تعالى على هذه القصيدة كتب مقرظا :
أجلت رائد الفطنة في معانيها ، وسرحت صاعد الفكرة في أركانها ومبانيها ، فوجدتها قرة في عين الابداع ، ومسرة في قلب الاختراع ، والحق أحق بالاتباع. فالحمد لله على تجديد معالم الأدب بعد اندراسها ، وتقويم راية البلاغة بعد انتكاسها ، ورد غرائب الفصاحة إلى مسقط رأسها ، [وإزالة وحشتها إلى إيناسها] (1).
ولنعد إلى ما نحن بصدده : ولم نزل في أسر البحر ، وقد دارت علينا منه الدوائر ، واختلفت تفاعيله ، فهو طويل وبسيط ومديد ووافر ، نكابد من نحوه ما مللنا معه رفعه وخفضه ، ونلاقي من نصبه ما اخترنا عليه رفضه ، حتى رأينا العلامات فرجونا الحياة بعد خشية الممات. والعلامات : حيات ، أو حيتان طوال رقاق كالحيات في ألوانها وحركاتها ، سميت بذلك لأنها علامات الوصول إلى بلاد الهند ، وإمارات النجاة من المهالك لطول هذا البحر وصعوبته (2). قال بعضهم : إنها التي أراد الله بقوله ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) (3). ذكره الدميري في حياة الحيوان الكبرى (4).
فلما كان ليلة الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة الحرام شاهدنا الجبال والبر ، وأيقنا أن الله تعلى قد لطف بنا وبر. فبينا نحن في انتظار الفرج ، والخلاص من هذا البحر الذي حدثنا عنه ولا حرج ، إذ عصفت الرياح وأخذت السفينة في الارتياح ، وجاءنا الموج من كل مكان ، ونسينا للانزعاج ما كان ، فانحرفت السفينة ، وهاج البحر دفينه ، فجعلت تفور ، كأنها التنور ، حتى بلغ الماء نصفها ، فشاهدنا من مواقع الهلاك ما لا تبلغ الحال وصفها ، ولولا
صفحہ 125