وأعجب من ذلك : أقوام يسبقون إلى الفضل ، ويبكرون إلى الجمعة طلبا للفضل في التبكير ، ومنافسة فيه ، فربما صلى أحدهم الفجر بالمسجد الجامع حرصا على الفضل وطلبا له ، فلا يزال مصليا ، وراكعا وساجدا ، وقائما وقاعدا ، وتاليا للقرآن ، وداعيا لله عزوجل ، وراغبا وراهبا ، وهذه حاله إلى العصر ، ويدعو إلى المغرب ، وهو مع هذا كله : يسابق الإمام ، خدعا من الشيطان لهم واستيلاء ، يخدعهم عن الفريضة الواجبة عليهم ، اللازمة لهم ، فيركعون ويسجدون معه ، ويرفعون ويخفضون معه ، جهلا منهم ، وخدعا من الشيطان لهم ، فهم يتقربون بالنوافل التي ليست بواجبة عليهم ، ثم يضيعون الفرائض الواجبة عليهم ، وقد جاء الحديث : ( لا يقبل الله نافلة حتى تؤدى الفريضة )(1).
وإنما يطلب الفضل في التبكير إلى الجمعة : غير المضيع للأصل ، لأنه قد يستغنى بالأصل عن الفضل ، ولا يستغنى بالفضل عن الأصل ، فمن ضيع الأصل فقد ضيع الفضل ، ومن ضيع الفضل وتمسك بالأصل وأحكمه كفى به ، واستغنى عن الفضل .
وإنما مثلك في طلب الفضل ، وتضييعك الأصل : كمثل تاجر اتجر ، فجعل ينظر في الربح ويحسبه ، ويفرح به قبل أن يرفع رأس المال ، فلم يزل كذلك يفرح بالربح ويغفل عن النظر في رأس المال ، فلما نظر إلى رأس ماله رآه قد ذهب ، وذهب الربح ، فلم يبق رأس مال ولا ربح .
صفحہ 117