مطالعه. حتى سئمت الفضائل أهلها ، وحمد من الأراذل جهلها ، فشكا كل أديب من دهره ، وبكى كل أريب من رعاع عصره.
هذا زمان ليس فيه
سوى النذالة والجهاله
ثم هذا ليس إشارة إلى هذا الزمن العديم ، بل العلة عادية ، والبلاء قديم حتى قيل : ما فسد الناس ، وإنما اطرد القياس ، ولا اظلمت الأيام وإنما امتد الظلام ، وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ، ويمسي المرء إلا عن إصباح ، وقديما ما بثت الأفاضل خطوب الدهر ونكوب الزمن ، ونثت (1) من أهوال أحوالها بخس الحظ ووكس الثمن ، وكم جدت بجدودها العواثر في هذه الدنيا لنيل العلياء ، فضربت شرقا وغربا ، وأوغلت بعدا وقربا ، فلم تحصل على طائل ، وما أشبه الأواخر بالأوائل.
وإذا السعي لم يلاحظ بسعد
فالتماس المنى من الحرمان (2)
وهيهات مع شرف العلم عز المال ، ومع حرفة الأدب بلوغ الآمال ، ولا سيما من انتمى إلى بيت النبوة ، وارتدى مع ذلك رداء صيت الفتوة ، فإن الدهر أشد حقدا عليه ، وأسرع نهدا إليه.
نحن بني المصطفى ذوو محن
يجرعها في الحياة كاظمنا
هذا وإني منذ كبر عن الطوق عمري (4)، وارتفع عن منافثة الأتراب عمري ، لم أزل أصابح وأماسي ما يهد أيسره الرواسي ، وأكابد وأقاسي ما يلين أهونه القواسي. أسوق من دهر قصصا ، وأسيغ من غمر غصصا.
صفحہ 14