سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
اصناف
تنتهج الكاتبة بعضا من تيمات «تيار الوعي»، كما أسلفنا، من حيث توسلها أسلوب «المونولوج الداخلي»، و«التداعي الحر للأفكار». ومع أنها لم تنهج ما ينهجه السجناء عادة من العيش على الذكريات الماضوية القديمة، ما دام الحاضر متوقفا أو مجمدا، والمستقبل مقتولا غامضا مشكوكا في أمره، شأن ما يشعر به المرء تحت حكم السجن مدى الحياة، فقد كانت ترفض استدعاء ذكرياتها الجميلة، كيلا تشوبها عتمة السجن، وتدنس بياضها وحشة التعذيب والقهر. على أن الذكريات القديمة العذبة كانت أقوى من أن تغيب عن خاطرها، فكانت تقتحم عقلها خلسة. تشاهد طفلة صغيرة في سيارة مع والديها، وهي في سيارة الترحيلات في طريقها إلى المعتقل، فتتذكر أبويها وطفولتها بينهما، وتتساءل، ترى ماذا يفعلان الآن؟ ثم يبدأ التداعي الحر للأفكار. تعاني ظلمة الحبس الانفرادي، فتتذكر أن العقاب الأكبر الذي كانت تخشاه وهي طفلة هو أن تحبس وحيدة في شرفة الغرفة، عقاب أمها الأثير لها حين تخطئ الطفلة؛ قبل أن تتعرف في إيفين على ألوان العذابات التي تفوق الخيال. وعبر هذا التداعي الحر لأفكارها، نتعرف على طفولتها، وكيف كانت تهرب من قسوة أمها بقراءة القصص والكتب التي تمنحها عالما أكثر اعتدالا وعدلا ورحمة وقابلية على الفهم. وعبر عالم الكتب هذا، نتعرف على ألبرت، صاحب المكتبة العجوز الذي كان ملاذها الآمن من غموض العالم الذي تحياه، ونتعرف على آخر لقاء بينها وبينه، حين دخلت المكتبة المكتظة بالكتب لتجدها خاوية على عروشها، فيرتجف قلبها خوفا من مستقبل وشيك جاف دون ونس الكتاب: «آخر مرة رأيت فيها ألبرت بعد عيد ميلادي الثاني عشر ببضعة أيام، كان يوما ربيعيا جميلا يمتلئ بتغريدات الطيور والشمس الدافئة. فتحت باب المكتبة الزجاجي مبتسمة وأنا أضم رواية «نساء صغيرات» إلى قلبي.»
وكلما مرت بأزمة تذكرت جدتها الروسية التي أخبرتها أن لكل إنسان ملاكا حارسا يحميه، وبالفعل شاهدته مرة وهي مختبئة تحت السرير بعدما كسرت المطفأة، وخافت من عقاب محبس الشرفة. وبعد موت أراش حبيبها، نزلت تحت السرير في انتظار الملاك، لكنه لم يأت أبدا، مع أنها نادته.
عزيزي القارئ، أنت على موعد مع عمل إبداعي من الطراز الرفيع، كتبه قلم شابة موجوعة بالتجربة، فأفرز مدادها الدامي در كلمات خالدة، ثم ترجمته إلى العربية شابة واعدة امتلكت ناصية اللغة والبيان، لتقدمه لك دار «كلمات للترجمة والنشر» التي تنتصر للإبداع الراقي، الذي ينتظر بدوره قارئا راقيا يعرف كيف يبحث عن الدرر وسط أكوام الركام.
فاطمة ناعوت
كاليفورنيا-القاهرة
31 يناير 2013
مع أن الكتاب مأخوذ عن قصة واقعية، فقد غيرت الأسماء كي أخفي هوية رفيقات زنزانتي، وأضفت تفاصيل قصص سجينات أخريات إلى قصصهن، أمزج بينها تارة، وأعيد تشكيلها تارة أخرى، مما مكنني من التحدث بحرية عن الحياة والموت خلف أسوار «إيفين»، ورواية ما مررنا به بصدق دون أن أعرض أي شخص للخطر أو أتعدى على خصوصية أحد، ولكنني على يقين من أن رفيقات زنزانتي لن يجدن صعوبة في تمييز أنفسهن.
أثناء تأليف هذا الكتاب كان علي أن أعتمد على ذاكرتي، وهي كأي ذاكرة أخرى يصيبها الوهن وأحيانا تخونني. ما زلت أتذكر بعض الأحداث بوضوح كأنها وقعت منذ أسبوع فحسب، لكن أحداثا أخرى أصبحت ضبابية مشوهة؛ فقد مر أكثر من عشرين عاما عليها.
الحوار هو الوسيلة الرئيسة للتواصل في حياتنا اليومية، وأعتقد أن الذكريات لا يمكن أن تستحضر بوضوح من دونه؛ لذا أعدت بناء الحوار في هذا الكتاب بأفضل ما استطعت، وبأقرب قدر ممكن إلى الحقيقة.
الفصل الأول
نامعلوم صفحہ