سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
اصناف
أخذنا سيارة السيد موسوي، وهي سيارة بيضاء من طراز بيجو، وبدأنا رحلة السفر قبل الساعة العاشرة.
سألته: «كيف توصلت إلى تلك الفكرة؟» - «لقد ذكرت لي مرة أنك تحبين بحر «قزوين»، وأنا أرغب في قضاء بعض الوقت معك وحدك. كلانا بحاجة للبعد عن «إيفين». هذا المنزل الصيفي كان ملكا لأحد وزراء الشاه قبل الثورة، وقد غادر الرجل وعائلته البلاد مع رحيل الشاه، فصادرت محاكم الثورة الإسلامية منزله - أو ربما يجدر بي أن أقول: قصره - في طهران، ومنزله الصيفي الذي يقع بالقرب من «رامسر» وعرضتهما للبيع، فاشترى عمي المنزل الصيفي بسعر مناسب.» - «لا بد أنه جميل.» - «هذا صحيح، وسوف ترينه بنفسك. لماذا تحبين شواطئ «قزوين» إلى هذا الحد؟»
أخبرته أني قضيت أوقاتا سعيدة هناك طوال أعوام. كان كل شيء في طهران باهتا فاقد الحياة، بينما كل شيء على شاطئ البحر كان مفعما بالحياة والحيوية.
ظل الهواء البارد يداعب وجهي عبر النافذة المفتوحة. في بداية الرحلة لم أكن أستنشق سوى الغبار وعوادم السيارات، لكن عندما سلكت السيارة الطريق المتعرج الذي يصعد مع جبال «ألبرز» امتلأ الليل برائحة جداول المياه الصافية وأشجار الحور والقيقب؛ كانت تلك رائحة العالم المفقود، رائحة الحرية والسعادة وكل المعاني الجميلة التي لم تعد موجودة. - «عندما كنت في الجبهة وكنت أنا في «246»، اكتشفت أن إحدى صديقاتي وتدعى ترانه بهزادي محكوم عليها بالإعدام.» - «ترانه بهزادي؟ لا يبدو لي الاسم مألوفا.» - «لم تكن أنت من يتولى التحقيق معها، فقد أخبرتني بأن المحقق يدعى حسينا من الفرقة الرابعة، وتخيلت أنك تستطيع مساعدتها، فطلبت من الأخت مريم أن تدعني أتحدث معك، ولكنها أخبرتني بأنك في الجبهة.» - «مارينا، لا يمكنني أن أتدخل في شئون الإدارات الأخرى، فمع أنني كنت أحد من يتولون التحقيق معك فلم يكن سهلا أن أخفف الحكم الصادر ضدك.» - «لكنها ماتت، أعدمت.» - «أشعر بالأسف من أجلها.» - «هل تشعر بالأسف حقا؟» - «نعم، أشعر بالأسف لأن الأمور وصلت معها إلى ذلك الحد. للإسلام قوانينه وهي خالفتها فلاقت جزاءها.» - «وهل كانت جرائمها خطيرة إلى درجة تبرر إعدامها؟» - «ليس من شأني أن أقرر ذلك، بل إني لا أعرفها أصلا ولا أعلم ماذا فعلت.» - «الله وحده هو من يمنح الحياة، وهو من يمكنه سلبها .» - «مارينا، لديك كل الحق في الشعور بالحزن، فقد كانت صديقتك وكنت ترغبين في مساعدتها، لكن حتى لو كنت موجودا وقتها ربما استحال علي إنقاذها، فالمحققون يرتكبون بعض الأخطاء، بل إن المحاكم ذاتها تفعل نفس الشيء. لقد تمكنت من مساعدة بعض الناس الذين شعرت أنهم حصلوا على أحكام قاسية، ولكنني لا أنجح طوال الوقت في ذلك. حاولت أن أساعد مينا، أليس كذلك؟ لكنني لم أستطع.» - «لم تكن ترانه تستحق الموت.»
لم أكن أرى أمامي سوى عيني ترانه العسليتين الواسعتين وابتسامتها الحزينة، بينما ظل علي منتبها للطريق. - «لقد سمعت شائعة مفزعة، وأود أن أتأكد من حقيقتها.» - «ما هي؟» - «هل تعتقد أن العذارى يدخلن الجنة بعد الموت؟» - «مارينا، أفهم إلام ترمين.» - «أرجو أن تجيب عن سؤالي.» - «كلا، لا أعتقد ذلك. الله وحده هو من يحدد أصحاب الجنة وأصحاب النار، وليس أنا، والفتيات الصغيرات لا يغتصبن قبل الإعدام. لا تصدقي كل ما تسمعين.»
كان الظلام حالكا، فلم أستطع رؤية وجهه بوضوح، لكن أنفاسه أصبحت متلاحقة. «أنت نفسك كنت على وشك أن تعدمي، فهل تعرضت للاغتصاب؟»
قلت: «كلا»، وتمنيت لو أضيف: «ليس قبل ليلة الإعدام، ولكن بعدها بستة أشهر»، لكني آثرت الصمت. - «مارينا، أتفهم حزنك على صديقتك، لكنني أؤكد لك أنها لم تتعرض للاغتصاب.»
غير أني لم أجد السلوى في كلماته. •••
وصلنا إلى المنزل الصيفي نحو الثانية صباحا، فخرج علي من السيارة وفتح بوابة حديدية كبيرة، ثم قاد السيارة عبر طريق مرصوف تظلله غابة من الأشجار. كانت المنطقة المشجرة أكبر كثيرا من تلك الموجودة في منزلنا، ولكنها مشابهة لها إلى حد يثير الدهشة. تسللت أصوات الحشرات عبر النوافذ المفتوحة، وهبت الرياح في دوامات بين أوراق الشجر وأغصانها تنشر موجات من الظلال الفضية على زجاج السيارة الأمامي. لم أسمع صوت البحر إلا عندما أوقفنا السيارة، حيث أخذت الأمواج ترتطم بالصخور وتملأ المكان بإيقاعها المألوف.
بلغت مساحة المبنى الأبيض المكون من طابقين ضعف مساحة منزلنا الصيفي، وكان به تمثال حجري لأسد بحجم كلب كبير على جانبي المدخل . فتح علي الباب الأمامي ودخلنا، فوجدت غرفة الجلوس قد زودت بمقاعد وموائد للقهوة ذات أسطح زجاجية على الطراز الفرنسي، والأرض مغطاة بالسجاد الإيراني المصنوع من الحرير، ورأيت درجا عريضا ذكرني بفيلم «ذهب مع الريح» يقود إلى الطابق الأعلى حيث وجدت ست غرف نوم اختار علي أكبرها وكانت تطل على البحر مباشرة، وفي منتصف الغرفة فراش كبير ومنضدة للتزين ذات أدراج بأحجام مختلفة، ومنضدتان صغيرتان بجوار الفراش. كان كل شيء نظيفا ولا توجد ذرة غبار واحدة، فخمنت أن عم علي وعائلته كانوا هنا مؤخرا. أزحت الستائر البيضاء وفتحت إحدى النافذتين، فداعب هواء البحر المالح شعري، وتساءلت عما حل بمالكي البيت الأصليين، فلا بد أنهم كانوا يحبون هذا المكان ويفتقدونه الآن كثيرا أينما كانوا.
نامعلوم صفحہ