فهز نجم الدين رأسه هز الإنكار وقال: «لا يسهل عليه الإيجاب في هذا الأمر؛ لأن هؤلاء المساكين شديدو التمسك بهذه البقية الباقية من سيادتهم. أعني تمسكهم بمجد الأسلاف وأنهم من سلالة بيت الرسول، وأننا لسنا أكفاء لبناتهم لأننا من الأعاجم.» قال ذلك وضحك ملء فيه والتفت إلى صلاح الدين فرآه مطرقا يفكر، وكان قد تذكر قول الهكاري أنه إذا احتيج إلى نسب عربي وضعه له، كما تذكر ما توقعه من صيرورة الخلافة إليه أو إلى أولاده بسبب ذلك الزواج، فلما التفت أبوه إليه تنبه قائلا: «ألا يحق لهم الافتخار بذلك النسب الشريف؟»
قال: «كيف لا! ولذلك قلت إنهم ضنينون به لا يفرطون فيه، فكيف ترجو قبول طلبك وأنت كردي؟» وضحك، فرأى صلاح الدين أن يقطع الحديث ليرى ما يأتي به الغد، فقال وهو يتحفز للنهوض من الفراش: «متى أتانا جواب الخليفة ننظر فيه.» ولما نهض كان الخنجر ما زال ملقى على الفراش فأسرع عماد الدين إليه وتناوله وهو يقول: «هل يأذن لي مولاي في أخذ هذا الخنجر؟»
فقال: «أليس عندك خنجر؟» قال: «عندي لكنني أود أن أغمده في صدر ذلك الطاغية الذي هددنا به.» قال صلاح الدين وهو يلبس ثيابه: «أما زلت مصمما على قتله؟» قال: «أقسمت برأس مولاي أن أقتله؛ إذ لا سبيل إلى الراحة منه إلا بذلك. فأرجو ألا تراجعني. وألتمس من مولاي الأمير نجم الدين أن يزودني برضاه ودعائه وقد أقسمت ألا تطلع شمس الغد إلا وأنا خارج القاهرة.»
فابتسم نجم الدين وهو ينظر إلى عماد الدين نظر العطف والإعجاب وقال: «يسرني ما أراه فيك من الحمية والغيرة على يوسف، بل هي غيرة على المسلمين كافة؛ لأن هذا الإسماعيلي الشيطان قد أقلق العالم بدسائسه وفتكه فإذا تمكنت من قتله فأنت أمير كبير وقائد عظيم لا يتقدمك أحد من رجال هذه الدولة غير ابني يوسف هذا.»
فأكبر عماد الدين هذا الوعد الصريح بالمكافأة الكبرى، فازداد تمكنا من عزمه ولكنه أطرق خجلا. فعاد نجم الدين إلى إتمام حديثه فقال: «ولكن هل تعرف الطرق وما يعترض عملك هذا من المخاطر؟»
قال: «هب أني لا أعرف شيئا الآن فلا يعجزني علمه.» قال: «فتبقى هنا بضعة أيام لأجل الاستعداد.» قال: «قد أقسمت على الخروج الليلة من هذا البلد. وإنما ألتمس ألا يعلم أحد بجهة مسيري ولا الغرض منه.»
وكان صلاح الدين قد أتم لبس ثيابه فقال: «بورك فيك.» ونظر إلى أبيه فرآه ينظر إلى عماد الدين وهو يقول له: «وفقك الله في أمرك، كن شجاعا واثقا بنفسك، واعلم أنك إذا وفقت إلى ما تريد أتيت عملا لم يستطعه سواك، فتنال ما لم ينله أحد.»
فهم عماد الدين بتقبيل يد نجم الدين ثم يد صلاح الدين وقال: «أستأذنكما في تدبير شئوني اليوم، وربما لا تريانني بعد الآن؛ لأني أحب أن أخرج من هذا البلد خلسة.»
قال نجم الدين: «افعل ما بدا لك.» •••
خرج عماد الدين لتدبير سفره وإعداد ما يلزمه، وقد أخذت مهمته تتجلى له بما يحدق بها من الخطر العظيم، ولكنه صمم عليها ولا سيما بعد ما سمعه من الوعد بالمكافأة.
نامعلوم صفحہ