سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
اصناف
لكن الله لم يقل شيئا. ***
كما وعدني، أحضر علي إفطارا في الصباح مكونا من خبز البربري ومربى الكرز الحامض المعدة في المنزل. كان الشاي موضوعا في كوب بلاستيكي وتفوح منه رائحة زكية ليست كرائحة الكافور. قضيت النهار أفكر فيما يفعله أندريه ووالداي الآن. أكاد أجزم أن أمي تجلس الآن في مقعدها المفضل تحيك الملابس أو تحتسي الشاي، وأن أبي في العمل، أما أندريه ... حسنا لا أدري ماذا يفعل. كنا في أواخر فصل الربيع والدراسة انتهت، فلم يكن يعمل بالتدريس في ذلك الوقت بالتأكيد. هل أصبحت ذكرى لديهم؟ أم ما زلت أتمتع بحضور حي، يدعون لي ويسامحونني؟
هل يسمعني أحد؟ •••
تلك الليلة اصطحبني علي في السادسة مساء، وأخبرني أننا ذاهبان لمقابلة والديه. لم يكن المنزل بعيدا عن «إيفين»، وعندما وصلنا أوقف السيارة في الشارع الهادئ. كانت الحوائط القرميدية العتيقة ترتفع على جانبي الطريق، وخلفها تقبع أشجار القيقب والصفصاف والحور العتيقة الشاهقة، ولكنها تتضاءل كالأعشاب أمام ضخامة جبال «ألبرز» في الخلفية. كان حلقي جافا ويداي باردتين مبللتين بالعرق، ومع أن عليا طمأنني لطيبة والديه الشديدة، فلم تكن لدي فكرة عما قد أتوقعه. تبعته إلى باب معدني أخضر اللون، وانتظرت حتى قرع الجرس، ففتحت لنا الباب امرأة ضئيلة الحجم ترتدي شادورا أبيض اللون، خمنت أنها فاطمة خانم والدة علي مع أنني توقعتها أكبر من ذلك.
قال علي وهو يقبل جبينها: «السلام عليكم يا أمي. أعرفك بمارينا.»
ابتسمت وقالت: «السلام عليكم عزيزتي. أهلا بك.» كانت عيناها البنيتان الصغيرتان تدققان في وجهي بفضول، ووجهها يشي بالطيبة.
دخلنا عبر الباب إلى الفناء الأمامي، فرأيت ممرا ضيقا مفروشا بحصى رمادية ينحرف إلى اليمين ثم يختفي بين أشجار الجوز والقيقب العتيقة، وسرعان ما ظهر المنزل الكبير والكروم يغطي جدرانه. أحاطت الأصص الفخار المزروعة بأزهار الجيرانيوم والأقحوان بالدرج العريض الذي يؤدي إلى الشرفة الواسعة.
داخل المنزل رأيت السجاجيد الفارسية الجميلة الثمينة تغطي الأرض، وكانت شقيقة علي - أكرام - هناك مع زوجها مسعود. كان وجهها مستديرا وعيناها بنيتين واسعتين ووجنتاها متوردتين. ترددت بين معانقتها أو مصافحتها أو عدم فعل شيء على الإطلاق؛ بعض المسلمين المتعصبين يعتبرون المسيحيين غير طاهرين، ولذا قررت ألا ألمسها كي لا تشعر بالضيق. عانق علي والده وقبله على وجنتيه. كان أطول من علي بنحو خمسة سنتيمترات، ونحيلا ذا لحية رمادية مهذبة. حيتني الأسرة أحسن تحية، لكني استشعرت عدم ارتياحهم، فهم لا يرون في فتاة مسيحية وسجينة سياسية عروسا مناسبة لابنهم، ولم أكن ألومهم على محاولة معرفة ما جذب ابنهم في تلك الفتاة الغريبة شاحبة الوجه.
انتقلنا إلى غرفة المعيشة التي كانت فسيحة ومزخرفة على نحو جذاب، وعلى كل موائد القهوة وضعت بعض الفواكه والحلوى في أطباق كبيرة من الفضة والكريستال. جلست على أريكة بجوار أكرام، وقدمت لنا والدة علي بعض الشاي المعطر، ولاحظت أنها تراقبني معظم الوقت، وشعرت بنظرة شفقة في عينيها. أخذت أحتسي الشاي الذي صب في أكواب زجاجية أنيقة مذهبة الحواف، وبدأت أشعر بالارتياح قليلا. بدا الأمر وكأني ذهبت إلى منزل أحد معارفي في زيارة عادية. قدمت لي أكرام بعض كعك الأرز فتناولت واحدة، ثم شرع السيد موسوي يتحدث عن آخر أنباء عمله مع علي. كان يملك متجرا في سوق طهران، ويعتمد على استيراد البضائع وتصديرها مثل السجاد الإيراني والفستق. وسرعان ما قدم العشاء المكون من الأرز طويل الحبة بالزعفران والدجاج المشوي ويخنة اللحم بالأعشاب والسلطة، ومع أن رائحة الطعام كانت شهية، لم أشعر بالجوع. ربما يتناول والداي العشاء أيضا.
وبعد أن فرغنا من تناول الطعام قال السيد موسوي: «إنه موقف صعب يا مارينا، وعلي أن أخبرك برأيي، فأنت بحاجة إلى إدراك حقيقة موقفك لا سيما وأنك ما زلت صغيرة.»
نامعلوم صفحہ