أما ياقوتة فإنها تهيبت من غضب سيدتها. ورغم ما لها من الدالة عليها لم تجسر على مخاطبتها. فأخذت تتذرع إلى استطلاع حالها بالتجاهل، فحالما دخلت الغرفة قالت لها: «ما لي أرى سيدتي غاضبة؟ إني أرى في جيدك عقدا من الجوهر وفي إصبعك خاتما من الزمرد والياقوت لو كانا لي لزالت عني هموم الدنيا.»
فانتبهت سيدة الملك إلى العقد والخاتم وكانت قد نسيتهما لفرط قلقها فنزعت العقد من عنقها والخاتم من إصبعها ورمت بهما إلى الأرض، وجلست على السرير وهي تتنهد.
فالتقطت ياقوتة العقد والخاتم وهي تقول: «ما بالك يا سيدتي، ما الذي أغضبك؟ إذا كان هذا العقد قد غيرك أعطيني إياه.»
قالت: «خذيه، بل هاتيه.» واسترجعته من يدها ووضعته في جيبها مع الخاتم.
فابتسمت ياقوتة على سبيل المداعبة وقالت: «إذا كنت قد غضبت من أمير المؤمنين فما هو ذنبي يا سيدتي وأنا أتفانى في خدمتك؟»
فأظهرت الارتياح إلى قولها وكظمت غيظها وقالت: «بارك الله فيك دعيني الآن.» قالت: «لا. لا أتركك حتى تقولي ماذا جرى بينك وبين مولانا أمير المؤمنين.» قالت: «إنه مولاك وليس مولاي!» قالت: «إنه مولانا بحكم الله، أطال الله لنا بقاءه.» قالت: «أطال الله بقاءه لكنه ...» وسكتت وقد شرقت بدموعها.
فقالت ياقوتة: «ما بالك قد غيرت عادتك معي، لماذا لا تشكين إلي همك لعلي أستطيع خدمتك بشيء. ألم نكن على موعد للنظر في أمر عماد الدين؟» فلما سمعت اسم عماد الدين سري عنها وهان عليها الصبر والتفتت إلى ياقوتة وابتسمت وعيناها تلمعان من الدمع. فأثر منظرها في ياقوتة وأكبت على يديها تقبلهما وتقول: «بالله لا تغضبي يا سيدتي، ولا تعامليني بالجفاء. أفصحي لي عما يكنه ضميرك وأنا أمتك أفديك بروحي. قولي لا تخافي.»
فتنهدت وهي تتجلد وقالت: «نعم كنا على موعد من أمر عماد الدين ماذا رأيت وماذا دبرت؟»
قالت: «لم أر شيئا، إن الأمر لك وأنا طوع إرادتك، ماذا تريدين أن أفعل.» فنظرت إليها نظرة اخترقت أحشاءها وقالت: «أريد أن يأتي عماد الدين إلى هنا في هذه الليلة!» قالت: «في هذه الليلة؟ ولماذا؟» قالت: «لا تسأليني عن السبب. أنت تقولين إنك طوع إرادتي وهذه هي إرادتي. أريد أن أرى عماد الدين هذه الليلة.»
قالت: «لك علي ذلك. خففي عنك الآن وارجعي إلى رشدك واحكي لي عما جرى لك اليوم مع سيدي أمير المؤمنين.»
نامعلوم صفحہ