سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
اصناف
عندما تزوج والداي أثناء الحرب العالمية الثانية استأجرا شقة متواضعة في الجانب الشمالي الغربي لتقاطع شارعي «شاه» و«رازي» في وسط طهران، عاصمة إيران وأكبر مدنها. وهناك افتتح أبي - غلام رضا نيكولاي مرادي بخت - استوديو للرقص أعلى متجر صغير للأثاث ومطعم صغير. ولما كان العديد من الجنود الأمريكيين والبريطانيين قد مروا بإيران أثناء الحرب، فقد انتشرت الثقافة الغربية بين أفراد الطبقة العليا، وهكذا وجد والدي العديد من المتحمسين لتعلم الرقص على المنوال الغربي.
وضعت أمي - رقية ناتاليا فكري - أخي في عام 1951، وعندما بلغ العامين، سافرت أمي إلى ألمانيا - مع أنها لم تكن تتحدث الألمانية - للحصول على دورة تدريبية في تصفيف الشعر، وعندما عادت بعد ستة أشهر، أصبحت بحاجة إلى مكان كي تفتتح صالون تجميل، وكانت الشقة المجاورة لشقة والدي مطابقة لها، فاستأجراها هي الأخرى وضما الشقتين معا.
ولدت أنا في الثاني والعشرين من أبريل 1965. ومنذ عام 1941 كان محمد رضا شاه بهلوي الحاكم المستبد الموالي للغرب هو ملك إيران. وقبل أربعة أشهر من مولدي اغتيل رئيس الوزراء الإيراني حسن علي منصور على يد أتباع الزعيم الشيعي الأصولي آية الله الخميني الذي كان يطالب بإقامة دولة دينية في إيران. وفي عام 1971 أقام أمير عباس هوفيدا - رئيس الوزراء آنذاك - احتفالا ضخما عند أطلال مدينة «برسيبوليس» العتيقة لإحياء الذكرى السنوية الخمسمائة بعد الألفين لتأسيس الإمبراطورية الفارسية. حضر الاحتفال خمسة وعشرون ألفا من المدعوين من كل أنحاء العالم، بينهم ملوك وملكات ورؤساء دول ووزارات ودبلوماسيون، وبلغت تكلفته 300 مليون دولار. وأعلن الشاه أنه أراد بهذا الاحتفال أن يظهر للعالم مدى التقدم الذي أحرزته إيران في السنوات الأخيرة.
عندما بلغت الرابعة من عمري غادر أخي المنزل كي يلتحق بجامعة بهلوي في مدينة شيراز بوسط إيران. كنت فخورة للغاية بأخي الوسيم فارع الطول، لكنه لم يكن يأتي إلا نادرا، ولم يكن يمكث معنا فترة طويلة. في المناسبات السعيدة التي كان يزورنا فيها، كان يسد باب غرفتي بجسده وهو يبتسم ويقول: «كيف حال أختي الصغيرة؟» كنت أحب رائحة عطره الخلابة التي تملأ المكان. كان هو وجدتي الوحيدين اللذين يعطيانني هدايا عيد الميلاد، أما والداي فكانا يعتقدان أن عيد الميلاد مضيعة للوقت والمال.
كانت جدتي تصطحبني إلى الكنيسة أيام الآحاد، وكانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الوحيدة في طهران تقع على مسيرة ساعتين من منزلنا. كان الطريق إلى الكنيسة يقودنا عبر شوارع وسط المدينة بطهران، حيث تصطف على جانبيها المتاجر والباعة وأشجار القيقب العتيقة. كانت الرائحة العطرة لدوار الشمس وبذور اليقطين تملأ الجو، وكان شارع «نادري» الذي يضم متاجر اللعب والمخابز هو الجزء المفضل لدي في تلك الرحلة، إذ كانت رائحة الفطائر الطازجة والفانيليا والقرفة والشيكولاتة تشعرني بالنشوة. أيضا كانت هناك العديد من الأصوات التي يتداخل بعضها مع بعض في الشارع: أبواق السيارات، والباعة الذين يعلنون عن بضاعتهم ويساومون زبائنهم، والموسيقى التقليدية. لم تكن جدتي تؤمن بأهمية شراء اللعب، ولكنها كانت دوما تشتري لي هدية صغيرة.
وفي أحد أيام الآحاد انطلقنا مبكرا كي نزور إحدى صديقات جدتي التي تسكن في شقة صغيرة. كانت سيدة روسية عجوزا صعبة المراس، شعرها أشقر قصير مجعد، تضع دائما أحمر شفاه وظل عيون أزرق، وتفوح منها رائحة الأزهار. كانت شقتها مليئة بالأثاث القديم والعديد من الحلي الصغيرة، ولديها أروع مجموعة من التماثيل الخزفية الصغيرة على الإطلاق في كل مكان؛ على الموائد الجانبية، وأرفف الكتب، وقواعد النوافذ، بل وعلى طاولات المطبخ. وكنت أحب على وجه الخصوص تماثيل الملائكة بأجنحتها الرقيقة. قدمت لنا الشاي في أروع فناجين صينية رأيتها من قبل؛ فكانت بيضاء لامعة، مرسوما عليها أزهار وردية. وضعت السيدة ملعقة ذهبية صغيرة بجوار كل فنجان. كان يروق لي وضع مكعبات السكر في فنجاني ومشاهدة الفقاعات تعلو وأنا أقلبه.
سألتها عن سبب امتلاكها لكل هذا العدد من التماثيل الملائكية، فأخبرتني بأنها تؤنس وحدتها، وسألتني هل أعلم أن كل واحد منا لديه ملاك حارس، فأجبتها بأن جدتي قد أخبرتني بذلك. أوضحت لي وهي تنظر إلي بعينيها الزرقاوين اللتين بدتا كبيرتين للغاية خلف نظارتها الطبية السميكة أن كل واحد منا قد رأى ملاكه الحارس من قبل، ولكنه نسي كيف كانت هيئته.
قالت: «الآن أخبريني، هل حدث من قبل أن هممت بارتكاب خطأ ما فشعرت بهاتف يهمس في أذنيك ألا تفعلي؟»
قلت وأنا أفكر في مطفأة السجائر: «نعم ... أظن ذلك.» - «حسنا، كان هذا ملاكك الحارس يتحدث إليك. وكلما أنصت إليه، سمعته أفضل.»
تمنيت أن لو تذكرت شكل ملاكي الحارس، فاقترحت علي صديقة جدتي أن ألقي نظرة على كل تماثيلها، وأكدت لي أن ملاكي يشبه التمثال الذي سينال إعجابي أكثر. تفحصت التماثيل برهة، وأخيرا وجدت تمثالي المفضل؛ شاب وسيم يرتدي ثوبا أبيض طويلا، أخذته إلى جدتي كي أريها إياه، فأخبرتني أنه لا يبدو كالملائكة لأنه لا يملك أي أجنحة، لكنني أخبرتها بأن أجنحته غير مرئية.
نامعلوم صفحہ