاق على شاطئ النيل منذ سنين، ولكن صناعته مرت في سلسلة من التجارب طويلة، وصادفتها عقبات كأداء كلفت الخزانة أموالا باهظة، إلا أن الوالي الذي جمع بين البراعة الفائقة والصبر غير المتناهي في تنفيذ مشاريعه، لم تثن عزيمته هذه الصعاب، بل كانت كأنها مغرية له على المثابرة، فأمر وكلاءه في مرسيليا أن ينتخبوا له رؤساء للعمل من المهرة يكونون أقدر ممن سبقوهم، فوقع اختيارهم على خمسة فرنسيين من مهرة مصانع الجوخ في لانجدوك.
وبعد أربع سنين قضوها في تكوين تلاميذ حاذقين في الصنعة، وتدريب آخرين على إدارة الآلات؛ تخرج من مصنع بولاق غزالون، ونساجون، وكباسون، وقصاصون، وصباغون، وعصارون بارعون. ولم يكتف الوالي بذلك، بل أرسل كثيرا من الشبان المصريين إلى فرنسا، وألحقهم بالبعثة المصرية ليتعلموا هذه الحرف المتنوعة في مصانع ريمس وألبيف تحت إشراف رئيس البعثة.
وفي مصنع بولاق الآن مائة نول للنسيج تخرج في الشهر مائة وثمانين ثوبا، وتدور أنواله بآلتين يحرك كلا منهما ثمانية ثيران، والعمل جار الآن لإقامة مائة نول أخرى فيه. ويحتوي مصنع الجوخ على كثير من العدد وآلات الكبس والعصر وغيرها من الأجهزة والأسطوانات، وفي مصبغته ست خابيات من القصدير، بينها اثنتان من النحاس للون الأزرق. والألوان المستعملة لصبغ الجوخ هي الأزرق الأدكن، والأزرق السماوي، والأحمر، والبني، والأخضر الأدكن «الغامق».
وتتكلف ذراع الجوخ ثمانية قروش وسبع بارات. ومعظم جوخ بولاق من الصوف الخالص.
وبالقاهرة مصانع أخرى للمنسوجات الصوفية غير مصنع بولاق إلا أن ما يصنع فيها من الصوف الواطئ، ويرسل ما يصنع فيها إلى مصنع بولاق لدهسه وكبسه. ويبلغ ما تخرجه هذه المصانع عشرين ألف ذراع في الشهر تستهلك في ملابس الجنود، وبخاصة رجال البحرية بالإسكندرية.
وصوف دمنهور والمنية أحسن الأصواف التي تستعمل في مصانع الجوخ. وقد استعمل فيها أيضا صوف تونس. أما صوف ألبانيا وسورية فأظهرت التجربة عدم صلاحيته.
ولتربية الصوف الصالح لهذه الصناعة يجب أن تحفظ الأغنام من التراب، ولا تعرض لحرارة الشمس، وأن تغسل قبل جزها.
وبلغ من عناية محمد علي بصناعة الجوخ والصوف أن جلب لها الأغنام الأوروبية المعروفة بالمرنوس، وأنشأ لها المراحات الواسعة، قال هامون، ناظر مدرسة البيطرة والإصطبلات الأميرية، في كتابه، ما ملخصه:
إن صوف الأغنام المصرية، بسبب طوله وخشونته وصلابته، كان من النوع غير الجيد لصنع الجوخ والطرابيش والثياب الرقيقة؛ لذلك كان يشتري العزيز من صوف غنم أوروبة بنحو الثمانمائة ألف فرنك سنويا، فأراد أن يوفر هذه المبالغ الطائلة فاشترى عددا وافرا من أغنام أوروبة المعروفة بالمرنوس.
ولما أصيبت بالأضرار؛ لجهل رعاتها العرب وقلة المراعي، صدرت أوامره ببناء مراحات لها بجهات سبرباي، ومحلة روح، والمنصورة وغيرها، وكلفت من قبله أن أنظر في أحوالها. وقد عملت لها لائحة إجراءات تتبع في كل جهة. وقد تولد منها ومن الأغنام المصرية نتاج حسن الصوف ينتفع به في الصنعة، واتخذت الإجراءات لتجنيس الأغنام المصرية بها في عموم أنحاء الوجهين القبلي والبحري. وبلغ عدد الأغنام الأوروبية سنة 1837م سبعة آلاف وخمسمائة وثمانية وأربعين. (2-3) مصنع المنسوجات الصوفية
المنسوجات الصوفية التي تصنع في مصانع مصر خاصة بكسوة الجنود البحرية وأغطيتهم «البطاطين»، وصوفها من النوع الغليظ الوارد من الوجه القبلي. وبهذه المصانع أربعمائة نول. (2-4) مصنع الحبال
وأقيم في القاهرة مصنع كبير للحبال ترسل مصنوعاته إلى دار الصناعة «الترسانة» بالإسكندرية؛ ليضم إلى ما يصنع فيها من هذا النوع لحاجة الأساطيل المصرية. (3) مصانع الوجه البحري (3-1) مصنع الطرابيش بفوة
ومن المعامل التي أفادت مصر مصنع الطرابيش بفوة، وهو من حيث النظام والاقتصاد وجودة المصنوعات في الدرجة الأولى بين المصانع المصرية، وأول مدير له تاجر مغربي، جلب إليه الصناع من تونس. وقد تعلم المصريون تحت إدارتهم جميع فنون هذه الصناعة، وصاروا الآن هم المعلمين به. والحكومة تجلب له الصوف من أليكانت. ولا يغسل هذا الصوف قبل صنعه؛ لأنه نظيف جدا، حتى لم يكن ينقص من وزنه بعد صنعه إلا القليل، أو لا ينقص شيء على الإطلاق. ولا بد من دهنه، فلكل رطل من الصوف نصف رطل من الزيت، ولا يمكن صنعه إلا بعد إجراء هذه العملية. ويصنع كل طربوش من خيط واحد لا من خيوط متعددة. وعندما توضع في المكبس تترك فيه ثلاثة أيام مع الاستمرار في صب الماء المغلي عليها، ثم يصب عليها مخلوط الصابون، وتمر في الماء البارد لتنظيفها، وتصبغ بالقرمز والعفص والطرطير والشبة. ويخرج معمل فوة في اليوم سبعمائة وعشرين طربوشا. والصوف المخلوط تصنع منه الطرابيش التي من الصنف الواطئ، وبعدما تأخذ العساكر كفايتها من الطرابيش يباع الباقي لتجار مصر. (3-2) مصانع الغزل بفوة
وفي فوة أيضا مصنعان لغزل القطن بهما خمسة وسبعون دولابا وأربعون مشطا، ويدير آلاتهما ستة عشر ثورا، وفيهما تغزل الخيوط الدقيقة. (3-3) مصنع قليوب
أول ما بني من مصانع الوجه البحري مصنع قليوب، حيث يوجد لصناعة الغزل المواد الأولية، وهو في مكان فسيح، وفيه عدد عظيم من العمال، بينهم كثير من الأوروبيين رؤساء الصناع، وبه سبعون دولابا، وثلاثون مشطا تديرها ثلاث آلات. وبني في قليوب أيضا مسبك ومصنع لصنع أنوال النسج. (3-4) مصنع شبين الكوم
وفي شبين الكوم من أعمال المنوفية يوجد مصنع فيه سبعون دولابا للغزل وثلاثون مشطا، وما يغزل في هذا المصنع يرسل إلى القاهرة. (3-5) مصنع المحلة الكبرى
في المحلة الكبرى بناء فسيح فيه مائة وعشرون دولابا للغزل وستون مشطا، وفيه أيضا مائتا نول للنسج تنسج عليها الثياب اللازمة للأهالي. ويحتوي البناء المذكور على مسابك ومصانع للحدادة والبرادة والخراطة لأجل صنع دواليب الغزل والأمشاط وغيرها من الآلات التي تحتاج إليها مصانع الغزل الأخرى. (3-6) مصنعا زفتا وميت غمر
وفي زفتا بمديرية الغربية مصنع للغزل فيه خمسة وسبعون دولابا للغزل وخمسون مشطا. والخامات اللازمة لهذا المصنع تأتي إليه من المحلة الكبرى، وفي منية غمر مصنع مثل مصنع زفتا في عدد دواليبه وأمشاطه وآلاته. (3-7) مصنع المنصورة
وفي المنصورة مصنع للغزل ومخزن، وفي المصنع مائة وعشرون دولابا وثمانون مشطا. وفيها أيضا مصنع للنسج به مائة وستون نولا. ومن لواحقهما مسبك ومصنع للحدادة والبرادة والخراطة. (3-8) مصنع دمياط
وفي دمياط مثل ما في المنصورة من مصانع الغزل والنسج. (3-9) مصنع دمنهور
وفي دمنهور مصنع فيه مائة دولاب للغزل وثمانون مشطا، ومصنع للنسج ينسج فيه الصوف الذي تصنع منه الكبابيت والبطاطين اللازمة للجيوش البرية والبحرية. ومنسوجاته تنقل إلى مصنع الجوخ ببولاق لتكبس وتصبغ. (3-10) مصنع رشيد
lوفي مدينة رشيد مصنع فيه مائة وخمسون دولابا للغزل وثمانون مشطا، وفيها أيضا مصنع لنسج القلوع، كما أن بها مصانع للحدادة لعمل ما يلزم السفن. وقد ركب برشيد مستر توماس جالوي، الميكانيكي الإنكليزي، آلة بخارية؛ لتدير طواحين تبييض الأرز، وأسس مسيو روسي مدبغة على نسق مدابغ أوروبة، والحكومة كانت تبيع له الجلد النيئ، وهو يبيعه لها مدبوغا بثمن متفق عليه. (4) مصانع الوجه القبلي (4-1) مصنع بني سويف
أشهر مصانع الوجه القبلي مصنع بني سويف، وهو للغزل فقط، وفيه مائة وعشرون دولابا وثمانون مشطا تدار بثلاث آلات بواسطة الثيران. (4-2) مصنع أسيوط
وفي أسيوط معمل غزل فيه مائة وعشرون دولابا وثمانون مشطا أيضا. والمغزول في هذا المصنع والمصنع السابق يرسل إلى القاهرة لنسجه وبيعه. (4-3) المصانع الباقية
شيد الوالي غير المصنعين السالفي الذكر ستة مصانع بالمنية، وفرشوط، وطهطا، وجرجا، وقنا، وإسنا، وهي في حركة مستمرة، إلا أن الحكومة غير راضية عن حاصلاتها؛ ولذلك أرسلت إليها مفتشا لينظمها تنظيما آخر موافقا للبلاد التي هي فيها. (5) مصانع الكتان
وقد أنشأ الوالي أيضا مصانع للكتان كثيرة في القاهرة، وفي الوجهين البحري والقبلي. وأكثر هذه المصانع في الوجه البحري، وجملة ما في هذه المصانع من الأنوال ثلاثون ألف نول، ويبلغ ما تنتجه في السنة ثلاثة ملايين مقطع يستنفد أكثرها في القطر المصري، ويصدر الباقي إلى تريستا وليفورن. (6) إجمال لما هي عليه مصانع الغزل بمصر وملاحظات خاصة
في مصانع الغزل بمصر ألف وأربعمائة وتسعة وخمسون مغزلا، منها مائة وخمسة وأربعون لغزل الخيط الثخين، وألف وثلاثمائة وأربعة عشر لغزل الخيط الدقيق. وتخرج المغازل الأولى في الصيف يوميا أربعة عشر ألفا وخمسمائة رطل، وفي الشتاء عشرة آلاف ومائة وخمسين رطلا يوميا، وتخرج الثانية في يوم الصيف ثلاثة عشر ألفا ومائة وأربعين رطلا، وفي يوم الشتاء ثمانية آلاف وخمسمائة وأربعين رطلا.
وعدد أنوال النسج ألف ومائتان وخمسة عشر نولا، تصنع في اليوم من أيام الصيف ستة آلاف وخمسا وسبعين ذراعا من النسيج، وفي اليوم من أيام الشتاء ثلاثة آلاف وستمائة وخمسا وأربعين ذراعا.
ويصدر إلى إيطاليا وألمانيا جزء من القطن المغزول، والباقي ينسج في مصر، وتصدر التجار من المنسوجات المصرية مقادير إلى سورية وآسيا الصغرى وجزر الأرخبيل.
ومن الممكن زيادة حاصلات هذه المصانع بقدر الخمس على الأقل إذا روقبت العمال مراقبة دقيقة، ودفعت أجورهم بنظام.
ويبلغ عدد العمال واحدا وثلاثين ألف عامل وفي أخلاقهم وعنايتهم بعملهم بعض المآخذ.
وكان المنتظر أن تربح الحكومة ربحا عظيما من هذه المصانع؛ لأنها تشتري القطن بأثمان رخيصة، وتستخدم العمال بأجر زهيدة، ولكن المصروفات الباهظة في مشترى الآلات الكثيرة، وفي استهلاك الخامات الجسيمة، وفي إقامة المصانع الجديدة؛ استنفدت ما كان ينتظر من الربح وزيادة.
أما من حيث الأصناف التي تخرجها الصناعة المصرية فقد راجت رواجا عظيما أضر بواردات إنجلترا التي من نوعها، خصوصا المصنوعات الواطئة والبصمة. وكان المستهلك من البفتة الهندية في مصر عظيما، فانقطع ورودها بعدما حلت محلها البفتة المصرية. ومنسوجات البنغال كذلك أصبحت أثرا بعد عين.
ولولا خوف الإطالة لذكرنا الأسباب التي مكنت هذه المصانع الحديثة من مزاحمة مصانع أوروبة، وأوردنا ما لها من المزايا التي ترجع بالفائدة على الحكومة وأهل البلد، غير أننا نرى التوسع فيها أزيد من الحاجة ليس من فائدة مصر. ولعل كثيرا من الأيدي التي تستخدم في بناء المعامل وإدارتها من الأنفع للبلد استخدامها في الزراعة، وفي ضمير الزمن ما يخبئه القدر لهذه المصانع من التقدم أو الرجوع إلى الحدود المعقولة. (7) بقية المصانع (7-1) مصنع ألواح النحاس بالقلعة
ألواح النحاس تستعمل لتبطين السفن، وقد أعد لها مصنع بالقلعة تحت إدارة توماس جالوي الإنجليزي. ويعمل معه أربع رؤساء عمل ماهرون من الإنجليز: اثنان للأسطوانة، وواحد للآلة البخارية، والرابع للسبك وتخليص النحاس من المواد الغريبة.
أما العمال المصريون فعشرون موزعون على الأعمال المختلفة، وفي كل عملية سبك يستعمل خمسة وثلاثون قنطارا من النحاس. وتخرج الأسطوانات كل يوم سبعين لوحا إلى مائة لوح ذات مقاسات مختلفة، والنحاس المصنوع جزء منه من داخلية القطر، والباقي يجلب من تركيا وتريستا وليفورن، بعضه على شكل ألواح، ومعظمه على شكل قوالب. ويلزم لكل عملية سبك خمسة وعشرون قنطارا من الفحم. وقد يصل ذلك إلى أربعين قنطارا حسب اختلاف سمك الألواح المصنوعة.
وتجلب مصر الفحم من إنكلترا، وقد ابتاعت الحكومة أخيرا صفقة من هذا الوقود مقدارها مائة وثمانون ألف قنطار. ويستهلك المصنع كل يوم مائة وعشرة قناطير إذا لم يشتغل ليلا، وإلا زاد المستهلك من الفحم ستين أو سبعين قنطارا. (8) معامل السكر بالوجه القبلي
في سنة 1818م، بنت الحكومة معملا للسكر في الريرمون بمديرية المنية على نظام معامل السكر بجزر الهند الغربية، وأداره في أول الأمر أحد الإنجليز، ثم خلفه صاحب مصنع في جزيرة كورسيكا، امتازت إدارته في عهده بالنظام والاقتصاد؛ فاتسعت أعماله، وصارت حاصلاته الجيدة تستهلك في البلد، ولكن في سنة 1826م أضرت به واردات السكر المكرر من أوروبة لأن الناس فضلوها على سكر الريرمون؛ لجودتها ورخص ثمنها.
وقد أصبح السكر من مواد الاستهلاك المهمة في الثغور البحرية، وعند سكان القاهرة والوجه البحري. وفي سنة 1833م، صنع معمل الريرمون اثني عشر ألفا وتسعمائة وخمسة وتسعين قنطارا من السكر الخام، وبنت الحكومة مصنعين آخرين للسكر؛ أحدهما في ساقية موسى بمديرية المنية، والثاني في الروضة بالقرب من ملوي. وفي مصنع الريرمون استعمل أربعة آلاف وثمانمائة قنطار من العسل لتقطير الروم؛ فأنتجت ثمانية وأربعين ألف أقة روم من درجة 28. (9) مصانع الزجاج
كان الزجاج يصنع في مصر قبل ولاية محمد علي، إلا أن مصنوعاته فضلا عن رداءتها كانت لا تفي بحاجة القطر؛ فأنشأ لذلك مصنع الزجاج بالإسكندرية، وجاءت مصنوعاته كمثيلاتها بأوروبة، واستعملت في سائر أنحاء البلاد، ثم أنشأ معملا آخر للزجاج على مسافة قريبة من ضفاف المحمودية، وعلى بعد بضعة فراسخ من الإسكندرية بالجهة التي تعرف الآن بمعمل الزجاج.
ويفكر الوالي في إنشاء غابة من الأشجار بالقرب من هذا المعمل الجديد ليتخذ الوقود اللازم له منها.
هذا وفي البلاد مصانع أخرى - أنشئت حديثا - لتحضير النيل «النيلة»، ومعاصر لأصناف الزيوت ضربنا عن ذكرها بالتفصيل صفحا.
وقد أتينا في رسالتنا «الجيش المصري البري والبحري» على ذكر دار الصناعة بالإسكندرية «الترسانة» وما فيها من مختلف الصناعات لبناء السفن. وسنذكر في الرسالة الآتية معمل البارود بالروضة، ومسبك بولاق الكبير، فاستغنينا بذلك عن ذكرها هنا.
الفصل الثاني
المدارس الحربية والمعامل العسكرية
كتبنا منذ أمد قصير رسالتنا في الجيش المصري البري والبحري في عهد محمد علي، وكان ذلك على أثر ما نشر في بعض الجرائد عنه، تنويها بما كانت تملكه مصر في ذلك الحين من القوة العسكرية التي صانت بها بيضتها، وذادت عن حياضها، وفتحت ما جاورها من الممالك. وقد اطلعنا أخيرا على بحث في إحدى جرائدنا أيضا عن المدرسة الحربية الوحيدة التي تملكها مصر الآن، يراد به بيان ما هي عليه من القصور، وما يجب أن يكون فيها إذا أريد إصلاحها، فلفت ذلك نظرنا إلى ما كان لمصر في عهد جدنا الأعظم محمد علي من المدارس الحربية المتنوعة، والمعامل العسكرية المتعددة، ورأينا في نشر ذلك على الجمهور المصري تذكيرا بأوليتهم، وتعريفا بماضيهم القريب يجب أن يكونوا على بينة منه.
وقد ترجمنا هذه الفصول من كتاب مانجان، قنصل فرنسا الجنرال بمصر في عهد محمد علي؛ لأنه أوفى ما كتب في هذا الصدد، وهو كتاب مشاهد رأى بعيني رأسه ما دونه، فهو من هذه الجهة وثيقة تاريخية قيمة، وتحفة ثمينة من كنوز تاريخ مصر الحديث، في أيام محييها ومنشئها محمد علي، يجدر بأبناء الجيل الحاضر أن يدرسوها ويحيطوا بها علما، حتى يقفوا على سر تلك النهضة الفائقة التي رفعت مكانة مصر بين العالمين في ذلك الحين، وجعلت الغربيين يرمقونها بعين الإكبار، ويدونون أخبارها باهتمام عظيم فاق اهتمام بنيها أنفسهم.
ولعل القارئين لهذا الأثر، وفيه ما فيه من ذكرى صالحة تستنهض الهمم الراقدة، يسترشدون بهذا الماضي المجيد في حياة مصر الحاضرة والمستقبلة، ويجعلونه نورا بين أيديهم، قال مانجان في كتابه «تاريخ مصر في عهد محمد علي»: (1) المدارس الحربية والمعامل العسكرية
إذا أراد صاحب البلاد أن يكون لها جيش على النظام الحديث، مؤلف من المشاة والفرسان ورجال المدفعية، فإن هذا الجيش يحتاج إلى مدارس تقوم بمهمة تخريج الضباط اللازمين لمختلف هذه الأسلحة، وإلى مستشفيات تعتني بأفراده إذا مرضوا، ولا بد فضلا عن ذلك أن تكون له إدارة حربية تشرف على هذا العمل العظيم؛ إذ بدونها لا يتأتى وجود جيش منظم.
فمحمد علي الذي شغف بتمدين مصر اقتنع بهذه الحقيقة، ولم يهمل شيئا قط للوصول إلى هذا الغرض، فقد أحضر من مختلف بلاد أوروبة أساتذة وأطباء وصيادلة ومعلمين، وشيد في أماكن اختيرت أحسن اختيار تلك المدارس والمستشفيات. وهذا العمل الكبير الذي هو وليد فكرة محمد علي وحدها ابتدأ اهتمامه به منذ عشر سنوات، وظهرت نتائجه الباهرة الآن، بعدما امتدت يد الإصلاح إلى كل فرع من فروع التعليم، وخطت المدارس كافة خطوات واسعة المدى، فأتت بأحسن النتائج التي تسترعي نظر القارئ. وسأتكلم فيما بعد عن هذه المعاهد النافعة بإسهاب.
عرف محمد علي أن أساس تقدم أوروبة، لا سيما فرنسا، التي كان يقلدها في كل شيء، إنما قام على بث روح التعليم، فاهتم اهتماما عظيما ببث هذا الروح في بلاده التي كان مولعا بها، وأنشأ مجلسا للمعارف مؤلفا من رئيس وثلاثة أعضاء اصطفاهم من خيرة الرجال. وقد أدى هذا المجلس وظيفته وقام بواجبه بكل نشاط، وكان يعقد جلساته كل يوم في ذلك البناء المقام على أنقاض القصر الذي سكنه من قبل القائد العظيم بونابرت وخلفاؤه في حي الأزبكية. ومختار بك، ناظر المعارف والأشغال العمومية، هو الذي اختير رئيسا لهذا المجلس.
وقد تأسس في القاهرة معهد به رهط عظيم من التلاميذ وزعوا على كثير من الفصول، وكان بعضهم يتلقى اللغة الفرنسية، والبعض الآخر اللغة العربية، واختص فصلان بدراسة اللغتين التركية والفارسية. وهذا المعهد عين له ناظر أخذ على عاتقه حفظ النظام بين تلاميذه الذين كان كلهم داخلية.
1
وكان تحت إدارة مجلس المعارف المذكور أيضا مدرسة المدفعية بطرا، ومدرسة الفرسان بالجيزة، ومدرسة المشاة بدمياط - وهذه الأخيرة وحدها كان فيها مائتا تلميذ يتعلمون اللغتين العربية والتركية، والرياضة، وكيفية استعمال الأسلحة - ثم مدرسة الطب البيطري وباقي المدارس الابتدائية المنتشرة في أنحاء المديريات.
وكان مسيو لينان، رئيس مهندسي القناطر والجسور، يتلقى الأوامر من المجلس المشار إليه، ويحيل ما يلزم إحالته منها على التابعين له.
ومدرسة الزراعة بنبروه كانت أيضا تحت إشراف مجلس المعارف المذكور، وكان فيها أربعة معلمين فرنسيين يعلمون أربعين تلميذا من أبناء الفلاحين علم الفلاحة، ويطلعونهم على أساليب إصلاح الأرض وزرعها. (1-1) مدرسة الطب والمستشفى العسكري والمجلس الصحي
شيد بين قريتي الخانقاه وأبي زعبل، على الأوضاع والرسوم التي قام بتخطيطها الدكتور كلوت بك، رئيس أطباء الجيش، بناء هذا المستشفى الجامع، الذي أدى وظيفته الأصلية باستعداد تام من حيث معالجة المرضى، وكان فوق ذلك مدرسة طب يتعلم فيه التلاميذ ويطبقون العلم على العمل.
ويرى الزائر حول هذا المستشفى حقلا جميلا زرعت فيه العقاقير والنباتات الطبية، وحوى ما كان نادر الوجود جدا منها.
وفي مدرسة الطب التي به ثمانية من نوابغ المدرسين يتلقى عنهم التلاميذ علوم التشريح، والجراحة، والأمراض الباطنية والظاهرية، والطب الشرعي، والطبيعة، والكيمياء، والنبات، وأربعة مدرسين آخرون للغة الفرنسية، ومترجمان يقومان بترجمة ما يلزم لمدرسة الطب ومدرسة الصيدلة معا.
وبلغ عدد هؤلاء التلاميذ مائة وأربعين بمدرسة الطب، وخمسين تلميذا آخرين يدرسون فن الأقرباذين في قسم الصيدلة. وفي نهاية كل سنة يمتحنون جميعا ليعرف مبلغ ما حصلوا عليه.
وقد وسعت غرف المستشفى سبعمائة وعشرين سريرا. وهي غرف نسقت تنسيقا بديعا، وتخللها الهواء الطلق، وحلت النظافة منها في كل مكان؛ حيث نيط بمدرسي مدرسة الطب ملاحظة خدمة المستشفى، فقاموا بذلك وبالتدريس في آن واحد.
ودعت حاجة مدينة القاهرة إلى إقامة مستشفى آخر في ميدان الأزبكية يسع ثلاثمائة سرير لمرضى الرجال، ومائتين لمرضى الإناث. وهو تابع للمستشفى الأول بأبي زعبل، وفرع منه تنقل مرضاه إليه عندما يكثر عددهم، أو تكون أمراضهم خطرة، كما أنشئ مستشفى خاص بالولادة له أساتذة وطلاب عديدون، ومدرسة للقابلات تحت إدارة إحدى قابلات باريس الماهرات.
وأما المجلس الصحي فكان أعضاؤه أربعة، اختيروا من مشاهير الأطباء الذين في خدمة الوالي، يرأسهم الدكتور كلوت بك. ووظيفة هذا المجلس الأولى السهر على الصحة العمومية، ثم اختيار الأطباء والصيادلة للجيش بعد امتحانهم، وعرض أسماء الناجحين منهم على ناظر الحربية. وكان الأمر كذلك في نقلهم وترقيتهم بعدما يتلقون أوامر الناظر في هذه الشئون. (1-2) مدرسة الطب البيطري
وشيد بالقرب من المستشفى الآنف الذكر مستشفى جميل للخيل كان أيضا مدرسة للطب البيطري، أسسها مسيو م. هامون، وبلغ تلاميذها مائة وعشرين طالبا يدرسون فيها البيطرة على أستاذين فرنسيين. وفي المباني الملحقة بهذه المدرسة إصطبلات كان يوجد بها عادة مائة حصان.
ثم نقلت المدرسة المذكورة إلى شبرا بعدما شيد لها هناك دار فسيحة، ومحل لتربية الخيول والاعتناء بها حوى ثلاثين حصانا من فحول الخيل للنزوان «طلوقة»، وستمائة وسبعين فرسا. (1-3) مدرسة المشاة بالخانقاه
أعدت هذه المدرسة على أحدث نظام ليتعلم فيها أربعمائة شاب مصري قسموا إلى ثلاثة بلوكات. والعلوم التي تتلقى فيها هي التمرينات، والإدارة الحربية، واللغات العربية والتركية والفارسية. وكان بها ضابط جراح للاعتناء بالجرحى والمرضى، وكانت أول ما أنشئت بمدينة دمياط، ثم نقلت إلى الخانقاه. (1-4) مدرسة الفرسان بالجيزة
هذه المدرسة كانت في نفس القصر الذي سكنه المملوك الحربي الشهير مراد بك، والذي قضى فيه بونابرت الليلة التالية لمعركة الأهرام. وهذا القصر يملي علينا ذكريات مجيدة، حتى إن الذين زاروا مصر في هذا العهد لا يزالون يعرفون هذا القصر، رغما عما أدخله الأتراك فيه من التغييرات. وقد أصبح الآن ثكنة جميلة للفرسان، ومدرسة نظمها مسيو فاران، الذي كان أركان حرب المارشال جوفيون سانت سير.
وفي هذه المدرسة يتعلم مائتا جندي حديثو السن مناورات الفرسان، فضلا عن الحركات العسكرية. وهم مشاة، وكانوا يرتدون ملبسا مشابها تمام المشابهة لملبس الفرسان الفرنسيين فيما عدا القلنسوة، ولهم أساتذة يعلمونهم اللغتين التركية والعربية، وضباط لقيادتهم. ونظامها هو نفس النظام المتبع في مدرسة سومور، إلا بعض تغييرات طفيفة استلزمتها الحالة المحلية، وفيها أيضا أساتذة لتعليم اللغة الفرنسية، والرسم، والمبارزة، وترويض الخيل.
ويتعلم فيها التلاميذ فوق ما مضى استعمال النفير «البوق»، وسائر آلات الموسيقى التي تستخدم في فرق الفرسان. وهؤلاء التلاميذ كانوا خليطا من المصريين والأتراك، وهم يتخرجون منها ضباطا لفرق الفرسان متعلمين ومدربين تدريبا حسنا، ولهذه المدرسة كبقية المعاهد الأخرى ناظر مكلف بالسهر على حفظ النظام بين مرءوسيه، وتوقيع الجزاءات، وتوزيع الغذاء والعلف، ورئيسه المباشر هو ناظر الحربية؛ لأنه من الرجال الحربيين. (1-5) مدرسة المدفعية بطرا
أسس هذا المعهد المفيد الكولونيل الإسباني، دون أنطونيو دي سيجويرا، وهو الذي أوحى إلى إبراهيم باشا فكرة وجود مدرسة خاصة بالمدفعية لتخريج ضباط أخصائيين في هذا السلاح؛ إذ قدم منذ أربع سنوات مشروعا صدق على جميع محتوياته، فأسست المدرسة على مقتضاه منذ هذا الوقت، وانتخب لها ثلاثمائة طالب من مدرسة قصر العيني الابتدائية، يتعلمون فيها مبادئ اللغات الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية.
وكان يعطيهم الكولونيل دي سيجويرا نفسه دروس الرياضة والرسم، عدا معلمين آخرين، يعلمونهم ويدربونهم على كيفية استعمال المدافع، فتقدموا تقدما سريعا في العلوم النظرية والعملية، وأظهر الذين أرسلوا منهم في الجيش المغير على سورية نشاطا فائقا ومهارة عظيمة، كما أظهرت المدفعيتان الثقيلة والخفيفة مثل هذا النشاط والمعرفة التامة، خصوصا ضباطهما الذين كانوا ذوي كفاءة ودراية عظيمة بفنهم.
والوالي الذي لا يجهل فائدة مدرسة طرا المدفعية، أراد أن يرى بعيني رأسه نتائجها، فزارها، ثم أبدى سروره وارتياحه من أساتذتها ونظامها ومعداتها، وأظهر ذلك الارتياح بإنعامه في نفس يوم الزيارة على الكلونيل دي سيجويرا برتبة البكوية، وترقيته إلى رتبة جنرال.
ويوجد بالقرب من هذه المدرسة في حظيرة بطرا أربع وعشرون بطارية من المدافع، وفي هذه المدرسة مستشفى خاص يديره أحد الأطباء، ويساعده في ذلك صيدلي؛ لأجل معالجة المرضى. (1-6) مدرسة الموسيقى بالخانقاه
أراد محمد علي أن يكون نظام جيشه كنظام الجيوش الأوروبية، فأمر أن يكون لكل ألاي من الجيش موسيقى، وكلف مندوبيه بفرنسا أن يستحضروا آلاتها، وينتخبوا معلميها، وقد كان ذلك، وقام هؤلاء المعلمون بتعليم هذا الفن للمصريين في زمن وجيز، حتى إن المهارة التي كان يوقع بها الفلاحون المصريون النغمات الموسيقية على النوتات أدهشت جميع الفنيين، وخصوصا الأجانب من جميع الجنسيات، الذين كانت تجذبهم إلى شواطئ النيل شهرة محمد علي، فكانوا يأتون أفواجا لزيارتها، حتى أصبحت هدفا لأنظار أوروبة.
لذلك أسس في الخانقاه معهدا للموسيقى يسع مائة وثلاثين تلميذا، تحت نظر مسيو كاريه، وقام بتدريس هذا الفن فيه أربعة معلمين، دفعتين في اليوم، وبتعليم اللغة العربية معلمون آخرون، وإذا احتاجت ألايات المشاة إلى موسيقيين أمر ناظر الحربية فعمل امتحان لهؤلاء التلاميذ، ومن كان منهم أكثر معرفة فضل على غيره، وألحق بالفرق التي في احتياج إلى موسيقيين. (1-7) مدرسة قصر العيني الابتدائية
هذا البناء الواسع المشيد على شاطئ النيل بين القاهرة والفسطاط كان بادئ بدء محل نزهة ولهو، ثم حوله الفرنسيون إلى مستشفى ذي حصون، وفي إحدى قلاعه وضع رفات القائد الشهير كليبر، ثم غير الترك وضع هذا البناء، وحولوه إلى ثكنة للفرسان، وبعد ذلك أضاف إليه محمد علي مباني جديدة جعلته أكبر مما كان. وفيه الآن ثمانمائة طالب تتراوح أعمارهم بين عشر سنين وخمس عشرة سنة ينتسبون إلى أسر تركية ومصرية. وقد اختير لهم معلمون للغات العربية والتركية والفارسية. وهذه المدرسة إعدادية تؤهل طلبتها للالتحاق بمدارس الطب والمشاة والفرسان والبحرية، وفيها مكتبة تحتوي على خمسة عشر ألف مجلد لمؤلفين فرنسيين وإيطاليين. (2) معامل القلعة وتوابعها
منذ عشر سنوات كانت هذه المعامل شيئا لا يذكر، ولكنها الآن متسعة الأرجاء، وأقسامها الواسعة تشغل جزءا عظيما من القلعة يمتد من قصر صلاح الدين القديم إلى باب الإنكشارية الذي يطل على ميدان الرميلة. وهي تحت إدارة قائد المدفعية أدهم بك، ويشتغل فيها تسعمائة صانع في معامل الأسلحة، يصنعون في الشهر من ستمائة إلى ستمائة وخمسين بندقية. والبندقية الواحدة تتكلف اثني عشر قرشا. ولرؤساء الصناع مرتبات ثابتة، وللعمال أجر يومية.
وفي مصنع خاص تصنع زناد بنادق المشاة، وسيوف الفرسان ورماحهم، وفي معامل أخرى تصنع النيازك «الفواشيك» وحمائل السيوف، وكل ما يتعلق بمعدات المشاة والفرسان، وكذلك اللجم والسروج وملحقاتها. وصناديق المفرقعات ومواسير البنادق تشغل مكانا متسعا جدا. أما أهم هذه المعامل فهو معمل صب المدافع الذي يستدعي بذل مجهود كبير، وانتباه أكبر، ويصنع فيه من ثلاثة مدافع إلى أربعة من عيار أربعة وثمانية أرطال في كل شهر.
وفي بعض الأحيان يصب فيه مدافع الهاون ذات الثماني بوصات، ومدافع من هذا النوع يبلغ قطرها أربعا وعشرين بوصة. وعماله لا يقلون عن ألف وخمسمائة عامل، يستهلكون كمية عظيمة من الحديد والفحم، ولا غرابة في ذلك، فكل وال له جيش عرمرم ومدفعية جسيمة يجب أن يكون له معامل كهذه فيها كل ما يلزم لتموين تلك القوات. (3) معمل البنادق في الحوض المرصود
تأسيس هذا المعمل كان عقب تأسيس معامل القلعة، وفي حوالي آخر سنة 1831م شرع في جمع العمال له وأعد للعمل، وقد كان قبل هذا التاريخ فيه أنوال للنسج.
وألقيت عهدة النظام فيه على عاتق مسيو مارنجو، المولود في مدينة جنوا، والمعروف منذ بضع سنين باسم علي أفندي، والذي اكتسب معلومات وتجارب قيمة في أثناء خدمته بمعامل القلعة تحت إمرة القائد أدهم بك، فاشتغل بهمة وثبات، وتخرج على يديه صناع ماهرون في أنواع صنعة البنادق من جميع الأحجام.
وبلغت طوائف العمال في هذا المعمل ألفا ومائتي شخص، ما بين عامل ورئيس عمال وصبي، وهم يصنعون في الشهر نحو التسعمائة بندقية، منها ثلاثمائة إنجليزية دون مواسيرها. والبنادق المصنوعة في هذا المعمل للمشاة النظاميين والفرسان ورجال المدفعية، على نفس النموذج المستعمل في الجيش الفرنسي. ومتوسط ما تتكلفه البندقية أربعون قرشا.
وكانت تعمل تجربة للمدافع في كل أسبوع عندما يكون الحديد المصنوع منه من نوع غير جيد شبيه بما يستعمل الآن، فتكون النتيجة أن يلقى خمس عدد هذه المدافع ويترك في زوايا الإهمال؛ لأنه لم يحتمل التجربة. وإذا كان الحديد من النوع الجيد الواجب استعماله في هذا العمل الخطير لا تتجاوز الكمية الملقاة منه السدس.
أما البنادق فكانت تصنع صنعا جيدا على العموم، ولأجل معرفة عيوبها بدقة يجب أن يكون الإنسان ذا دراية تامة بكل ما يتعلق بصناعة هذه الأسلحة. والعيوب تأتي من نوع الحديد وليست من عدم مهارة العامل على الأرجح. (4) مسبك الحديد
مسبك بولاق بناء شيد تشييدا فخما، وله منظر جميل ينم عما يؤديه من الخدم العظيمة، والبناء وحده بلغت قيمته مليونا ونصف مليون من الفرنكات، وواضع رسمه هو مسيو جالوي، المهندس الميكانيكي الذي في خدمة الوالي. وقد وضعه على نموذج مسبك لندرة. والمكلف بإدارته رئيس إنجليزي معه خمسة من الإنجليز، وثلاثة مالطيين رؤساء أعمال، وفيه أربعون تلميذا مصريا موزعون على جميع أقسام المسبك.
وفوق ذلك عين له ناظر مكلف بضبط حسابه ومسك دفاتره، يعاونه كاتبان قبطيان في ذلك، وهو يراقب أيضا نظار جميع فروع المسبك، ورئيسه المباشر القائد أدهم بك، مدير معامل القلعة. وهذا الناظر برتبة ضابط. ويصب في هذا المسبك كل يوم خمسون قنطارا من الحديد المعد لصابورة المراكب والآلات التي تصنع في المعامل. وهذه العميلة تستلزم خمسين قنطارا من الفحم الحجري، وتبلغ مصروفات المسبك عشرة آلاف قرش إلى أحد عشر ألف قرش في الشهر، عدا ثمن المهمات. (5) معمل البارود وملح البارود
أقيم بناء هذا المعمل بالمقياس في طرف جزيرة الروضة في مكان فسيح ومناسب؛ لبعده عن جميع المباني الآهلة بالسكان، ومديره هو مسيو مارتيل، الذي كان مستخدما في معمل البارود بمدينة سانت شماس، ويشتغل تحت إدارته تسعون عاملا موزعون على أقسامه الكثيرة، ومن بين هؤلاء العمال ثمانية عشر عاملا يخلطون الكبريت والفحم وملح البارود، وواحد وعشرون عاملا يقلبون البارود في الطواحين. وهي عشر طواحين لكل واحدة منها عشرون مدقة، وتتحرك بعشر آلات تدور بواسطة البغال التي يسوقها عشرة رجال.
ويصنع في اليوم في هذا المعمل خمسة وثلاثون قنطارا من الرش، على يد أربعين عاملا مكلفين بهذه المهمة، وطريقة صنع البارود في مصر هي طريقة التبخير كما أوضحنا ذلك بالجزء الثاني من كتابنا. وهذه الطريقة اقتصادية أكثر من طريقة النار، وقد كثر صنع البارود بمصر بإنشاء كثير من المعامل التي تصنع ملح البارود. وإننا نذكر أسماءها بالتوالي على حسب الناتج من كل منها سنة 1833م:
قنطار
9621
معمل القاهرة
1689
معمل البدرشين
1533
معمل الأشمونين
1279
معمل الفيوم
1250
معمل أهناس
412
معمل الطرانة
15784
قنطار
نامعلوم صفحہ