141

قال المسعودي : وتزعم الهنود أن كل ذي لسان فأصل لسانه إلى داخل وطرفه إلى خارج ، إلا الفيل فإن طرف لسانه إلى داخل وأصله إلى خارج. قالوا : ولولا أن لسانه مقلوب ثم لقن الكلام لتكلم. والهند تشرفه وتفضله على سائر الحيوانات لما اجتمع فيه من الخصال المحمودة ، من علو سمكه ، وعظم جثته ، وبديع منظره ، وطول خرطومه ، وسعة أذنه ، وطول عمره ، وثقل جسمه ، وخفة وطئه ، وقلة اكتراثه لما يوضع على ظهره. وإنه مع كبر هذا الجسم وعظم هذه الصورة يمر بالإنسان فلا يحس بوطئه ، ولا يشعر به حتى يغشاه لحسن خطوه واستقامة مشيه. وهو إذا اغتلم كثر شره وصعبت رياضته ، وربما قتل كل من يلقاه في حال اغتلامه. وفيه من الفهم ما يقبل التأديب ، ويفعل ما يأمره به سائسه من السجود للملوك وغير ذلك من الخير والشر في حالتي السلم والحرب. وهو ذو حقد شديد ، ربما تعرض لمن سبه في وجهه.

قلت : ولقد أخبرني شخص أن فيلا صغيرا وقف على دكان خياط وعبث به فغرز الخياط الابرة في خرطومه ، فتركه ومضى ثم عاد إليه وقد ملأ خرطومه وحلا فنفخ به في دكان الخياط ، فأتلف عليه ما أصاب من الثياب ، وهذا من غريب ما يحكى عن فهمه وفطنته وشدة حقده (2). وحكى أرسطو : أن فيلا ظهر أن عمره أربعمائة سنة ، واعتبر ذلك بالوسم. وإذا دخلت البعوضة أذن الفيل قتلته ، فهو لم يزل يذب عن أذنه ليلا ونهارا. وما أحسن قول أبي الفتح البستي (*):

صفحہ 153