وقالوا: فلنضع أنفسنا مكان ذلك الرجل القاتل .. من منا يتحمل هذا الشيء؟ وما التضحية أو الكفارة التي تغفر له؟
كان ممكنا ل «أوموارو» أن تتجاهل ذلك الحدث أو تتناساه، وربما تنازعت كل البلاد بسببه، لكن شيئا صغيرا كان يقلقهم .. شيء صغير لكن دلالته كبيرة .. لماذا لم تتنازل «أوكبيري» بإرسال مبعوث إلى «أوموارو» يخبرهم بما حدث؟
إن الجميع متفقون على أن الرجل الذي قتل «أكوكاليا» كان غاضبا، وأن شيئا ما استفزه، وأنه لمن الحق أيضا أن «أكوكاليا» لم يكن ابنا ل «أوموارو» فقط، وإنما هو ابن بنت «أوكبيري» أيضا، وما حدث شبيه بسقوط رأس الماعز في حقيبة من جلد الماعز .. وإذن كان عليهم بعد قتل الرجل أن يقولوا شيئا، أو يقدموا بعض التفسيرات، إلا أن «أوكبيري» لم تفعل شيئا سوى عودة الجثة، وكان ذلك دليل احتقار شديد ل «أوموارو»، ولم يكن هذا التصرف بالشيء الذي يمكن تجاهله بسهولة.
مضت أربعة أيام منذ وفاة «أكوكاليا» .. أربعة أيام من الحزن والتساؤلات، ثم راح المنادون يهتفون في الليل عبر القرى الست.
في صباح اليوم التالي اجتمع الناس .. كان مجلسا مهيبا، أجمع فيه غالبية المتحدثين على أنه ليس من حقهم أن يلوموا المتوفى، مع التسليم بأن قريبه أخطأ خطأ جسيما .. طالب كثير من رجال «أوكبيري»، وخاصة الكبار منهم، نسيان ما حدث؛ فقد شد بعضهم شعره أسفا، ثم أقسموا أنهم لن يعيشوا كي يروا «أوموارو» تحترق .. كانوا كما في الماضي تحت قيادة «واكا»، الذي تحدث بفصاحته المعتادة، فأثارهم، وحرك كثيرا من القلوب.
كان «إيزولو» صامتا طوال الوقت، وكان آخر المتحدثين.
قدم لهم التحية بهدوء ولكن بحزن شديد: أوموارو وينو. - هيم. - أوموارو أوبودونيزي وينو. - هيم. - ويزينو. - هيم. - إن الناي الذي كنا نعزف عليه أصبح الآن مكسورا .. عندما تحدثت يوم السوق الماضي والذي قبله من نفس هذا المكان استخدمت مثالا عن الماعز أثناء حديثي، وكنت حينها أتحدث إلى «أوجبوفي إيجونوان» الشاب .. أخبرته - لعلكم تتذكرون - بأن يكون حرا في حديثه إزاء ما كنا نخطط له بدلا من أن يضع قطعة من الفحم المشتعل في أوراق نخيل الطفل، ويسأله أن يحملها بعناية، وها نحن جميعا عرفنا بأي عناية حملها .. لم أكن أتحدث وقتئذ إلى «إيجونوان» بمفرده، بل إلى كل الكبار هنا الذين تركوا ما كان يجب فعله وفعلوا شيئا آخر .. الذين كانوا في البيت وتركوا الماعز تعاني آلام المخاض.
ألا تعرفون حكاية المصارع الذي لم تعرف الدنيا مثل قبضته؟ .. كان يصارع الرجال من قرية إلى أخرى حتى طرح كل رجال العالم أرضا، ثم قرر أن يذهب للمصارعة في أرض الأرواح ليصبح بطلا هناك أيضا .. ظل يضرب كل الأرواح التي تتقدم ناحيته، وكان لبعضها سبعة رءوس والبعض الآخر عشرة رءوس لكنه قهرهم جميعا، إلى أن توسل إليه زملاؤه - وهم يبالغون في مدحه - أن يبتعد، فلم يبتعد .. كان الدم يغلي في عروقه، واحترقت أذناه، فقرر ألا يقبل دعوتهم بالعودة والابتعاد حتى يأتوا له بأقوى مصارع لديهم، فأرسلوا له الإله الشخصي لهم .. روح صغيرة وقوية أوقفته بيد واحدة، وحطمته فوق الأرض الحجرية.
يا رجال «أوموارو» .. لماذا أخبرنا آباؤنا بهذه القصة؟ لماذا تعتقدون أيها الرجال؟ لأنهم أرادوا أن يعلمونا أن الإنسان يستطيع أن يتحدى كل شيء وأي شيء مهما عظم شأنه، ومهما كان قويا أو عظيما .. هذا ما فعله قريبنا .. لقد تحدى قدره .. كنا نعزف له أنغاما على الفلوت ولم نفعل شيئا لإنقاذه من الموت .. أين هو اليوم؟ .. إن الذبابة حين لا تجد أحدا تقرصه تتبع الجثة داخل القبر.
اتركوا «أكوكاليا» جانبا الآن .. لقد ذهب بالطريقة التي رسمها له القدر، اتركوا العبد الذي يرى شيئا آخر داخل ظلال القبر يعرف أنه سيدفن بنفس الطريقة عندما يحين موعده.
نامعلوم صفحہ