هل يعتقد المسلم البسيط أو المفكر أن رب الإسلام، كان لا يعلم أنه سيكون في الأرض يوما بلد مثل أمريكا وبقدرات أمريكا، أو بوجود الاتحاد الأوروبي، أو هيئة الأمم؟ بالطبع فيما يعتقد المؤمن، أن الله كان يعلم، كان يعلم ولم يذكرها ولم يضع لنا أية قواعد تشريعية محددة للتعامل معها، وترك لنا مواجهة مشاكلنا بأنفسنا فسكت عنها، لكن مشايخنا حلوا في مساحتنا الحرة ليصادروها، وليصدروا فتاواهم إزاء مثل تلك المستحدثات.
وإذا كان رب الإسلام قد علم بذي القرنين وفتوحاته كما ورد بالقرآن، فلا شك أنه كان يعلم أن أستاذ ذي القرنين كان هو الفيلسوف اليوناني أرسطو، وأن أستاذ أرسطو كان أفلاطون، ومع ذلك لم يندد لا بأرسطو ولا بأفلاطون ولا بالفلسفة ولم يكفر المتفلسفين، كما فعل الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي من بعد، وألجمنا عن التفلسف والكلام، بكتابه «إلجام العوام عن علم الكلام»، بينما لم يفعل ذلك ربنا فترك لنا ما تركه دون أن يحدد منه موقفا، ليكون مساحة المؤمنين الحرة للأخذ من السياسة الأرسطية، أو الجمهورية الأفلاطونية، أو قوانين سولون وروما، أو من ديمقراطية اليوم ومقدساتها القانونية الحقوقية الراقية إنسانيا.
إن رب الإسلام أيضا حسبما يخبرنا القرآن كان على علم بأنظمة الحكم المختلفة، ومنها حكم بلقيس لمملكة سبأ، وكيف أنها كانت لا تتخذ قرارا إلا بعد الرجوع إلى مجلسها الشعبي (ملئها)، ولم يعترض عليها نبي الله سليمان بهذا الشأن، حسبما جاء في القرآن، ولم يعب عليها نظامها في الحكم، لكنه عاب عليها دينها، وترك لشعب سبأ نظامهم شبيه الديمقراطي في الحكم، دون أن يندد به أو يعترض عليه، كان ما عابه عليهم هو سجودهم لغير الله وليس طريقة حياتهم.
القرآن والسنة لم يتكلما عن زرع الأعضاء، ولا عن التدخين، ولا عن مجلس تشريعي، ولا عن حقوق الإنسان؛ لأن رب الإسلام كان يعلم أن التطور وحده هو قاعدة الكون الأزلية، وأن هذا التطور سيفرز ما سوف يفرزه في حينه، وترك ذلك لعباده حرا طليقا لأنها شئون لم تكن قد وجدت بعد، ودون أن يدخله تحت قوانين مقدسة، حتى لا يتجمد المسلمون عند النص، وحتى لا يختلف المسلمون حوله ويتقاتلون، تركها مساحة حرة لهم ليتنافسوا فيما هو الأصلح لهم بدلا من أن يتقاتلوا لعبا بالدين وبالسيوف وبمصائر شعوب بكاملها.
كذلك لم ينتقد رب الإسلام القيم الإنسانية وما يحميها من قوانين وضعية، رغم أنها كانت كقوانين من وضع المجتمع عبر جمعيات منتخبة شعبيا، كانت معروفة وموجودة في روما قبل ظهور الإسلام بألف عام كاملة، وسكت عنها القرآن وترك للأجيال اللاحقة، عندما تكتمل نضجا وعندما تحتك بدول العالم وترتقي مثلها، أن تسعى إليها تستلهمها وتستلهم منها، وهو ما سبق وسمحت ببعضه الضئيل الدولة العباسية، فأنجبت كوكبة من المفكرين لم يتكرروا بعدها أبدا.
أليست القاعدة: «ما نهاكم عنه فانتهوا، وما آتاكم فخذوه»؟ إذن لماذا يحرم المشايخ كل يوم شأنا مما تركه الله مسموحا؟ ولو كان مضمون الفعل الفتوي أصلا من أصول الدين لقاله لنا ربنا، ولم ينتظر الدعاة حتى يأتوا من بعد توقف الوحي ليكملوا له شرعه ودينه ويفتوا في الأرض كالآلهة فسادا، إنهم يريدون الربوبية، لا محيص!
إن من حق المسلمين اليوم أن يستردوا ما أخذه منهم المشايخ وما صادروه بفتاواهم، من حقهم أن يقيموا صناعة سياحة حرة طليقة تكفل عيشا كريما في بلد فقير، من حقهم أن يقيموا الكرنفالات السعيدة، وأن يستعيدوا الفرح، والحفلات، والفنون التي تروح عن الروح، من حقهم أن يضعوا شرائعهم بأيديهم كبقية خلق الله، من حقهم النهوض بالمرأة، وبالسينما، وبالبنوك، وأن تصبح مسألة أن أدخن أو لا أدخن، أسهر بالحسين أو بكازينو بالهرم، ألبس الحجاب أو الميني جيب أو طاقية الإخفاء، مسائل حرية شخصية يجب طرد المشايخ منها، حرصا على الدنيا وعلى الدين وعلى عقول المسلمين.
إن طرد الدهاقنة والسدنة والكهنة والأحبار والمشايخ وكل من اشتغل بالدين من عالم المسلمين واجب ديني على كل مسلم يحب دينه ووطنه؛ فليس في الإسلام كهانة ولا سدانة، وليس في كتاب الله ولا في سنة نبيه شيء اسمه الأزهر أو رجال الأزهر أو جماعات تزعم الإسلام دون كل المسلمين، وتركهم يلعبون بنا وبديننا مأثمة عار على كل مسلم فرط في كرامته التي منحها له الله
ولقد كرمنا بني آدم ، وفي دينه، وفي وطنه، وترك كل شيء لرجال مثلنا لهم مطامع ورغائب ونزعات وحاجات بشرية، رغم أنهم ليسوا بآلهة، ولا بأنبياء، ولا بأنصاف أنبياء، ولا هم حتى من الصالحين.
أيها المسلمون أعلنوا إيمانكم بأن محمدا هو خاتم النبوات، وبأن الله واحد أحد فرد صمد، بطرد الكهنة السدنة الدهاقنة من حياتكم، حتى تصحوا وتتعافوا وتلحقوا ببقية الأمم، وربما عليكم قبل ذلك، إقامة محاكمات علنية شفافة، لآخر جيل من هؤلاء في زماننا، ولأسماء من مات منهم زيادة في تحري العدل.
نامعلوم صفحہ