نرى مما تقدم أنه بالرغم من أن فكرة السلام قد نشأت قبل الميلاد بكثير، وأن جميع الأديان دعت إلى السلام. وبالرغم من أن رجالا عظماء في مختلف العصور سعوا لتوطيد السلام بكل ما أوتوا من سلطة مادية وفكرية، وبالرغم من المعاهدات التي أبرمت، والقوانين التي وضعت، والمؤتمرات التي عقدت لتوطيد دعائم السلام وإيجاد طريقة لوضع حد للحروب، فإن العالم لم يوفق حتى الآن إلى تحقيق هذه الأمنية التي تنشدها العشيرة جمعاء منذ آلاف السنين. والسبب في ذلك يرجع إلى أنانية الرجل، وجشع الاستعمار، وعدم توافر النية الخالصة للسلام.
وإذا كانت النساء قد اشتركت في بعض الحروب الماضية؛ باستثارة همم الرجال، أو بتضميد الجرحى، وإذا كان التاريخ قد أنبأنا أن ملكات أو سيدات عظيمات أقمن الحروب أمثال سميراميس، وكليوباترا ، والسيدة عائشة أم المؤمنين، وجان دارك، وإليزابيث التي تغلبت بحريتها على البحرية الإسبانية، وكاترين قيصرة روسيا التي كانوا ينادونها بكاترين الأكبر، وماري تريز ملكة النمسا التي كانوا يلقبونها بالملك تريز، والملكة فيكتوريا وغيرهن، فليس معنى ذلك أن المرأة ميالة للحروب بطبيعتها، ولكن معناه أنها وجدت ظروف خاصة اضطرت بعضهن - بحكم مراكزهن - إلى اتباع القوانين الوضعية لبلادهن، والدفاع عن كيانها، ولأن المرأة ما كانت تملك حق التشريع والتنفيذ. وبهذه المناسبة يجدر بنا ألا نغفل المجهودات الجليلة التي بذلتها الملكة فكتوريا في سبيل تسوية الخلاف الذي قام بين إنجلترا وأمريكا بالطريقة السلمية، وشجاعة الملكة ولهلمين في بدء الحرب العظمى وأثناء قيامها، برفضها اشتراك هولندا فيها.
سادتي وسيداتي
في كل الأدوار التي اضطرمت فيها نيران الحرب، وتشاحن فيها الرجال وتطاحنوا، مدفوعين بالعوامل الدينية، أو الوطنية، أو المطامع الاستعمارية إلى غير ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الحروب، إذا كان لم يسمع للمرأة في البداية صوت يذكر ضد الحرب أو دعوة للسلام، مع أنها - بحكم أمومتها وعاطفة الرحمة التي تملأ قلبها - نزاعة إلى الهدوء والطمأنينة؛ فذلك لأن الرجل في معظم هذه العصور كان قد استأثر بالتشريع والتنفيذ، وكأنما هو يتمثل بقول الشاعر:
كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول
ولأنه أراد أن تقتصر وظيفة المرأة على خدمته وطاعة أمره، معتبرا إياها مخلوقا ضعيفا لا يدانيه في سعة العقل ورجاحة التفكير. ونسي أن الله - جل جلاله - قد خلق المرأة منه لحفظ توازن الكون، وإذا كان الرجل هو العقل المفكر في جسم المجتمع الإنساني، فهي له القلب النابض المملوء بالعاطفة والرحمة والحنان.
ونذكر بهذه المناسبة كلمة جاءت في الأثر، وهي: «لو أراد الله أن يجعل المرأة رئيسة للرجل لخلقها من رأسه، ولو أراد أن يجعلها أمة له لخلقها من قدمه، ولكنه أراد أن تكون شريكته ونديدته فخلقها من ضلعه.»
فلا شك أن العالم إذا سار على قدميه باشتراك المرأة والرجل اشتراكا فعليا في إدارة دقة أمور الحياة، بدلا من سيره على قدم واحدة؛ لحفظ توازنه ، ولما وقع بين آن وآخر في الأخطاء التي تئن الإنسانية من نتائجها وترزح تحت نيرها. فالمرأة التي خلقت لتهب الحياة للوجود بالألم والمشقة في تأدية وظيفة الأمومة، تقدر أكثر من غيرها قيمة الحياة، وتعرف كيف تصونها، وهي بحكم تلك الوظيفة وما تتطلبه منها من إدارة ونظام وإعداد أولادها وتربيتهم، لديها من الاستعداد ما يؤهلها لاستدراك أمور قد تغيب عن الرجل، ويمكنها - بما وهبتها الطبيعة من فطنة وحيطة - أن تتدارك نتائج ما يقع فيه الرجل من أخطاء بسبب اعتداده برأيه وميله إلى القوة والعنف.
سادتي وسيداتي
نامعلوم صفحہ