سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
اصناف
التحقت بالمدرسة الإعدادية في سن الحادية عشرة. وفي ذلك الوقت كانت الحكومة تمول كل المدارس والجامعات في إيران، ولكن بعض المدارس أثبتت أنها أفضل من غيرها، ومنها مدرسة «أنوشروان دادجر»، وهي مدرسة فتيات زرادشتية إعدادية وثانوية. لم يقع اختيار والداي على هذه المدرسة لأنها من أفضل المدارس، ولكن لأنها تقع على مقربة من منزلنا.
يتبع الزرادشتيون تعاليم نبيهم «زرادشت» الذي ولد في بلاد فارس منذ نحو ثلاثة آلاف عام، ودعا الناس إلى الإيمان بالإله الواحد الأحد: «أهورا مازدا». وأثناء دراستي بالمدرسة كانت أغلبية الطلاب إما من الزرادشتيين أو المسلمين، ولكن كان هناك أيضا بعض البهائيين واليهود وثلاثة أو أربعة من المسيحيين.
الأسقف المرتفعة والنوافذ المتعددة للمدرسة التي شيدت منذ أربعين عاما جعلتها تبدو فسيحة، والممرات الطويلة بدت كأنها بلا نهاية، وكان هناك درجان عريضان يوصلان الطابق الأول بالثاني، وعمودان يبلغ ارتفاعهما طابقين يقفان على جانبي المدخل الرئيسي مكتوب فوقهما بحروف كبيرة: «الأفكار الصالحة والأقوال الصالحة والأعمال الصالحة» وهو شعار الديانة الزرادشتية. كان لدينا أيضا صالة للألعاب الرياضية بها ملاعب لكرة السلة والكرة الطائرة، وكان فناء المدرسة الممهد محاطا بأسوار قرميدية مرتفعة.
على مدار ثلاثة أعوام كانت زياراتي لمكتبة ألبرت أهم حدث في حياتي. كان ألبرت قد قرأ مئات الكتب المتراكمة بعضها فوق بعض في مكتبته، وكان يعلم جيدا مكان كل منها، ويحب الحديث عنها. كان متزوجا ولديه ابن، وأخبرني أن ابنه - الذي كان متزوجا ولديه طفلان - قد انتقل للعيش في الولايات المتحدة منذ عامين. وفي عيد الميلاد الأول بعد لقائنا، أعطاني ألبرت عبوة مغلفة بورق أحمر، وعندما فتحتها وجدت سلسلة «سجلات نارنيا»، بالإضافة إلى حافظة أقلام زرقاء جميلة ممتلئة بأقلام رصاصية ملونة ومماح معطرة برائحة العلكة.
آخر مرة رأيت فيها ألبرت بعد عيد ميلادي الثاني عشر ببضعة أيام. كان يوما ربيعيا جميلا يمتلئ بتغريدات الطيور والشمس الدافئة. فتحت باب المكتبة الزجاجي مبتسمة وأنا أضم رواية «نساء صغيرات» إلى قلبي. - «مرحبا أل...»
طافت ذرات التراب فوق شعاع الشمس الذي تدفق على الأرضية المغطاة بالمشمع، ووجدت المكتبة خالية تماما. شعرت كأني أقف على حافة صحراء، وأن رياحا قوية عنيفة هبت للتو في وجهي، فأطلقت شهقة وحاولت أن ألتقط أنفاسي. كان ألبرت يجلس على صندوق كبير من الورق المقوى في منتصف هذا الفراغ الرهيب وينظر لي بابتسامة حزينة تعلو وجهه.
سألته: «أين الكتب؟»
أخبرني أنه باع معظمها لمكتبة أخرى، لكنه احتفظ بكل كتبي المفضلة في الصندوق الذي يجلس عليه، ووعدني بإحضارها إلى منزلي فيما بعد. أراد أن يخبرني بذلك سابقا، لكنه لم يستطع. كان هو وزوجته على وشك الرحيل من إيران ليلحقا بابنهما في الولايات المتحدة. لم يكن ألبرت يرغب في الرحيل، لكن زوجته لم تكن على ما يرام، وأرادت قضاء ما تبقى من أيامها مع ابنها وأحفادها، وهو لم يستطع أن يرفض طلبها، فقد تزوجا منذ واحد وخمسين عاما، وتلك أمنيتها الأخيرة.
أخرج ألبرت منديلا أبيض من جيب قميصه ومسح أنفه. شعرت بوهن حل فجأة على ذراعي وساقي، وهنا نهض ألبرت، واقترب مني، ووضع يديه على كتفي. - «لقد شاهدتك وأنت تكبرين، وقد منحتني البهجة والسعادة. سوف أفتقدك، فأنا أعتبرك ابنتي.»
طوقته بذراعي وعانقته عناقا حارا، وبدا لي الرحيل للولايات المتحدة موجعا وأبديا مثل الموت.
نامعلوم صفحہ