سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
اصناف
سألني عن أخبار مدرستي، فأخبرته أن مديرتنا الجديدة تنتمي للحرس الثوري، وأنني لم أتفاجأ عندما سمعت أنها تحمل مسدسا في جيبها.
سألني: «لست متورطة مع أي جماعة سياسية، أليس كذلك؟» منذ اختفاء شقيقه ظهرت على أرام ملامح النضج المشوب بالحزن. قبل الثورة لم يكن يفكر إلا في كرة السلة والحفلات، ولكنه الآن أصبح يقلق من كل شيء، ويسديني النصح طوال الوقت، فقال: «أبي يؤكد أنها مرحلة خطيرة، وهو يعتقد أن الحكومة تتيح للجماعات السياسية أن تقول وتفعل ما تشاء حتى يتسنى للحرس الثوري تمييز الأصدقاء من الأعداء، وعاجلا أو آجلا سوف يلقون القبض على كل من فعل شيئا ضد الحكومة.»
كانت خالتي زينيا قد اتصلت بي قبل أيام، وأخبرتني نفس الكلام، وأكدت علي ضرورة توخي الحذر، لكن كان لدي الكثير من الفضول بشأن التعرف على الأيديولوجيات المختلفة؛ فكل يوم أثناء الاستراحة كنت أحضر الاجتماعات والمناقشات التي ينظمها طلاب الصف الحادي عشر أو الثاني عشر ممن يعملون مع الجماعات السياسية المختلفة.
وفيما عدا عدم إيمان ماركس ولينين بالله، كانت أفكارهما تروق لي كثيرا، فكلاهما أراد تحقيق العدالة للجميع وبناء مجتمع تقسم فيه الثروات بالتساوي، لكن أساليبهما أثبتت خطأها على أرض الواقع. كنت أعلم جيدا ما حدث في الاتحاد السوفييتي والمجتمعات الشيوعية الأخرى، فالشيوعية لم تنجح، ومن ناحية أخرى كنت أراقب شكل المجتمع الإسلامي، وأؤمن بأن الخلط بين الدين والسياسة أمر ينطوي على خطورة، فأي شخص ينتقد الحكومة الإسلامية سيعتبر مناهضا للإسلام، ومن ثم عدوا لله. وفي الإسلام - على حد علمي - لا يستحق هؤلاء الأشخاص الحياة ما لم يغيروا طريقة تفكيرهم.
قبل الثورة - على الأقل في الفترة التي عشتها - لم تكن معتقدات الناس وإيمانهم مشكلة قط. كان لدينا في المدرسة فتيات يعتنقن أديانا مختلفة، لكن كان يتوقع منا أن ينصب اهتمامنا على الدراسة، وأن نتحلى بالأدب والاحترام والرقي بعضنا مع بعض ومع المعلمين. أما الآن فيبدو أن العالم قد انقسم إلى أربعة تيارات مائجة: الإسلام الأصولي، والشيوعية، والإسلام اليساري، والملكية، ولم أكن أتفق مع أي منها. كان الجميع تقريبا ينتمون إلى تيار ما، ولكنني لم أنتم إلى أي منها، مما خلف لي شعورا بالوحدة والضياع.
كانت جيتا آنذاك في الصف الحادي عشر، وانضمت إلى حزب شيوعي يدعى «فدائيي خلق»، أما سيرس شقيق سارة فكان عضوا في المجاهدين الذين لاقت آراؤهم وأفكارهم تأييدا لدى سارة. ***
ذات ليلة من شهر مايو عام 1979، بعد نحو ثلاثة أشهر من نجاح الثورة الإسلامية، كنت وحدي في المنزل. ذهب والداي لزيارة أحد الأصدقاء ومكثت في المنزل كي أنهي واجباتي المدرسية. ونحو الثامنة فتحت التلفاز الذي لم يكن به سوى قناتين في ذلك الوقت. ومنذ قيام الثورة قلما كان يعرض فيهما شيء يستحق المشاهدة، لكن فيلما وثائقيا استرعى انتباهي. كان الفيلم يدور عن مظاهرة ميدان «جاله» المضادة للشاه التي وقعت في الثامن من سبتمبر، ومع أنني كنت أعلم جيدا أن أراش قد توفي، فما زلت غير قادرة على اعتبار هذا اليوم يوم وفاته، بل يوم اختفائه. اقتربت من الشاشة أكثر والدموع تملأ عيني. كان الفيلم ذا جودة ضعيفة، فالمصور يجري معظم الوقت ويقوم بحركات مفاجئة، وهكذا كانت الصورة عسيرة المتابعة. صوب الجنود بنادقهم نحو الحشود وأطلقوا النيران، فأخذ الناس يفرون، ورأيت بعضهم يسقط على الأرض. ألقى الجنود بالجثث فوق شاحنة عسكرية، وللحظة ... رأيته. كانت إحدى تلك الجثث لأراش. نهضت من مكاني وأنا أشعر بالألم والفزع، لم أستطع أن أنطق، ولا أن أبكي، فدخلت غرفتي، وجلست على فراشي، وحاولت أن أفكر. أخبرت نفسي أن ذلك ربما كان محض تخيل. ماذا يمكنني أن أفعل؟ علي أن أعرف الحقيقة. رفعت سماعة الهاتف على الفور، واتصلت بأرام الذي استشعر الذعر في صوتي، ولم أدر كيف أخبره بذلك. - «مارينا، ما الأمر؟»
لم أقل شيئا. «تكلمي، هل تريدين أن آتي إلى منزلك؟»
قلت: «كلا.» - «أرجوك أخبريني ما الأمر؟» - «كانوا يبثون فيلما وثائقيا عن مظاهرة الثامن من سبتمبر، وكان الجنود يلقون الجثث فوق إحدى الشاحنات، وأظن أن إحداها كانت جثة أراش.» هأنذا قد قلتها أخيرا.
لا شيء سوى الصمت الرهيب. - «هل أنت متأكدة؟» - «كلا، وكيف يمكنني أن أتأكد؟ كانت لحظة فقط، كيف يمكننا أن نتأكد من الأمر؟»
نامعلوم صفحہ